Author

التغير في معدلات الإنجاب في المملكة .. إلى أين؟

|
حملت نتائج المسح الديموغرافي في عام 2016 مفاجآت كثيرة وكبيرة حول التغير السكاني في المملكة، لعل من أبرزها الانخفاض الكبير في معدلات الإنجاب (بالتحديد معدل الخصوبة الكلي). وليس جديدا، الانخفاض التدريجي لمعدلات الإنجاب على مدى العقود الماضية في المملكة وفي جميع الدول العربية، بما فيها اليمن التي تعيش مستويات معيشية وتعليمية متدنية، وتتميز بمعدلات خصوبة مرتفعة، نتيجة الزواج المبكر وانخفاض تعليم المرأة إلى جانب طبيعة القيم الريفية السائدة في اليمن التي تشجع على الإنجاب. وعلى الرغم من النمو السريع الذي شهدته المملكة على مدى العقود الماضية، فإنها تشهد انخفاضا سريعا ليس في الوفيات فقط التي انخفضت – بحمد لله – إلى مستويات متدنية جدا، ولكن لحقت بها معدلات الخصوبة التي انخفضت من نحو سبعة أطفال في المتوسط للمرأة في منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم إلى 2.4 في عام 2016، وذلك بناء على المسح الديموغرافي الأخير الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء. ماذا يعني هذا الرقم الصغير؟ ببساطة شديدة، هو متوسط عدد المواليد الذين تنجبهم المرأة خلال سنوات إنجابها، كما هو متوقع بناء على معدلات الخصوبة العمرية الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن الاتجاه العام للخصوبة في العالم ومعظم الدول هو الانخفاض التدريجي. فعلى سبيل المثال، انخفضت الخصوبة على مستوى العالم من أربعة مواليد للمرأة في عام 1985 إلى 2.5 في عام 2015، وفي إيران انخفضت من قرابة ستة مواليد في عام 1985 إلى أقل من مولودين للمرأة (بالتحديد 1.8) في عام 2015، وبقي معدل الخصوبة الكلي في ألمانيا دون مستوى الإحلال طوال الفترة (1985 – 2015) دون تغيير يذكر على الرغم من بعض الجهود لرفع مستواه. والسؤال المطروح، هل سيستمر معدل الخصوبة الكلي في المملكة في الانخفاض إلى أن يلامس مستوى الإحلال أم أنه سيكسر هذا المستوى، كما حدث في كوريا الجنوبية وإيران وكثير من الدول المتقدمة؟! الإجابة ربما، ولكن لا نعلم متى بالضبط، وهل سيستغرق ذلك وقتا طويلا؟ بناء على توقعات الأمم المتحدة، فإن الخصوبة في المملكة ستأخذ اتجاها متواصلا نحو الانخفاض التدريجي لتلامس مستوى الإحلال بحلول عام 2030 تقريبا، ولكن بناء على نتائج المسح الديموغرافي الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء في عام 2016، فإن معدل الخصوبة في المملكة – ربما- يلامس مستوى الإحلال قبل ذلك التاريخ. في الحقيقة ما يحدث في المملكة يذكرني بما حدث في أوروبا إبان الثورة الصناعية، فقد حدث التحول الديموغرافي، نتيجة التغيرات التنموية، وليس بتأثير برامج تنظيم الأسرة آنذاك. وما أشبه اليوم بالبارحة، فما يحدث في المملكة من تحول يأتي بتأثير العوامل التنموية. فلم تصل إلى معدلات الخصوبة في المملكة إلى مستوياتها الحالية، إلا بتأثير بعض العوامل، مثل: تأخر سن الزواج من 20 سنة أو دون ذلك قبل ثلاثة عقود تقريبا إلى 26 سنة للرجال، و22 سنة للنساء في عام 2016، والتحاق الشباب من الجنسين بالتعليم العام والعالي أدى أن تأخير الزواج، وتقبل مفهوم الأسرة النووية الصغيرة. ومن جهة أخرى أدى الانتقال من القرى والأرياف والبادية إلى المدن إلى التغير في بعض القيم التي تمجد الأسرة الكبيرة وتشجع كثرة الأبناء، وذلك نتيجة انخفاض المنفعة الاقتصادية للأبناء، بسبب الزيادة في تكلفة تنشئة الأبناء وانخفاض منفعتهم الاقتصادية في المدن، مقارنة بما كان سائدا في الريف، وكذلك التغير في وحدة الإنتاج من الأسرة التي تعتمد على الزراعة والرعي والأعمال اليدوية إلى العمل في المؤسسات والمصانع التي تحتاج إلى تعليم جيد وتخصص دقيق. وإضافة إلى ما سبق، أدت مشاركة المرأة في قوة العمل إلى انخفاض معدلات الخصوبة. والغريب جدا أن يحدث هذا التحول السريع في معدلات الخصوبة في المملكة مع نسبة منخفضة من النساء المستخدمات لوسائل تنظيم الأسرة لا تتجاوز 24 في المائة! وأخيرا ينبغي أن تتعلم الدول العربية عموما والمملكة خصوصا من تجارب الدول التي شهدت انخفاضا في معدلات الخصوبة دون مستوى الإحلال، مثل: اليابان ومعظم الدول الأوروبية، لتحديد الآثار المتوقعة من استمرار انخفاض معدلات الإنجاب من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، وقبل ذلك محاولة إحداث تباطؤ في درجة انخفاض معدلات الخصوبة في المملكة بما يشابه ما يحدث في مصر التي لم تنخفض فيها الخصوبة بمعدلات متسارعة على الرغم من وجود برامج تنظيم الأسرة.
إنشرها