FINANCIAL TIMES

«تينسنت» رد الصين على عمالقة وادي السيليكون

«تينسنت» رد الصين على عمالقة وادي السيليكون

الرئيس الصيني، زي جينبينج (ظهره إلى الكاميرا) في حديث مع جيف بيزوس، رئيس شركة أمازون (يمين) وبوني ما، رئيس "تينسنت"، خلال لقاء جمع أقطاب التكنولوجيا الأمريكيين والصينيين في مجمع شركة مايكروسوفت في واشنطن في أيلول (سبتمبر) 2015. «الفرنسية»

شو يي واحدة من جيل الألفية في العاصمة العصرية تماماً. تقرأ المقالات العلمية والثقافية في طريقها إلى العمل، وتستقبل الطلبات من مديرها، وتتناول وجبة غداء من المنتجات العضوية في حديقة المجتمع التي تديرها منظمة غير حكومية، وتأخذ الخبز المصنوع يدوياً في طريقها إلى المنزل. بحسب المعايير الصينية، تقول "إن حياتها في شنغهاي غريبة". لكن في مجال رئيسي واحد حياتها أنموذجية تماماً: مثل مئات الملايين من أبناء وطنها، تمارس جانبا كبيرا من حياتها اليومية من خلال تطبيق وايشين Weixin، تطبيق رسائل يحظى بشعبية كبيرة، على هاتفها الذكي. أسلوب حياتها المُتّصل إلى حد كبير هو بفضل تينسنت Tencent، شركة الإنترنت التي تبلغ قيمتها 225 مليار دولار التي أصبحت منصاتها الاجتماعية جزءا من نسيج حياة الصينيين. بالنسبة إلى أشخاص مثل شو، تطبيقات وخدمات "تينسنت" التي لا تُعد ولا تُحصى توفر وسيلة للعمل واللعب والدفع. إنها، كما يقول أحد المصرفيين "قوة مشاريع اجتماعية": تحت سقف واحد، جمعت رد الصين على "فيسبوك"، و"واتساب"، و"سبوتيفاي"، و"أبل باي". تشي تسانج، محلل الإنترنت في "إتش إس بي سي"، يقول "إن "تينسنت" تملك التطبيقات الأكثر نجاحا ولزوما في العالم". تطبيق "وايشين"، جنباً إلى جنب مع تطبيق "وي تشات" خارج الصين، لديه 846 مليون مشترك شهري نشط. وتملك "تينسنت" أيضاً محفظة استثمارية ضخمة بعدة مليارات، تراوح من حصص في "ديدي تشوتشنج"، أكبر شركة لمشاركة سيارات الأجرة في الصين، حتى الشركات الناشئة. وتلعب دورا في مجال الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، ومشاركة الدراجات الهوائية. قوتها من القراصنة الأبطال تمكّنت من السيطرة عن بُعد على سيارة موديل إس من "تيسلا"، ما أجبر شركة صناعة السيارات الأمريكية على نشر حزمة أمان. يقول سكوت لايكنز، الشريك في أعمال التكنولوجيا الناشئة في شركة برايس ووترهاوس كوبرز "لقد بدأوا مع التوزيع والآن يحوّلون كل ما يُمكنهم تحويله إلى نقود. هذا عكس الأعمال التقليدية حيث تحصل على المُنتج وتقول (الآن دعونا نعثر على الزبائن)". بشكل ملائم، الشركة قائمة في شينزن، وهي منطقة منعزلة لصيد السمك تحوّلت إلى مدينة صاخبة عبر الحدود من هونج كونج. من هنا أطلق دينج زياو بينج في عام 1992 البلاد المعزولة آنذاك في رحلة ممتعة إلى الرأسمالية، واليوم هي رد الصين على وادي السيليكون. توظف "تينسنت" ثلاثة آلاف عامل، أكثر من نصفهم في مجال البحث والتطوير. وفي حين إن سوقها المحلية إلى حد كبير هي الأكبر، إلا أنها تملك وجودا في الخارج في كثير من القطاعات - تطبيق المدفوعات "وي تشات" الخاص بها يُمكن استخدامه حتى في قصر سيزار في لاس