في خلفية أحلام لويس كارول نستشف كآبة قابعة وبادية للعيان؛ إن وحدة أليسيا بين أشباحها ربما تعكس وحدة الأعزب الذي حاك هذه الخرافة الخالدة. عزلة رجل لم يجرؤ يوما على الحب أبدا، الذي لم يكن ذا أصدقاء آخرين غير بعض طفلات أمسى الزمن ينتزعهم منه انتزاعا، ولا حتى متعة أخرى غير فن التصوير المستهجن آنذاك. تبقت منطقة أخرى لم أقدر على تبينها، التي يحتقرها بعض العارفين وهي تلك المتعلقة بمؤلف "مشاكل وسادة" الذي نسجه الكاتب كي يملأ ليالي السهاد كما يعترف هو نفسه بذلك ولكي يبعد عنه الأفكار السلبية التي كانت تقض مضجعه. إن شخصية الفارس الأبيض الحزين، والقائم بأفعال عديمة الفائدة، هي صورة طبق الأصل مقصودة وإسقاط ربما غير مقصود، على ذلك الريفي الذي أراد أن يكون دون كيخوتي. دون كيخوتي أو كيخانو الذي لا يعرف المرء إذا ما كان إنسانا فقيرا يحلم بأن يصبح ناصر مستضعفين قريبا من السحرة أم ناصر مستضعفين يحلم بأن يصبح إنسانا فقيرا. أتذكر الآن أن مارتن جاردنر يتكلم لنا، فيما يتصل بهذه الأحلام المتبادلة، عن إحدى البدينات التي تحاول أن ترسم رسامة رشيقة التي ترسم رسامة بدينة التي ترسم رسامة رشيقة... وهكذا إلى ما لا نهاية.
إن القصة التي لا تنسى من كل قصص أليسيا هي تلك المتعلقة بوداع الفارس الأبيض. ربما أن الفارس الأبيض كان متأثرا لأنه يعلم أنه كان هو الآخر حلما من أحلام أليسيا كما كانت هي نفسها حلما للملك الأحمر، الذي يقترب من التلاشي. عن هذا الفارس هو كارول نفسه الذي يستودع الأحلام المحبوبة التي عمرت عزلته.
إن من يكتب للأطفال يجازف بأن يتعرض لعدوى الصبيانية. المؤلف يذوب في المتلقين. تلك كانت حالة جون دو لا فونتين وروبيرت لويس ستيفنسون ثم روديارد كبلينج. إننا ننسى أن ستيفنسون كتب "حديقة للطفل أو الآيات" ولكن ألف كذلك "سيد بلانتري". وننسى أن كبلينج ترك لنا "قصصا كهذه" وقصصا أخرى تعد من أعقد القصص وأكثرها مأساة في قرننا هذا. فيما يتصل بكارول، أعتقد أن كتب أليسيا الرائعة يمكن أن تُقرأ وتُعاد قراءتُها، حسب التعبير الشائع اليوم، على أكثر من مستوى.
إن تلك الأحلام تشكل جزءا من سعادتنا؛ ولربما أمكن أن يتقاسم هذه السعادة أولئك الذين ما زالوا مستمرين في تقليب صفحاتهم، مثلي أنا، وذلك بعد مرور الزمان وطول السهر.
أضف تعليق