Author

هدر الدواء.. من منظور اقتصادي وطبي

|
موضوع هدر الدواء حيوي ومهم من الناحية الاقتصادية وكذلك الناحية الطبية.. وإن كنت أدعي أن لدي إلماما محدودا بالجانب الاقتصادي، فإن التأثير الطبي أتركه للمتخصصين من الأطباء والصيادلة الذين يؤكدون دائما أن كثرة الأدوية على المريض تؤثر سلبا في صحته بسبب التأثيرات الجانبية التي لا يخلو منها أي دواء.. وقبل أن ندخل في صلب الموضوع أقول إن هدر الدواء في مجتمعنا أصبح ظاهرة واضحة، فكثير من الأطباء يصفون كميات كبيرة، خاصة إذا كان لدى المريض بطاقة تأمين، والصيدليات تصرف جميع أنواع الأدوية دون وصفة طبيب وبكميات أيضا.. وفي ظل هذا الهدر للدواء وصلت فاتورة استهلاك الدواء السنوية إلى أكثر من 14 مليار ريال، ثلاثة أرباعها مستوردة والربع فقط يصنع محليا.. وهذا الرقم الكبير للأدوية المستهلكة في بلادنا يشكل 20 في المائة من سوق الدواء العربية البالغة 70 مليار ريال، ولو عدنا إلى أصل الهدر لوجدناه في البداية بسبب مجانية العلاج واستمرار عدم الاهتمام بتقدير قيمة الدواء، حتى حينما أصبح الدواء مدفوع القيمة سواء بشكل مباشر أو عن طريق التأمين الذي تعاني شركاته، وقد خسر بعضها 70 في المائة من رؤوس أموالها لأسباب عديدة من أهمها ارتفاع فاتورة الأدوية في ظل توسع الأطباء في وصف الأدوية وغيرها من الطلبات التي تحمل على فاتورة التأمين.. وما دمنا نتحدث عن الدواء فإن المعمول به في معظم دول العالم أن تصرف لك أقراص الدواء التي تحتاج إليها بالعدد المحدد، بينما هنا تباع لك العلبة كاملة، وعليك إما الاستمرار عليها حتى تنتهي وأنت لا تحتاج إليها، وفي ذلك ضرر جانبي على صحتك أو رمي كمية من الدواء، وهناك من هو في حاجة إليه.. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا الاستعراض يدور حول خطوات الحل لضبط استهلاك الأدوية والجهات المسؤولة عن ذلك؟! وهنا لا بد من العودة إلى الشعار الذي نرفعه كثيرا هذه الأيام وهو (كفاءة الصرف) لنقول إن استهلاك الدواء يجب أن يخضع لإجراءات "كفاءة الصرف" فلا تصرف الأدوية من الصيدليات التي تتسابق حاليا لزيادة مبيعاتها، إلا بوصفة معتمدة، كما أن الأطباء في القطاعين الحكومي والخاص يجب أن تعقد لهم ورش عمل ودورات مكثفة للتذكير بأن مبالغتهم في وصف الأدوية فيه ضرر على المريض الذي تتضارب لديه الأدوية أحيانا من عدة أطباء.. كما أن في ذلك ضررا على الاقتصاد الوطني الذي يشكو من الهدر في جوانب عديدة ومنها استهلاك الدواء.. أما الجهات المسؤولة عن المراقبة فعلى رأسها وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء، التي ليس من مسؤولياتها فقط فسح دخول الأدوية المستوردة، وإنما التأكد من كفاءة صرفها للمريض حسب القواعد والأصول المتبعة في الدول المتقدمة.. والمنتظر من الجهات الأخرى التي لديها خدمات طبية أن تراقب كفاءة صرف الأدوية في مستشفياتها. وأخيرا: مهمة الكاتب أن يقرع الجرس.. والمؤمل أن تعلن الجهات التي ذكرتها عن الإجراءات التي تعتزم اتخاذها كي تصبح الصورة أكثر وضوحا، وكي يتم القضاء تدريجيا على ظاهرة هدر الدواء التي سكت عنها الجميع لفترة طويلة.
إنشرها