Author

هل سينجح ترمب الرأسمالي فيما أخفق فيه أوباما السياسي؟

|

بما أن ترمب أصبح الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة رغم تهوره والطعن في حلفائه وأصدقائه إلا أنه من وجهة نظري أجدر بالرئاسة من كثير من الساسة ومنهم أوباما وكلينتون التي لا تجيد سوى الأزياء والحديث التي نتمنى أنها خرجت من السياسة دون رجعة حتى لا تكون قدوة لغيرها ومدرسة يحتذى بها.
وفي هذا المقال أريد أن أعرض أهم الأسباب التي بنيت عليها وجهة نظري حيال جدارة ترمب برئاسة الدولة العظمى في العالم رغم كثرة معارضيه ومن بينهم شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي فهو شخصية غير محبوبة ويرون أنه ليس ذلك الرمز الأمريكي الذي يمكن تمكينه من إدارة دولة بحجم أمريكا.
أرى أن المرحلة الحالية التي تمر بها أمريكا والعالم بأسره تحتاج إلى أهل المال ومن ينظر إلى المال على أنه قوة ومن يعرف خباياه وأسراره. كما أن الدول بشكل عام - وليست الولايات المتحدة فقط - تحتاج إلى قادة لا يحملون الفكر السياسي فحسب بل فكرا رأسماليا حقيقيا بمعنى رجال يعرفون كيف يقودون الدول بعقلية المال لأن المال قوة لا يقل تأثيرها عن القوتين العسكرية والسياسية بل يعد المغذي الرئيس لهذه القوى جميعا.
والتاريخ يعرض لنا كثيرا من الأمم والشعوب والإمبراطوريات سادت عقودا وصالت وجالت قرونا بسبب قوة المال وطريقتهم الفريدة في إدارته واستثماره. فها هي الإمبراطورية البريطانية التي تعد أكبر الإمبراطوريات في تاريخ العالم كما بين ذكر الموسوعة الحرة وهي من أوائل القوى في العالم ولفترة طويلة التي تعتمد سياستها على ترك عديد من الاقتصادات التابعة لمستعمراتها معتمدة بشكل مباشر على المحاصيل التي يتم استيرادها من بريطانيا. وهذه مدينة بابل العراقية عاصمة البابليين أيام حكم حمورابي الذين كانوا يحكمون أقاليم ما بين النهرين وأصبحت بابل العاصمة التي تقع على نهر الفرات تشتهر بكنوزها وذهبها، وعندما نذكر بابل فإننا نربطها بالثراء والمال والذهب والترف والقصور الشامخات والقلاع العاليات. كما أن الدولة الإسلامية في صدر الإسلام لم تقو شكيمتها إلا بعد غزوة خيبر وتمكن المسلمون من زيادة وفورات بيت المال بالجزية التي يدفعها يهود خيبر للدولة الإسلامية الفقيرة في المدينة. ولا أريد أن أسهب في قوة المال للدول والشعوب والأفراد فلي عودة لهذا الموضوع في مناسبة قادمة إن شاء الله.
نعود للموضوع فنقول إن أمريكا في عهد أوباما تخلت عن دورها الجوهري في كثير من المناطق الملتهبة في العالم كرها لا طوعا ما اضطر حلفاءها إلى الاستغناء عنها فأصبحوا يواجهون مصيرهم بأنفسهم ويحلون مشكلاتهم من دون حليفهم التقليدي، وإن تعذر عليهم فقد يلجأون إلى التكتلات الاقتصادية والعسكرية من أجل المحافظة على أمن بلادهم، وتنمية اقتصاداتهم، ورفاهية شعوبهم لأن حليفتهم التقليدية (الولايات المتحدة) في عهد أوباما انكفأت على نفسها وأصبحت تأخذ دور المراقب من بعد ولم يعد لها سوى أنها تحيك المؤامرات وتشحن العداوات كشيخ ضرير محطم الأعصاب مشدود الضمير. وقد أعجبني تعليق لأحد الساسة الروس حينما وصف فترة أوباما فقال "سيذكر التاريخ أن هناك رجلا أسود مكث ثماني سنوات في البيت الأبيض" فقط هذا ما سيسطره التاريخ لأوباما لا غير وقت دخوله ووقت مغادرته البيت الأبيض فليس له إنجازات تستحق الذكر أو الإشادة لأنه لم تكن له أي إسهامات على الصعيدين الداخلي أو الخارجي.
لذا أرى أن المرحلة القادمة تحتاج إلى قوة تعيد العالم إلى توازنه ولا نقصد بالقوة الحروب فلا أظنها (أمريكا) قادرة في المستقبل المنظور على الدخول في حروب لأن دخولها حربين متتابعتين (أفغانستان والعراق) أرهق ميزانيتها ودمر جيشها. المرحلة القادمة تريد فكرا رأسماليا أكثر من سياسي فالسياسة بمعناها التقليدي لا تكفي منفردة من دون قوة المال والاقتصاد. فهذه الأخيرة تحضر الخصوم إلى دائرة التفاوض وتخضع العدو اللدود وتجبرالمتكبر العنيد. ترمب رغم تواضعه سياسيا إلا أن قدرته كرأسمالي قد تعيد الهيبة لأمريكا ومن يسير في ركبها.
وعندما نقصد بالرجل الرأسمالي لا نعني الأناني الذي يسعى لتحقيق الذات وتسخير مقدرات الدولة لمصالحه وطموحاته على حساب الأفراد والجماعات كما فعل جورج بوش الابن بل نقصد رأسماليا حقيقيا يحمل فكر تنمية الأموال وينقل ذلك الفكر لمعاونيه وشعبه وينظر إلى المال كقوة داعمة للقوة العسكرية. فالمتتبع لكثير من القضايا والأزمات التي يعيشها العالم ومنها قضايا الدول المتقدمة سببها قادة سياسيون ينقصهم فهم قوانين الاقتصاد والمال وليست لهم نظرة فاحصة في طريقة إدارة الأموال والمحافظة عليها وتنميتها. والأمم عادة تريد ساسة وفي الوقت نفسه اقتصاديين أي رجال يجمعون بين إدارة الدولة والدبلوماسية والعلاقات الدولية، وفي الوقت نفسه يحملون فكر الربح والخسارة والفائض والعجز ومصادر الحصول على الأموال.
إذن يمكن القول إن ترمب الرأسمالي في المحك وينتظر منه شعبه والعالم بأسره أن يعوضهم عن سنوات أوباما السياسي ولكن عليه (ترمب) أن يجمع إضافة إلى قدراته الرأسمالية قدرا من السياسة والدبلوماسية ولكن بعقلية العصر الذي نعيش فيه. فالشعوب والأفراد قادرون على تقييم أداء من هم في سدة الحكم ومعرفة نواياهم فلم يعد هناك مكان للتمثيل أو استغلال الشعوب وتمرير قضايا في ظاهرها منافع قومية وفي باطنها استغلال لموارد وطنية من أجل مصالح ذاتية.

إنشرها