فيجاس. تقول إلينور لونج، محللة الأبحاث في CLSA "إنهم في كل مكان، الولايات المتحدة، أوروبا - خاصة بين المتحدثين باللغة الصينية، لأنه إذا أردت الاتصال بشركة أو عائلة في الصين فهناك طريقة واحدة فقط للاتصال بها هي تطبيق وي تشات". جنباً إلى جنب مع "بايدو" و"علي بابا"، هي واحدة من أكبر ثلاث مجموعات إنترنت في الصين "تعرف معاً بـ "بات" BAT". لكن إدراجها في بورصة هونج كونج في حزيران (يونيو) 2004، يُميّزها عن منافساتها التي توجهت إلى أسواق رأس المال الأمريكية. هذا القرار وحده جعلها تحصل على امتيازات. يقول ريتشارد ويندسور، مؤسس شركة الأبحاث المستقلة "راديو فري موبايل"، "تينسنت" لديها حوكمة شركات أفضل من "جوجل" أو "فيسبوك"، مُشيراً إلى رفضها الأسهم ذات الطبقة المزدوجة المسموحة في الولايات المتحدة، لكن المحظورة في هونج كونج. مع ذلك، من الناحية الاستراتيجية يقول أحد المصرفيين "إنها تطوّرت على نحو مماثل لنظيراتها في وادي السيليكون. كانت "تينسنت" تملك تنشئة أنموذجية، على غرار ما في الولايات المتحدة: على مدى الأعوام الثلاثة إلى الأربعة الأولى (بعد عملية الاكتتاب العام الأولي) لم تفعل أي شيء. (الإدارة) قدّمت فقط ما تعهدت بأن تفعله". ذلك الارتفاع الثابت من شركة عادية إلى شركة مهمة هو أمر أنموذجي لمؤسسها، بوني ما "اسمه هو تلاعب لفظي يعني حصانا باللغة الصينية". على عكس من يحمل الاسم نفسه، جاك ما في "علي بابا"، ما في "تينسنت" يتجنّب الأضواء ويُفضل أسلوب الملابس المعتدل الذي يقول الزملاء والمعارف "إنه يرمز إلى شخصيته المهووسة". ويحمل ما البالغ من العمر 45 عاماً شهادة جامعية في الهندسة، وقد تم إدراجه على قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم في المرتبة 46، مع صافي ثروة يبلغ 21.9 مليار دولار. لكنه يفضل العمل الخيري على نمط الحياة اللافت للأنظار. والعرض الواضح الوحيد لثروته يتجسد في منزل فخم في هونج كونج. أطلق ما شركة تينسنت في عام 1998 في شكل خدمة الرسائل QQ - ليس في مرآب، على غرار وادي السيليكون، لكن في مدينة تكنولوجيا فائقة في شينزن، محاصرا بين المندفعين لترويج الهواتف المقرصنة ومحال لإصلاح أجهزة الكمبيوتر الشخصية. تمت إضافة الألعاب عبر الإنترنت في عام 2004 وهي الآن محرك الإيرادات الرئيسي في المجموعة؛ تمثّل 18.2 مليار رنمينبي "2.6 مليار دولار"، أو تقريباً نصف مبيعاتها في الربع الثالث. على عكس "نيت إيز"، منافستها الصينية، تعمل "تينسنت" إلى حد كبير على ترخيص وليس إنتاج الألعاب الخاصة بها. الدفع مقابل المحتوى مع ذلك، ضاعفت هذا العام رهانها من خلال دفع 8.6 مليار دولار مقابل حصة أغلبية في شركة سوبرسيل، التي طورت لعبة "كلاش أوف كلانس"، وتمرير بعض من التكلفة إلى مجموعة من المستثمرين، مع إبقاء إدارة شركة التطوير الفنلندية في مكانها. يقول أحد المصرفيين الذي يعتقد أن نصف جميع الصفقات التي ينظرون فيها بشكل يومي تقع ضمن القطاع "لديهم وجهة نظر طويلة الأمد فيما يتعلق بالألعاب. هم بالتأكيد ينظرون إلى الخارج". بشكل عام أكثر، المحتوى - خاصة المحتوى الحصري المحمي