FINANCIAL TIMES

«الأتمتة» تغزو المصارف العالمية وتهدد بفقدان آلاف الوظائف

«الأتمتة» تغزو المصارف العالمية وتهدد بفقدان آلاف الوظائف

«الأتمتة» تغزو المصارف العالمية وتهدد بفقدان آلاف الوظائف

عندما سُئل رئيس مجلس إدارة واحد من أكبر المصارف في العالم أخيراً كيف ستعمل التكنولوجيا على تغيير القطاع المالي؟ أشار إلى صعود شركة آنت فاينانشيال، فرع الدفعات الرقمية لمجموعة علي بابا، الشركة العملاقة الصينية للتجارة الإلكترونية.
شركة آنت فاينانشيال اكتسبت نحو 100 مليون عميل في العام الماضي، ما جعل إجمالي عدد عملائها أكثر من 500 مليون، تقريباً 10 أضعاف مستوى أكبر المصارف في العالم. رئيس مجلس الإدارة المُخضرم، الذي لم يرغب في ذكر اسمه، لاحظ أن المجموعة الصينية كانت بذلك قد حصلت على "كمية هائلة من البيانات" و"قدرة كبيرة على اتّخاذ قرارات الائتمان". كان من الصعب عدم الشعور بنبرة الغيرة في صوته.
إريك جينج، الرئيس التنفيذي في شركة آنت فاينانشيال، من المقرر أن يتحدث يوم غد إلى جانب أسماء كبيرة أخرى في القطاع المالي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وهو ظهور لأول مرة يوضّح الانقلاب الذي يحدث في القطاع المالي على يد التعطيل الرقمي.
إنه تحوّل يغير طبيعة الأشياء، كما قال مهنيون رائدون سيحضرون دافوس، من المرجح أن يؤدي إلى انتشار الأتمتة على نطاق واسع، وعدم وضوح في الخط الفاصل بين المالية والتكنولوجيا، وفي نهاية المطاف، توحيد قطاعي على نطاق واسع.
يتوقع كثيرون أنه سيتم فقدان مئات الآلاف من الوظائف وأن أمثال شركة آنت فاينانشيال ستغزو أعمال المصارف الأكثر قيمة، في الوقت الذي يُكافح فيه النظام المالي القديم للبقاء على قيد الحياة.
قال رالف هاميرس، الرئيس التنفيذي لبنك آي إن جي، الذي أعلن في الأشهر القليلة الماضية عن خطط لتسريح 7 آلاف من موظفي البنك الهولندي البالغ عددهم 54 ألف: "أعتقد أن التوظيف في القطاع المالي سوف ينخفض والذين يعملون في القطاع سيقومون بأنواع مختلفة تماما من الوظائف".

