Author

الأمن الجماعي ودول الخليج .. الثابت والمتحول

|

الأمن الجماعي هو قيام نظام جماعي بين دول معينة بمقاومة عدوان دولة ما على إحدى الدول من منتسبي النظام. وقد أكد كارلدوتش الذي وجد أن مفهوم الأمن متطور غير جامد ويعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة. فهو متجدد يواكب تطورات الأوضاع المحلية والإقليمية. ومن هنا نستطيع القول إن مسألة الأمن الجماعي لدول الخليج أصبحت في تداخل بشكل كبير تتأثر بالمحيط الإقليمي وتؤثر فيه، لكنها أيضا تتغير بتغير الزمن والمصلحة.
وقامت منظمة دول مجلس التعاون الخليجي كمنظمة أمن جماعي لتلك الدول، لتعزيز الروابط الخليجية والعمل على إيجاد صيغ عسكرية وسياسية وأمنية مشتركة من أجل المصلحة الجماعية لدولها.

فهم أمن الخليج من منظور جيوسياسي
من منطلق موقع دول الخليج التي تحتل موقعا استراتيجيا بين آسيا وإفريقيا، وعلى مطلات بحرية مهمة في الملاحة الدولية، وكذلك أهمية مكانية بوجود المقدسات الشريفة على أرض المملكة، أوجد لها أهمية عالمية، ولا يكون للموقع الجغرافي لدول الخليج علاقة بالسياسة الدفاعية والسياسة الهجومية. وجود المنطقة حاليا في مناطق صراع وتوترات (العراق ـــ سورية ـــ اليمن) كصراع صلب، يجعل ذلك يعزز من السياسات الأمنية الخليجية تجاه تلك الدول حيث تمت ترجمته جنوبا بعاصفة الحزم.

تغيرات القوة الدولية وأثرها في سياسات أمن الخليج
ما بين قوة الدول ونفوذها، ومقدار أدواتها الصلبة والناعمة في التأثير في النظام الجمعي أو الإقليمي أو حتى في الدول الأخرى بشكل فردي، يتغير مفهوم توازن القوى دوليا. ويعد مفهوم توازن القوى ذا انتشار واسع، إلا أن المعنى الدقيق ما زال غامضا في معرفة الأدوات المختلفة والمستويات التي تحدد نوع القوة من جهة وكذلك مدى تأثيرها. ويمكن وصف توازن القوى بأنه : الحالة التي تتعادل وتتكافأ مع ندها المقدرات البنائية والسلوكية والقيمية لدولة ما منفردة أو مجموعة من الدول المتحالفة مع غيرها من الوحدات السياسية المتنافسة معها، حيث تضمن هذه الحالة للدولة أو لمجموعة الدول المتحالفة ردع أو مجابهة التعديات الموجهة ضدها من أي عدو، وبما يمكنها كذلك من التحرك السريع والفعال وحرية العمل في جميع المجالات للعودة إلى حالة الاستقرار، ويطلق على هذا المفهوم التوازن الاستراتيجي، وهو يتميز بثلاث خصائص:
1 - تكافؤ مجموعة من المتغيرات، فإذا استمر هذا التكافؤ عرف بالتوازن الاستراتيجي المستقر، وإذا تغيرت حالة هذا التكافؤ سلبا أو إيجابا سمي بالتوازن الاستراتيجي غير المستقر.
2 - إمكانية تحقيق هذا التوازن في دولة منفردة بصورة كاملة معتمدة على إمكاناتها الذاتية وقدراتها القومية، حيث تتكافأ مع التهديدات الموجهة ضدها، أو قد يتم ذلك من خلال تحالفات، وفيه تعبأ مقومات القوة القومية للدول المتحالفة ضد التهديدات الموجهة لهذا التحالف.
3 - إن هذا التوازن له ثلاثة أبعاد، وهي البعد البنائي ويتمثل في القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لدولة أو مجموعة دول. أما البعد الثاني فهو سلوكي ينبع من مرونة وحركة القوى الفاعلة دولة أو إقليمية. والبعد الثالث هو بعد يقيم من خلاله حالة القول أو الرفض للقوى الفاعلة.

إعادة تقييم سياسات التحالفات والعداوات ضرورة مستمرة
يمكن تعريف التحالف بأنه اتفاق رسمي تتعهد بموجبه مجموعة من الدول بأن تتعاون فيما بينها في مجال الاستخدام المشترك لقدراتها العسكرية ضد دولة أو دول معينة، كما تلتزم عادة بمقتضاه دولة أو أكثر من الدول الموقعة على الاتفاقيات باستخدام القوة أو التشاور بشأن استخدامها في ظل ظروف معينة. وقد تكون التحالفات رسمية أو غير رسمية، وثنائية أو أكثر في عددها، وكذلك في طبيعتها هجومية أو دفاعية، وكذلك من حيث مدة زمنها وتوقيتها، وإعلانها، والتكافؤ بين أعضائها، وبين التركيز على مسألة التكافؤ، حيث تؤثر الدول القوية في الأحلاف على الدول الكبرى أو توجهات الحلف، ويمكن تحديد أربعة دوافع داعية لقيام التحالفات على سبيل الذكر لا التحديد وهي:
ــــ تحالفات تعزيزية
ــــ تحالفات وقائية
ــــ تحالفات استراتيجية
ــــ تحالفات تخدم أهدافا أيديولوجية.
عدد من الأسئلة ينبغي طرحها عند الحديث عن الحلفاء. هل نحن وهذه الدولة حلفاء أم أعداء؟ هل نبالغ في طرح دول أعداء مثل إيران مثلا؟ أو نقلل من تلك العداوة؟ هل نعي تحالفنا مع مصر ودول عربية أكثر مما يجب لأنهم حلفاء؟ هل دول كباكستان أو تركيا في الدرجة من التحالف التي ينبغي لها؟
كيف يمكن تسريع التحالف أو تبطيئه، من أجل المصلحة الوطنية؟ والشيء نفسه ينطبق على العداوة، هل من المهم وجود عداوة أو تحييد عداوة من أجل تحييد خطر ما الذي يصب في مصلحة وطنية كذلك؟
يمكن الحديث عن سياسة التحالفات أنها تجمع دولتين أو أكثر لمواجهة قوة أخرى، ويمكن لتلك التحالفات أن تأخذ شكلا دبلوماسيا أو عسكريا أو سياسيا أو أي مجال آخر من شأنه إحداث مصلحة متبادلة بين الطرفين وتوجيه رسالة أو وضع تدابير للحماية من قوة أخرى تهدد أمن هذه الدول مجتمعة أو إحداها. وتتسم التحالفات عند تعدد القطبية بالمرونة والتبادل، فحليف اليوم عدو الغد والعكس صحيح أيضا. ولذا نكتشف أن من بين أسس التحالفات أن يبقي على الدول المهزومة في حالة من القوة تحسبا لتبدل موازين القوة الدولية حين البحث عن حلفاء للغد عند الاختلاف مع حلفاء اليوم.
وهنا نتساءل كذلك بالنسبة لدول الخليج وتأثرها وتأثيرها في التحالفات التقليدية التي كانت تعتمد عليها: هل تأثرت بما يسمى تأثر المكانة وهو الخلل في الاتزان بين العوامل الجغرافية والاقتصادية والعسكرية والتقدم التكنولوجي والثقافة والحضارة، الذي أصبح غير متوازن بسبب أسعار النفط، ما أدى إلى اهتزاز توازن مكانة دول الخليج وإضعاف قدراتها على إحداث التأثيرات السياسية في الساحة الدولية؟

إنشرها