بحقوق الطبع والنشر - يُمثّل أولوية قصوى بالنسبة إلى شركة تينسنت. حيث تعمل على أنموذج إيرادات "المحتوى المجاني"، من خلال توفير بعض المحتوى مجاناً وفرض رسوم على المحتوى المتميز. هذا، كما يقول تسانج، يصب في "الميل المتزايد للمستخدمين في الصين للدفع مقابل المحتوى" - شيء كانوا يرفضونه في البداية، باللجوء بدلاً من ذلك إلى الأفلام والموسيقى المقرصنة. يضيف تسانج "على مدى العامين الماضيين، شنّت الحكومة حملة على المحتوى المُقرصن وحتى المحتوى الذي يظل بالإمكان الحصول عليه. الجودة سيئة جداً مقارنة بما يُمكنك الحصول عليه من بايدو والشركات الأخرى. وأصبحت الشركات أكثر ذكاءً بشأن وضع المحتوى ذي الجودة خلف جدار يقتضي الدفع". بالتالي، "تينسنت"، التي تملك تغطية حصرية في الصين لبطولات كرة السلة الأمريكية للمحترفين، يُمكنها فرض رسوم على المشاهدين بمقدار 22 رنمينبيا شهرياً مقابل اشتراك أساسي و60 رنمينبيا مقابل مشاهدة متميزة. ويلاحظ مصرفي آخر أن "تينسنت"، مثل ع"لي بابا"، "تجاوزت كثيراً نسخ (الغرب). إنهم يبتكرون ويُعيدون ابتكار ما ينبغي أن تكون عليه أعمالهم". استفادة الشركات من "مومنتس" على "وي تشات" سبقت إضافة "فيسبوك" لـ "الماسينجر" والاستحواذ على "واتساب" مقابل 22 مليار دولار. المدفوعات مثال آخر على ذلك. سوق الطرف الثالث للمدفوعات على الهواتف الذكية عبر الإنترنت في الصين تجعل سوق الولايات المتحدة تبدو صغيرة: شركة آي ريسيرش تُقدر أنها تساوي 15.7 تريليون رنمينبي في عام 2016 - 28 مرة ضعف توقعات "إي ماركيتير" البالغة 62.5 مليار دولار للولايات المتحدة في عام 2017 - و28.5 تريليون رنمينبي في عام 2018. وتهيمن عليها شركة علي باي، التي تملك حصة تبلغ أكثر من نصف السوق، وتأتي "تين باي" في المرتبة الثانية مع حصة بنسبة 38.3 في المائة في الربع الثالث، وذلك وفقاً لـ "سيتي بانك". وقال ما، من "تينسنت"، في أيار (مايو) "إن متوسط عدد المعاملات عبر الهاتف الخلوي تجاوز 500 مليون يومياً، وإنه خلال رأس السنة الصينية – المشتمل على تقليد تسليم "هونج باو"، أظرفا حمراء من المال - تم توزيع أكثر من 2.5 مليار حزمة فعلية عبر منصتها". وتُفضّل "تينسنت" اتّباع نهج حذر في تحويل قاعدتها من المستخدمين الشهريين النشطين إلى نقود. بدلاً من تكثيف الإعلانات والمخاطرة بنوع رد الفعل الذي انتشر في "فيسبوك"، قيّدت "تينسنت" نفسها في الوقت الراهن بإعلان واحد لكل مستخدم يومياً كحد أقصى. ويُقدر "يو بي إس" حِمل الإعلان في "وي تشات" بنحو 1 في المائة من المحتوى غير الإعلاني، مقارنة بـ 7-10 في المائة لـ "فيسبوك"، ما يترك مجالا كبيرا للنمو. في عام 2015 شكّل الإعلان على الإنترنت 17 في المائة من الإيرادات. ووفقاً لشركة آي ريسيرش، سوق الإعلانات على الهواتف الخلوية في الصين عام 2015 كانت تساوي 90 مليار رنمينبي، مرتفعة 178 في المائة سنة بعد سنة، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 54 في المائة من عام 2015 إلى عام 2018. لكن تحويل المشتركين - وقاعدتها - إلى نقود يوفر المفاتيح الحقيقية بالنسبة إلى شركات بات