بشكل عام، توقع بنك سيتي جروب أخيراً أن ما يصل إلى 1.7 مليون وظيفة من المتوقع فقدانها في الوقت الذي تقوم فيه المصارف بجعل عملياتها رقمية خلال العقد المُقبل.
هذا التركيز على إمكانيات التكنولوجيا لتحل محل العاملين البشر في القطاع المالي، تماما مثلما تأخذ الروبوتات مكان عمال المصانع على مدى عقود، هو جزء من خلفية تجمّع دافوس هذا العام، وسط ردود الفعل الدولية المستمرة ضد العولمة باسم الذين تم تجاهلهم.
في حين أن الأجندة في العام الماضي احتفلت بما أطلق عليه المنتدى اسم "الثورة الصناعية الرابعة" – اندماج عدد من التكنولوجيات "تُعطّل تقريباً كل قطاع في كل بلد" - إلا أن حماس هذا العام لمثل هذه التطوّرات تراجع مع مزيد من النقاش حول تكلفتها الاجتماعية.
بالنسبة للمصارف التي تُلاحقها هوامش الربح المنخفضة، فإن الأتمتة والتكنولوجيا تُمثّلان فرصة مرّجوة منذ فترة طويلة لتعزيز الربحية، حتى وإن كانت على المدى الطويل تُشكّل تهديدا شبه وجودي لطريقة المصارف القديمة في ممارسة الأعمال. هذا أمر مهم ولا سيما بالنسبة للمصارف الأوروبية، التي متوسط عائدها على الأسهم عالق بأرقام مكونة من خانة واحدة، وهو أدنى بكثير من تكلفة رأسمالها بنسبة 10 في المائة وأكثر.
نتيجة لذلك، كثير من المؤسسات تتسابق للجمع بين التكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والتعرّف على الصوت، للمساعدة على توفير الخدمات المالية.
قال هاميرس: "نظرا لقوة الحوسبة المتوافرة، بإمكاننا الحصول على توقعات مفيدة بشأن أسعار الفائدة الافتراضية أكثر مما نفعل الآن، الأمر الذي سيسمح لنا بتسجيل الزبائن مُسبقاً واتّخاذ قرارات إقراض فورية، لكل من الزبائن القائمين الذين لا نعرفهم بعد".
يفترَض في الأتمتة أن تسمح لمجموعات الخدمات المالية بخفض التكاليف كنسبة من الإيرادات بمقدار 15 نقطة مئوية، وذلك وفقاً لدراسة تم تقديمها في دافوس يوم أمس من قِبل الشركة الاستشارية، أوليفر وايمان. يتوقع المصرفيون أنهم سيصبحون أفضل بكثير من حيث تحليل كميات كبيرة من البيانات لاتّخاذ قرارات إقراض فورية وتوفير مشورة أكثر ملاءمة بكثير للزبائن.
كما يبحثون أيضاً عن وفورات كبيرة لما يسمى "دفتر الأستاذ العام لتوزيع التعاملات"، وهو نظام قاعدة البيانات المشتركة الذي يدعم وسيلة تداول العملة الرقمية بيتكوين. ثمانية من 10 أكبر مصارف استثمارية في العالم من المتوقع أن تستخدم دفتر الأستاذ العام في التوزيع من أجل خفض 30 في المائة من تكاليفها، التي يراوح مجموعها بين 8 مليارات و12 مليار دولار، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها شركتا الاستشارات أكسنتر وماكلاجان يوم أمس.
في الوقت الذي ينتقل فيه القطاع المصرفي إلى مثل هذه الأنشطة، فإن التمييز بين المالية والتكنولوجيا سيُصبح أقل ضوحاً، وهو ما يجعل المؤسسات المالية القائمة تجد نفسها في مواجهة عدد هائل من المنافسين الجدد في وقت تعاني فيه أصلا الإجهاد.
قال فرانسيسكو جوزاليز، رئيس مجلس إدارة بنك بي بي في آيه الإسباني: "في الوقت الحالي، أمثال فيسبوك وجوجل هي على هامش القطاع المصرفي لأنها لا تريد أن تخضع لتنظيم الأعمال المصرفية.عاجلاً أم آجلاً ستدخل إلى ساحتنا. ستحاول أخذ بعض الأجزاء سلسلة القيمة. هذا هو التحدّي الحقيقي".
من المتوقع أيضاً أن يتغير وجه القطاع المصرفي في أوروبا بسبب تنظيمات الاتحاد الأوروبي التي ستُجبر المصارف على أن تقدم إلى أطراف ثالثة إمكانية الوصول إلى بيانات أي زبون يسمح لها بذلك. هذا ينبغي أن يجعل من الأسهل على المصارف اصطياد عملاء المصارف المنافسة وتقديم مزيد من المنتجات.
التغيير التنظيمي يُمكن أيضاً أن يُطلق العنان للمنافسة بالنسبة للمصارف من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية ومجموعات التكنولوجيا الكبيرة في سيليكون فالي. تتوقع شركة أوليفر وايمان أن كثيرا من المصارف ستُصبح بمثابة "مورّدي مكوّنات"، من خلال إنتاج خدمات مالية تخضع لقوانين تنظيمية كثيرة مثل القروض وحسابات التوفير، بينما العلاقات الوطيدة مع الزبائن تتم إدارتها من قِبل مجموعات تُركز على التكنولوجيا تكون بمثابة ما يُسمى مُقدّمو منصات وجامعو طلبات.
قال أشوك فاسواني، رئيس باركليز في المملكة المتحدة: "الحدود التقليدية للصناعة التي أنا فيها تتلاشى. أقول لفريق عملي إنه إذا لم تكونوا تأكلوا غداء شخص آخر، فإنكم تقومون بالأمر بطريقة خاطئة. نحن شركات تكنولوجيا لديها ميزانية عمومية".
الاضطراب التكنولوجي سوف يتطلب استثمارات ضخمة، ولهذا السبب فإن التنبؤ الكبير الأخير للمصرفيين أنه سيكون هناك توحيد كبير بين المصارف، خاصة في القطاع الأوروبي المُجزأ.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES