Author

التحدي المالي .. ومنطقة الراحة

|

عند الحديث عن الثقافة المالية ومواجهة تحديات الحياة الاقتصادية فإن الهدف ليس الوصول إلى منطقة الراحة، وإنما الخروج منها، لا يخفى على أحد الاهتمام المتنامي في الفترة الماضية بمسألة الوعي والثقافة المالية الشخصية بعد المتغيرات الاقتصادية الأخيرة؛ حتى ظهرت لنا دورات الوعي المالي وأصبحت الصحف تنشر التقارير والرسومات التوضيحية وظهر لنا جيل جديد من المغردين والنشطاء المهتمين بهذه المواضيع، وهذا طبيعي وإيجابي. ولكن حسب ما رأيت من حالات شخصية تتطلب تحولا جذريا في التعامل مع الظروف الجديدة فإن العقبة الأكبر ليست الحصول على المعرفة الجديدة أو إيجاد الأدوات، وإنما الخروج من منطقة الراحةThe Comfort Zone، ليتمكن هذا الشخص من التعامل مع الأوضاع الجديدة بشكل فعال ومؤثر. المكوث داخل منطقة الراحة يصنع عشرات القيود التي تمنع الشخص من تجاوز العقبات وصنع التغيير المنتظر على حياته.
لم يعد هدف كثيرين البحث عن الثراء -وهو حق مشروع- ولكن إن صح التعبير فإن البحث عن الحرية المالية هو التعبير الأدق للحالة التي يجب أن يسعى لها الجميع دون أدنى شك تحريرا للسعادة وجلبا للراحة الحقيقية. تتجاوز الحرية المالية تعاسة الفقر وضيق الحيلة وتبتعد في الوقت نفسه عن نقم الثراء والبذخ. يقوم مفهوم الحرية المالية على فكرة الانضباط والترتيب بطريقة تجعلنا أحرارا في قراراتنا المالية المعيشية، فلا اضطرار مقلق ولا قيود مؤلمة ولا خضوع للمال أو لآخرين من أجل المال. ولكن الوصول للحرية المالية قبل أن يكون قدرة فعلية في التصرفات أو نقودا في الحسابات هو في الأساس تطوير لطريقة التفكير، حيث تتربع القناعات الثمينة مع السعي والعمل المُنتج على قائمة الأسباب، وتسيطر تبعا لذلك ممارسات ذكية ومحددة، وليست عشوائية أو متعجلة، تفهم وتحسن التعامل مع تحديات الثروة والإنتاجية والكفاءة.
إذا تحدثنا عن مفهوم الحرية المالية كهدف نود الوصول إليه، فإن لتغيير طريقة التفكير The mindset أولوية كبرى حيث إن طريقة التفكير السابقة التي عملنا بها في ظروف لم تعد موجودة لن تكون مجدية. وهنا مربط الفرس، أن تقرأ كتابا في الوعي المالي أو تحمل تطبيقا على الجوال أو تحصل على قرض لإدارة مشروع الحصول على الدخل الإضافي لن تحل المشكلة بشكل فوري، إلا إذا بدأت التفكير والتصرف بطريقة مختلفة. على الأقل يجب أن تتغير السلوكيات على  جانبين مختلفين: جانب صنع المال، وجانب الحفاظ عليه، أي تجديد مصادر الدخل وتفعيل عادات الادخار. من يشعر بكل هذه الأمور يحصل حوله ولا يرى تحسن فعلي في النتائج، هو على الأرجح متمسك بالوجود المستمر داخل منطقة الراحة الخاصة به. إن لم يخرج منها فلن يستطيع على الأرجح الحصول على ريال واحد إضافي على دخله الاعتيادي. الحصول على دخل إضافي يتطلب في العادة القيام بأمور جديدة مثل تغيير العادات اليومية أو التعامل مع فئات لم يكن يستلطفها أو ممارسة أعمال كان يقلل من أهميتها.
لو كانت كل فكرة جديدة مطروحة علينا أيام الشدة تحصل على درجات التقييم نفسها التي كنا نمنحها لمثلها أيام الرخاء، فإن النتيجة ستكون كارثية. ما يحصل هنا هو أن السياسة القديمة لا تتسق مع الظروف الجديدة، ما يجعل نتيجتها سلبية. الانتقاد أو إيجاد مواطن الخلل في أعمال الغير عبارة عن مهارة عجيبة كنا نمارسها خلال أحاديث غير مهمة، تصبح مثل هذه المهارة وبالا علينا إذا مارسناها على قراراتنا المصيرية. لهذا، لابد أن نعرف حدود منطقة الراحة التي نعيشها حتى نتمكن من الخروج منها والنظر في الواقع بطريقة موضوعية بعيدا عن التحيزات وضيق الأفق والحكم بناء على تصورات سابقة لا قيمة لها اليوم. إن أكبر ما يمكن أن نظلم به أبناءنا الذين يحصدون قيمة قراراتنا المالية بشكل مباشر أن نجعلهم ضحايا لتصورات وقيود وهمية لا ترتبط بالواقع ولن تكون موجودة في المستقبل.

 

إنشرها