Author

الأرجنتين .. ورجال أعمالنا

|
مستشار اقتصادي

تنمويا واقتصاديا تقف المملكة أمام منعطف تاريخي ولذلك لابد من العبرة من تجارب وتاريخ الأمم. قبل أكثر من قرن كانت الأرجنتين أمام مفترق طرق، فإما أن تأخذ بطريق أمريكا في مركزية دور الاقتصاد في تصاعد النمو وتعميق المؤسسات، أو أن تأخذ بمسار آخر. كلا البلدين كان واعدا اقتصاديا حيث المهاجرون الجدد والأراضي الزراعية الخصبة والمناخ المناسب ولكن البلدين افترقا منذ قرن أو أكثر قليلا. كانت الأرجنتين من أغنى عشر دول في العالم، ولكن منذ ذلك الوقت وهي في تذبذب بين الشعبوية التي تبيع الأحلام من خلال النخبة العسكرية وبين حكم يميني يخدم عدة عائلات إقطاعية تقوم على بيع الحبوب واللحوم مستغلة العمالة الرخيصة. هذا التذبذب أوجد بيئة غير مناسبة للانتقال من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الصناعية و بناء المؤسسات الحديثة. هذا لم يحدث في أمريكا ولكنه كاد أن يحدث لو انتصر الجنوب الإقطاعي في الحرب الأهلية، حيث كان يسيطر النظام الإقطاعي واستغلال العبيد.
التشابه بين رجال الأعمال في الأرجنتين  في تلك الحقبة ورجال الأعمال في المملكة كبير جدا  وأكثر مما يتصور كثيرون، وهو الغالب على النموذج السعودي للأعمال.  أما قطاع المقاولات فيعتمد بشكل كبير على الحكومة، وليس هذا أهم عيوبه ولكن الأهم الاعتماد على العمالة المسترخصة، أو وكالات تجارية دون قيمة مضافة تذكر وتوظف عمالة وافدة في غالبها مسترخصة. المشترك الأساس أنه في حال عدم تعميق الاقتصاد لن تتطور المؤسسات وإذا لم تتطور المؤسسات لن تحدث تنمية. معرفة التاريخ قد تساعد على كشف مكامن الخطأ وفرص النجاح.
أتى إعلان الميزانية الأخير وما صاحبه من درجة أعلى من الوضوح والمصارحة في الانكشاف على ممارسات اقتصادية غير صحية وغير كفيلة بإحداث نصف نقلة نوعية. وجاءت الإصلاحات الأخيرة في ميدان هيكلة الدعم ورفع تكلفة العمالة الوافدة كمحاولة جادة لإعادة ترميم الهيكل الاقتصادي. بيت القصيد يدور حول الحاجة إلى رفع دخل المواطن العامل في القطاع الخاص من خلال حمايته من الوافد، وإذكاء درجة من المنافسة في سوق العمل الوطني لرفع الكفاءة. لا أعرف طريقة أخرى لرفع دخل المواطن في المديين المتوسط والبعيد. دعم المواطن في القطاع الخاص سيرفع تدريجيا من الاهتمام بالتعليم، وإكمال الدائرة الخيرة كفيل بالنقلة النوعية.
نسمع اليوم عن تشكي رجال الأعمال ونرى سيلا من دموعهم على الاقتصاد وما سيؤول إليه إذا ارتفعت تكاليف العامل الوافد وقل الدعم غير الرشيد حتى يجد الاقتصاد الوطني توازنا جديدا أقرب إلى المصالح الوطنية. خيارات السياسة الاقتصادية دائما بين الفعالية والعدالة، البوصلة مع الفعالية والعدالة مع القاعدة المجتمعية، ولذلك جاءت البوصلة من القيادة بينما يشكل رجال الأعمال جزءا مهما من القاعدة المجتمعية ولذلك عليهم مسؤولية في الاستنارة وليس الطمع وتجميع المال كبديل للنشاط الاقتصادي. علينا إما الأخذ بخيار أمريكا وغيرها من التعميق الاقتصادي ومن ثم البناء المؤسساتي من خلال نمو اقتصادي صحي أو خيار الأرجنتين من مصالح ضيقة وبناء هش وتذبذب مستمر.  

إنشرها