Author

عام أكثر تشويشا وأقل يقينا

|
تبقى الأسواق العالمية في حالة ترقب مع بدء العام الجديد، والأسباب عديدة، في مقدمتها، عدم وضوح الرؤية للاقتصاد العالمي، ووجود نوع من الفوضى في صنع القرار الاقتصادي على مستوى العالم، واضطراب بعض الأسواق المحورية، ومسألة كيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول دونالد ترمب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، والديون السيادية المتعاظمة في بعض البلدان، إلى جانب مسائل أخرى تجعل من هذا العام، مرحلة زمنية، بين بداية نوع من الاستقرار الاقتصادي، أو استمرار الحال على ما هو عليه. دون أن ننسى، أن إمكانية عودة الحمائية بصورتها القوية واردة جدا، مع إشارات مقلقة من الجانب الأمريكي في أعقاب انتخابات الرئاسة، وعدم وجود تنسيق واضح بين الجانبين الأمريكي والأوروبي. هناك عوامل كثيرة قد تجعل حالة الترقب تطول أكثر مما يأمل الجميع. وبصرف النظر عن النتائج الأولية الإيجابية للأسواق العالمية في الأيام الأولى من العام الجديد، إلا أن الأمر يرتبط بسياسات بعضها جديد سيظهر على الساحة العالمية خلال العام المشار إليه. وما هو واضح (الآن على الأقل) أن الدولار الأمريكي سيواصل قوته هذا العام، الأمر الذي سينعكس سلبا على الصادرات الأمريكية، وبالطبع ستكون قوة سلبية على أسعار النفط الخام، خصوصا (كما هو معروف) أن النفط مقوم بالدولار، وتتأثر أسعاره (إلى جانب وفرة المعروض أو تقلصه) بقوة وضعف الدولار. في حين، ليست هناك رؤية واضحة تماما حيال اليورو، الذي يواجه استحقاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هذا العام، في حين أن الجنيه الاسترليني يعاني الأمرَّين منذ استفتاء الانسحاب الشهير في حزيران (يونيو) الماضي. وعلى صعيد الأسواق الإقليمية، فإنها تبقى مرتبطة بصورة أو بأخرى بحراك أسعار النفط، والسياسات (بل السلوكيات) النفطية المتخذة من قبل البلدان المنتجة داخل وخارج منظمة "أوبك". في حين تدل المؤشرات على أن السوق السعودية ستكون أكثر استقرارا من غيرها في المنطقة، بسبب السياسات التي اتخذتها المملكة في الفترة الأخيرة، فضلا عن الأرضية القوية التي تستند عليها، مع انطلاق تنفيذ "رؤية المملكة 2030"، غير أنها لن تكون أيضا بمعزل عن التأثيرات العالمية، نظرا لمكانة الاقتصاد السعودي دوليا. وفي المجمل، في المنطقة هنا مخططات إعادة هيكلة اقتصادية واسعة، بسبب تراجع أسعار النفط، وبدء العمل على تغيير المنهج الاقتصادي بشكل عام فيها. أما الأسواق العالمية، فتنتظر مخرجات التحولات السياسية والاقتصادية الدولية، ولا سيما السياسة الأمريكية في ظل ترمب، مع ضرورة الإشارة إلى تصاعد نفوذ الحركات الشعبوية في البلدان الغربية، ولا سيما تلك المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، وعدت مرشحة اليمين المتطرف في فرنسا ماري لوبين، بعرض بقاء بلادها في الاتحاد الأوروبي على استفتاء عام إذا ما فازت في الانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا العام. فيما يقوى تيار اليمين في بلد كألمانيا حتى إيطاليا، وكلها تحولات يبدو أنها ستجد صدى إيجابيا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة. كل الأسواق تترقب الآن ما سيقدمه عام 2017، وهي تعيش في ظل حالة من عدم اليقين، ليس فقط حيال السياسات الجديدة التي قد تظهر، بل أيضا جراء الضعف الفاضح في صنع قرار اقتصادي عالمي، يعتمد على التناغم وتقليل التصادمات الاقتصادية في هذا العالم. إنه بحق العام الأكثر حساسية والأكثر تشويشا، والأقل يقينا، منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008.
إنشرها