Author

طلبة آخر زمن

|

عندما أقول إنني ممن كانوا يخشون المعلم وهو يسير في الشارع أو يحضر مأدبة، فأنا أصور حال جيل كامل عاش هذه الرهبة التي كانت ضمن المفهوم الاجتماعي العام الذي يمارس فيه كل صاحب مركز قوته، ويحظى بحقه من الاحترام بناء على معايير مجتمع بسيط لكنه منضبط.
قد يستغرب البعض من كم الاحترام الذي يناله كل من يقع في موقع المسؤول اليوم من ذلك الجيل. تعلمنا هذا بــ"الطيب أو بالغصيب"، فالمجتمع لم يكن ليتقبل أن يمارس أي عضو فيه التمرد دون أن يعاقبه بأشد العقوبات. هناك لم يكن المتمردون على النظام سوى قلة تواجههم المجموعة بالرفض والكشف الفوري.
المستوى نفسه من الاحترام كان يحصل عليه الوالدان والآباء من الجيران وكبار القوم، ليس هذا تكلفا أو طبيعة بشرية وإنما نتاج تربية وأسلوب معين في التعامل والتخاطب والعقاب. يفرض هذا المستوى ما يرتبط به من صلاحية، فأنت تجد الكبير في الحي يؤدب كل الصغار الذين يخرجون على الأدب أو يمارسون المرفوض من السلوك.
تلك الصلاحية التي اضمحلت مع التعلق العجيب الذي نشاهده من الآباء والأمهات بتدليل الأبناء والوقوع فريسة تلبية رغباتهم مهما كانت. ليست هناك أي مبررات لهذا التغيير في التعامل المجتمعي وإنما جعلت الوفرة المالية السريعة وكثرة المزايا التي يحصل عليها الجميع الوالدين أشبه بالضحايا للرغبات الصغيرة التي يطالب بها الصغار.
يضاف هذا إلى حال الفراغ الشديد الذي يعيشه الجميع، والإصرار على تقليل النسل ومحاولة التشبث ببعض المفاهيم التي لا تناسب مجتمعاتنا، وبصراحة أكثر عدم تأهيل الوالدين لقيادة مركب الأسرة في مواجهة صعوبات الحياة من خلال الاعتماد على المال والدلال كعنصرين لتحقيق راحة الأبناء والبنات هو ما جعلنا في هذا الموقع الخطير.
إن الاعتداءات التي نشاهدها اليوم على المعلمين ومديري المدارس ليست بمعزل عن العقوق الذي يعانيه الوالدان من أبنائهما بشكل متزايد وخطير. التربية التي لا تبنى على إيجاد روح المسؤولية والاحترام للآخرين ومعاقبة السلوك المخالف تنشئ جيلا يقتل أول ما يقتل أولئك الذين منحوه الدلال ولم يعاملوه بما يرضي الله ورسوله.
هنا أدعو جميع الآباء والأمهات للتوقف عن هذا التعامل الخطير والعودة لغرس مفاهيم المسؤولية والمحاسبة والعقاب المعقول على كل الأخطاء التي يمارسها الصغار ليكونوا ـــ في المستقبل ـــ مسؤولين عن تصرفاتهم ويستشعروا دورهم والتزاماتهم الاجتماعية.

إنشرها