في الصين ونظيراتها العالميات. الإعلانات المحلية تزيد في الصين، كما هي في أماكن أخرى، و"تينسنت" تساعد في إعادة صياغة قواعد المشاركة للإعلانات الرقمية. لنأخذ البرنامج الترفيهي A Date مع أحد النجوم الكبار، الذي تنتجه "تينسنت" وترعاه مجموعة لوريال، التي تدور منتجاتها التجميلية عبر الشاشة. شركة آد آيج تصف البرنامج بأنه "إعلان تجاري ضخم في الأساس". شركات السلع الاستهلاكية الأخرى تحذو حذوها مع شراكات مماثلة. يقول أحد المحللين "إنهم يجذبون المُنفقين الكبار الذين كانوا نشطين في التلفزيون والآن يعتمدون الإعلانات على الإنترنت". الآن الجميع يُصدّق قصة التحويل إلى نقود. يُجادل ويندسور بأن منصات "تينسنت" المختلفة تجعل من الصعب تجميع واستغلال البيانات الكبيرة التي في حوزتهم. ولا يزال يجب توحيد تطبيق QQ وتطبيق وي تشات، مثلا. يقول "أنا لا أرى "تينسنت" جاهزة لاغتنام هذه الفرصة في عام 2017، بالتالي على المدى القصير هناك تباطؤ لا مفر منه". الأخ الأكبر وصف الصين بـ "الوطن" يقدّم لشركات بات ميزة ضخمة: الشركات المنافسة الدولية غير قادرة على الدخول إلى حد كبير والثلاثي يدين على الأقل بجزء من نجاحه إلى غياب أمثال "فيسبوك"، و"تويتر"، و"جوجل". مع ذلك، وصف الصين الشيوعية بالوطن لديه جانب مظلم، وهناك ظل أورويلي يُخيّم على شركات بات. الأول هو رقابة مباشرة. بشكل مفيد لتوسّعها العالمي، تطبيق وي تشات في "تينسنت" يُشغّل اثنين من أنظمة المراقبة، مع قدرة المستخدمين المُسجلين خارج الصين على الوصول إلى كلمات أكثر حساسية ممن هم داخل البلاد. وربما الأكثر غدراً هو خطط الصين لبناء نظام تصنيف ائتمان اجتماعي قائم على السلوك على الإنترنت. بالقيمة الاسمية، هذا يسد فجوة واضحة. يقول ألفرد شانج، شريك الخدمات المالية في "باين آند كمباني"، "إن تطور الصين السريع لكن المتفاوت يعني أن ما يُقدّر بنسبة 20-30 في المائة فقط من السكان تتم تغطيتهم بنظام التصنيف الحالي". المخاوف في الصين تتجاوز الاستبعاد من الحصول على قروض بسبب ملف الشخص على الإنترنت. بعضهم يخشى أن خطة نشرتها بكين العام الماضي ومن المُقرر أن يتم طرحها على الصعيد الوطني بحلول عام 2020، تهدف إلى استخدام الخوارزميات والبيانات الكبيرة لتقييم "صدق" و"وفاء" المواطنين جنباً إلى جنب مع جدارتهم الائتمانية. يقول أحد المحللين "أشعر بالقلق إذا كان المستخدمون الصينيون سيصدّون ذلك. درجة الائتمان هي أمر، لكن الدرجة الاجتماعية تبدو قليلاً أنها تتجاوز ذلك". يُضيف لايكنز، من "برايس ووترهاوس كوبر"، "أعتقد أن هناك منحدرا خطيرا. يتم الوصول إلى بيانات شخصية حقيقية الآن. ويتم الوصول إلى معرفة من أنا كشخص وذلك يجلب بالفعل بعض المخاوف". الخطة طموحة والمراقبون يشككون في القدرة على طرحها بحلول عام 2020. حتى ذلك الحين - وربما بعد ذلك أيضا - البيانات الكبيرة التي جمعتها "تينسنت" وأقرانها يُنظر إليها في المقام الأول من حيث القيمة الاسمية: كنز رائع من المعلومات الاستهلاكية عن التسوق، والأكل، والسفر، والثروة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES