Author

«تنظيم العبور» للطاقة المتجددة

|
عندما اطلعت على وثيقة برنامج تحقيق التوازن المالي 2020 وتحديدا الفصل الثالث المتعلق بـ "إصلاحات أسعار الطاقة والمياه"، لا أستبعد ردة فعل قوية خاصة من مستهلكي القطاعين التجاري والصناعي اللذين يعانيان أصلا ضعف القوة الشرائية للمستهلك بشكل عام. أما بالنسبة لمستهلكي القطاع السكني، فمن المفترض أن برنامج "حساب المواطن" سيعين ـــ إلى حد ما ـــ بعض الأسر على تحمل أعباء وآثار تلك الإصلاحات الجذرية. إلا أن اللافت للانتباه هو أن هدف تعديل أسعار منتجات الطاقة مبني على تعويض "تكلفة الفرصة البديلة" الضائعة على المملكة التي تمثل الفرق بين سعر المنتج محليا وسعر تصدير النفط. وإذا ركزنا على قطاع الكهرباء تحديدا، نجد أن النفط بأنواعه (الخام والثقيل والديزل) يشكل 68 في المائة من الوقود المستخدم لإنتاج الكهرباء في المملكة حسب آخر تقرير سنوي متاح لهيئة تنظيم الكهرباء (2014)، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 5 في المائة على مستوى العالم. في الحقيقة هناك تساؤلات قد أطرحها لأصحاب الشأن في مناسبات مقبلة، لكن الواضح هنا أن مبدأ الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الاستهلاك أصبح من مصلحة المستهلك وإلا ستظل تكلفة استهلاك الكهرباء مرتبطة بأسعار تصدير النفط. وهذه حقيقة ثابتة بعد التطور المتسارع لتقنيات الطاقة المتجددة، حيث أصبحت تنافس مكانة الطاقة التقليدية من دون أي دعم مالي يذكر في كثير من دول العالم. مقال اليوم سيركز على أهمية إقرار التنظيمات المناسبة لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة في المملكة من منظور عملي. واللافت أن هناك عديدا من النظم المطبقة في الدول المجاورة أتصور أنها ستسهم في تحقيق أهداف المملكة المتعلقة بإنشاء سوق تنافسية للطاقة المتجددة بشكل متسارع لو نظرنا في تطبيقها بالشكل الذي يناسب ظروفنا. ولا أستبعد أن هناك تحركات في أروقة هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج لهيكلة وإعلان النظم والحوافز المناسبة لتحقيق تلك الأهداف الطموحة جدا "إضافة 9.5 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2023". إحدى تلك النظم التي أتوقع أن يكون لها دور مهم في تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة ما يسمى بتنظيم "العبور" المطبق حاليا في الأردن. هذا التنظيم باختصار يتيح لكبار المستهلكين، إلى جانب المنتجين التقليديين، الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية تحديدا) بغرض تخفيف اعتمادهم على الشركة الوطنية للكهرباء ذات التعرفة العالية. وسمي بتنظيم "العبور" لأن المحطة الشمسية التي يراد بناؤها وتشغيلها لا تقع بالضرورة في موقع المستهلك المسؤول نفسه عن المحطة، بل يمكن بناؤها في مدينة أخرى إن لزم الأمر حسب توافر المواقع المناسبة. وبالتالي لابد من اتفاقية لربط المحطة بالشبكة بين المستهلك والشركة الوطنية للكهرباء التي تملك الشبكة إضافة إلى اتفاقية المقاصة بينهما. أما بالنسبة للفوائد الاقتصادية والمالية لهذا التنظيم، فأشير إلى مشروع الطاقة الشمسية الذي اعتمد البنك الإسلامي للتنمية تمويله الشهر الماضي لمصلحة مركز الحسين للسرطان في عمان. المشروع يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية على المركز المترتبة على زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية الحالية والمستقبلية، وذلك عن طريق إنشاء محطة للطاقة الشمسية بسعة تقريبية 14 ميجاواط حسب نموذج تنظيم العبور الذي أقرته هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن في الأردن. وقد أكدت دراسة جدوى المشروع أن المحطة ستحقق وفرا تتجاوز قيمته سبعة ملايين دولار أمريكي من تكاليف تشغيل المركز سنويا نتيجة للفرق الكبير بين تعرفة الشبكة الوطنية للكهرباء والتعرفة المتوقعة من محطة الطاقة الشمسية. أما بالنسبة للشركة الوطنية للكهرباء، فإن هذا التنظيم يخفف من الأعباء المالية والتعاقدية عنها لأن أطراف المشروع محصورة بين مستثمري القطاع الخاص وكبار المستهلكين (مركز الحسين في هذا المثال)، إضافة إلى الرسوم التي سيتم تحصيلها لاستخدام الشبكة (رسوم العبور). الجدير بالذكر، أن التعاقد بين مستثمري القطاع الخاص وكبار المستهلكين يتم من خلال طرح مناقصات منافسة عبر نموذج البناء والتملك والتشغيل لمدة 25 عاما. وبشكل عام، سيسهم المشروع في دعم الميزان التجاري للأردن من خلال تخفيف واردات الطاقة إذا ما علمنا أن الأردن يستورد 97 في المائة من احتياجاته من الطاقة. هناك كثير من المنافع الاقتصادية والمجتمعية التي يمكن تحقيقها إذا ما تم تطبيق تنظيم العبور في المملكة، حيث سيتولى القطاع الخاص تمويل وتشغيل مشاريع الطاقة الشمسية بسعات متفاوتة لمصلحة كبار المستهلكين كافة (الحكومي والصناعي والتجاري) فتحصل بعض الفوائد المرجوة من خطة التحول ـــ بإذن الله. ومن أبرز تلك الفوائد، تخفيض قيمة استهلاك الكهرباء على المستهلك التي سترتبط قريبا بأسعار تصدير النفط.
إنشرها