Author

«التوازن المالي» يسيطر على المخاطر المنتظمة

|

لعلها المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة السعودية بوضوح خطة مفصلة لتقديرات الميزانية العامة للسنوات الأربع القادمة، حيث قدرت الحكومة السعودية إيرادات بنحو 1050 مليار ريال بحلول عام 2020، حيث سترتفع الإيرادات الحكومية، بنسبة 99 في المائة عن مستوياتها المعلنة في عام 2016، وبما يعادل 522 مليار ريال، خلال أربع سنوات. هذا هو المتوقع فيما لو مضت كل الخطط وفقا لما تم العمل عليه، لكن المالية السعودية لم تقف عند هذا المستوى بل طرحت عدة سيناريوهات أخرى في وثيقة برنامج التوازن المالي للإيرادات الحكومية بعضها متحفظ والآخر متحفظ جدا، وبحسب السيناريو المتحفظ سترتفع الإيرادات الحكومية إلى 971 مليار ريال، ووفقا للسيناريو المتحفظ جدا سترتفع الإيرادات الحكومية إلى 832 مليار ريال بحلول عام 2020. وقد قدمت وثيقة التوازن المالي تفاصيل لكل مسار متوقع وتوقعاتها لكل عام على حدة. وبرنامج التوازن المالي يركز أساسا على زيادة الإيرادات غير النفطية عبر مجموعة من الإجراءات التي تم الإعلان عنها، وقد بدأت هذه المنظومة من الإصلاحات خلال عام 2016، وتضمنت توقعات الإيرادات لعام 2017 عددا من هذه المبادرات. وبعيدا عن تفاصيل هذه المبادرات المعلنة التي قدمت «الاقتصادية» تحليلات كثيرة مستفيضة لها، فإن أهم ما في خطة التوازن المالي، وضوح الرؤية وصدق التوقعات بشأن مستويات الإيرادات الحكومية. هذه الخطوة المهمة التي تم التساهل فيها خلال عقود مضت تأتي اليوم لتتصدر المشهد الاقتصادي في المملكة. لقد بنيت خطة التوازن المالي ــــ كما هو عنوانها ــــ على إيجاد توازن حقيقي في العمل والتخطيط، والآن يمكن لكثير من قطاعات الاقتصاد وكثير ممن يعملون فيه بناء توقعاتهم الخاصة بشأن برامجهم الاقتصادية، وفقا لمقتضيات برنامج التوازن المالي، فلا مفاجآت قادمة سواء على مستوى الإيرادات أو على مستوى المصروفات، وهذا هو صلب معنى التوازن. فعندما تعلن المملكة وبكل وضوح تفاصيل إيراداتها للسنوات القادمة وآلية التحصيل، وأن معظم هذه الإيرادات يمكن التحقق منها وبدرجة كبيرة من الثقة، فإن كثيرا من مكامن الخطر في الاستثمار المتعلقة بالمخاطر المنتظمة تتقلص إلى حد بعيد، وهذا يقدم مساحة واسعة للمستثمرين للسيطرة على المخاطر غير المنتظمة المتعلقة بصناعتهم ومؤسساتهم، وبذلك تتحسن إلى درجة كبيرة مستويات الاستثمار في الاقتصاد السعودي، وتحقق ميزانية الدولة عوائد أكبر كلما زاد النمو الاقتصادي، وتتحسن الفرص الوظيفية والتنمية بشكل عام، وقد تصبح مشكلة المملكة الاقتصادية بعد عام 2020 السيطرة على مستويات النمو المرتفعة حينها.
فمن المعلوم أن الاستثمار في أي اقتصاد يواجه نوعين من المخاطر، المخاطر المنتظمة والمخاطر غير المنتظمة. المخاطر المنتظمة تتعلق بحالة الاقتصاد ومعدلات الفائدة السائدة، وأسعار العملة ومستويات الإنفاق الحكومي، والمخاطر غير المنتظمة تتعلق بالاستثمار نفسه والسوق والصناعة والمؤسسة. المخاطر غير المنتظمة يمكن السيطرة عليها من خلال تنويع الاستثمارات والحكمة في نوعيتها، لكن المخاطر المنتظمة يصعب التحكم فيها  خاصة إذا عم الغموض حالة الاقتصاد، ومستويات النمو وأسعار الفائدة. وقد كانت الأوضاع الاقتصادية في المملكة تهمل ضبط هذه المخاطر على مستوى الاقتصاد، لكن مع برنامج التوازن المالي فإن الخطة وتفاصيلها وسيناريوهاتها المتوقعة تقدم ضبطا للمخاطر المنتظمة ما يمكن المستثمرين من قياسها بدقة وبالتالي دخول السوق بدرجة عالية من الثقة. وقد أحسنت وزارة المالية إذ أكدت الميزانية السعودية، وبعد إعلان خطة التوازن المالي لن تشهد مفاجآت بل سيتم العمل فقط على ما تم الإعلان عنه. لهذا نتوقع أن تشهد المملكة فترة ازدهار اقتصادي غير مسبوقة وجذبا للاستثمارات الأجنبية بشكل قياسي ما يمكن الاقتصاد من التغلب على بعض الآثار السلبية للخطة المعلنة.

إنشرها