Author

اقتصاديات روبوتية

|
أستاذ جامعي ـ السويد

وهكذا أخذ الإنسان الآلي مكانته في سوق العمل بجدارة. آخر الإحصائيات في الدول الإسكندنافية تشير إلى أن الروبوت سيزيح أكثر من 30 في المائة من القوى العاملة في هذه الدول ربما في غضون عقدين من الزمن.
الدول الرأسمالية تخشى البطالة إن قاربت 10 في المائة. في بلد مثل فنلندا نسبة البطالة حاليا تصل إلى نحو 9 في المائة.
وفنلندا، شأنها شأن شقيقاتها الإسكندنافية الأخرى، تمتلك ناصية الصناعة والتكنولوجيا الحديثة التي صارت فيها للروبوت مكانة لا يمكن الاستغناء عنها.
والروبوت تكاليفه أرخص بكثير من تكاليف العامل البشري. فهو لا يحتاج إلى تأمين اجتماعي أو طبي. لا تدفع الشركات له راتبا شهريا مع إضافات للتقاعد. لا يتمتع بعطلة نهاية الأسبوع، وليس هناك قانون يحدد أوقات عمله بثماني ساعات في اليوم.
الروبوت قادم لا بل صار معنا وواحدا منا، باختلاف جوهري أنه إنسان آلي مطيع دون نقاش ودون حقوق أو توقيت عمل. كم كان أصحاب رأس مال المال بحاجة إلى عامل آلي مثل هذا يغنيهم عن صداع التعامل مع العامل البشري ومتطلباته.
وعودة إلى فنلندا حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة بعد عقدين قد تصل إلى 40 في المائة من القوى العاملة البالغة 2.4 مليون عامل من مجموع سكان يبلغ تعداده 5.5 مليون نسمة كنتيجة حتمية لدخول الروبوت مجال الصناعة والتكنولوجيا وأغلب الحقول الأخرى.
وبحساب بسيط، قد تواجه دولة فائقة التطور مثل فنلندا وضعا يصل فيه عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من مليون شخص.
هذا السيناريو المخيف أجبر أصحاب الشأن في هذه الدول على اتخاذ إجراءات احترازية للتقليل من وطأته.
وبدأنا نلحظ بوادر حقل معرفي جديد في علم الاقتصاد يتناول دور الروبوتات في الدورة الاقتصادية. وقد ظهرت عدة مؤلفات مهمة في هذا الاتجاه وأخذت مكانتها في التعليم الجامعي.
وفنلندا تسبق دول العالم من حيث سمو التعليم فيها. وسر تربع فنلندا على عرش أفضل الدول في العالم في حقل التربية والتعليم يكمن في أن الطالب يتلقى أغلب المعارف داخل المدرسة وليس من خلال الواجبات البيتية، وهذا شأن قد نعود إليه لاحقا.
السؤال الملح حاليا هو كيف ستعالج دولة مثل فنلندا جيشا من العاطلين قد يزيد على مليون مواطن في غضون عقدين؟
العاطل عن العمل في هذه البلدان له مستحقات بصيغة معونات اجتماعية. بيد أن هذه الإعانة يمقتها أكثر الناس رغم حاجتهم الملحة إليها لأن البيروقراطية التي ترافقها فيها كثير من الإهانة للكرامة الإنسانية.
الذي يعيش على المعونات التي يقدمها الضمان الاجتماعي يصبح مثل الأسير لدى الدولة. الإعانة التي يتسلمها في كل رأس شهر ترافقها شروط يرى كثير من الناس أنها ترقى إلى الإذلال.
ومن ثم فإن تكاليف إدارة ومراقبة الضمان الاجتماعي من خلال فوج من الموظفين مكلفة للغاية.
دائرة الضمان تراقب المستفيد، تراقب حركات رصيده في المصرف وتنقلاته وسفراته ومشترياته، كل هذه يجب أن تكون ضمن شروط محددة لا مجال للغوص فيها.
وكي ترفع الثقل الإداري والمالي عن كاهلها، اقترحت الحكومة الفنلندية منح كل مواطن فنلندي راتبا اسميا يبلغ نحو 600 دولار شهريا إضافة إلى ما يتقاضاه من مستحقات الأطفال والسكن وما يتمتع به من خدمات عامة مجانية مثل التعليم والصحة.
هذا الراتب تمنحه الدولة للمواطن دون مقابل ودون شروط حتى وإن كان يتقاضى دخلا آخر، الأمر الذي لم تكن تسمح به الدولة سابقا ضمن إطار الضمان الاجتماعي.
لقد بدأ تطبيق الفكرة هذه على نحو ألفي عاطل عن العمل كمشروع رائد يرى كثير من الاقتصاديين نجاعته أمام الغزو القادم للروبوت إلى ساحات العمل.

إنشرها