خطيب الحرم المكي يدعو الشباب إلى إسقاط الرايات المشبوهة ودحض الشعارات الزائفة

خطيب الحرم المكي يدعو الشباب إلى إسقاط الرايات المشبوهة ودحض الشعارات الزائفة

من خطبة الجمعة في المسجد الحرام أمس. "واس"

دعا الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام وخطيب المسجد الحرام، شباب الأمة أن يسقطوا الرايات المشبوهة ويدحضوا الشعارات الزائفة ويستظلوا بظلال السيرة الوارفة؛ لأنها الرصيد التاريخي والمنهل الحضاري والمنهج العلمي والعملي الذي تستمد منه الأجيال المتلاحقة من ورثة ميراث النبوة وحملة مشاعل الهداية زاد مسيرها وأصول امتدادها وعناصر بقائها. وأكد في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس أن العالم مفزع بالحروب والخطوب، فعلى أمة الإسلام جميعا أن تنثني إلى السيرة النبوية في عمق وشمول وأن تكون أشد تعلقا بنبيها وسيرته عليه الصلاة والسلام تأسيا واستبصارا، وفهما وسلوكا واعتبارا لتنتشل نفسها من كلاكل العجز والتمزق والفتن والانحدار، التي منيت بها في هذه الآونة العصيبة القلقة. وأوضح أن فئاما من الناس في أعقاب الزمن استبدلوا بنور الوحيين سواهما، واكتفوا من السيرة النبوية بالقصص والحكايات وغفلوا عن المقاصد والغايات، آثروا الشكليات والمظاهر عن الحقائق والجواهر والمآلات البواهر، مضيفا "فلنعلنها مدوية خفاقة وشجى في اللهوات المغرضة الأفاكة، إن السيرة النبوية والمناقب المحمدية على صاحبها أزكى السلام والتحية هي مناط العز والنصر وأجلى لغات العصر التي تعرج بالأمة إلى مدارات السؤدد والتمكن". وقال: "ما أحوجنا إلى قراءة السيرة النبوية قراءة مقاصدية لنستشرف مآلات الأفعال وسط عالم تغمره أمواج الفتن ويعاني إخواننا في بقاع شتى صنوفا من الصراعات والقتل والتشريد؛ وما حال حلب وأهل الشام عنا ببعيد، وكذا إخواننا في العراق واليمن وبورما وأراكان"، سائلا الله تعالى أن يشفي صدور قوم مؤمنين بنصر مبين تعز فيه الإسلام وأهله وتذل أهل الشرك الظالمين الغاشمين. وأشار إلى أن السيرة النبوية زخرت بصور وضيئات تجسدت فيها مقاصد الشريعة الإسلامية، فالمقصد العام من الرسالة المحمدية هي الرحمة بالإنسانية، وما ذلك إلا بالدعوة إلى توحيد رب العالمين وإتمام مكارم الأخلاق. وتساءل: أين لنا بحفظ الضروريات كما حفظتها لنا سيرة خير البريات صلى الله عليه وسلم؟، فليس أبهى ولا أجمل في جانب حفظ الدين وجودا وعدما من نصح وتوجيه النبي الأمين لعموم المسلمين، وإبراز جوانب العقيدة ومعالم الدين، ومن معالي المقاصد في السيرة النبوية؛ النهي والزجر عن قتل النساء والشيوخ والجرحى والزَّمنى والمرضى والرهبان، كل ذلك حفاظا للنفس عن الهلاك، وجاء أيضا النهي عن قتل الأطفال والصبيان حفظا للنسل. ولفت إلى أن السيرة النبوية تألقت أيضا بحفظ العقل فجاء النهي النبوي الكريم عن المسكرات والمخدرات وكل ما من شأنه تغييب الوعي والفكر، ولما للعقل من أهمية خاصة كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به اهتماما شديدا، فكما نهى عن المسكرات والمخدرات نهى أيضا أن يكون المسلم ضعيف الرأي إمعة، كما تصدى للأفكار الجانحة عن الوسطية والاعتدال. وقال: درة أخرى تستخرج من جنبات السيرة العطرة وهي من ضروريات الحياة ألا وهي حفظ المال، حتى ولو كانت أموال العدو وفي وقت الحرب والقتال، فجاء النهي عن تحريق الأشجار والزروع والدواب وهدم الديار والبنيان وتخريب العمار، وجاء النهي أيضا عن الإسلال والإغلال وأخذ النهبة. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن السيرة الزكية النقية الرائقة اشتملت مع المقاصد الضرورية؛ المقاصد الحاجية، فوسعت على الخلق في أمورهم الدينية ورفعت عنهم الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب، فإن لسيرة المختار صلى الله عليه وسلم هديرها ورواءها في سويداء النفوس التي أحبته وأجلته، والأفئدة المولهة العميدة بخصاله وشمائله، فهي للأجيال خير مرب ومؤدب، وللأمة أفضل معلم ومهذب، ولا سيما في هذه الأزمنة المعاصرة، حيث الغلو والإرهاب والطائفية وكثرة البدع والأهواء. وطالب الشيخ السديس علماء الأمة بأن يبينوا للعالم أجمع وبكل الفخر والاعتزاز، مقاصد السيرة السنية من رحمة وعدل وسلام وأخلاق فريدة وأمن ووئام، فلم تكن حاجة الأمة في عصر من العصور إلى الاقتباس من مشكاة النبوة ومعرفة السيرة العطرة معرفة اهتداء واقتداء أشد إليها من هذا العصر، حيث فاءت الأمة إلى يباب التبعية والذيلية والوهن، وصارت والتنافر والتناثر في قرن وشط بها المزار عن ذلك الهدي المتلألئ الوضاء المدرار، وصارت مقدسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام فسادا، وهاهم يصعدون عدوانهم وإرهابهم في مسرى سيد الثقلين وثالث المسجدين الشريفين، داعيا الله تعالى بفك أسره من الصهاينة الغاضبين وجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين. وفي المدينة المنورة قال الشيخ حسين آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي، إن ما يحصل للمسلمين من الكرب والابتلاء يجب أن يجعلهم في موضع محاسبة، وموطن تساؤل عن علاقاتهم بربهم، ومدى تمسكهم بدينهم، والتزامهم بسنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والتسليم، مبينا أن هذه المصائب لا يقدر أحدٌ من البشر على دفعها، فينبغي أن تكون أسبابا دافعة لهم وحافزة للمسلمين لتعاملهم في مسالكهم وتوجهاتهم كافة، وليرفعوا عنهم الغفلة التي أصابتهم فيما يتعلق بالتقصير في التزامهم بشريعة ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وأشار في خطبة الجمعة أمس، إلى أن ما حلّ بالمسلمين من المصائب الفردية والجماعية والدولية يجعلهم في ضرورة للبحث عن الأسباب التي ترفع عنهم البلوى وتكشف عنهم الضراء، وإن أصل هذه الأسباب يكمن في تحقيق الطاعة الكاملة لله جلّ وعلا، والاستجابة لما شرعه لخلقه، والاستجابة الدائمة له سبحانه في السراء والضراء. وبين أنه متى ما حقّق المسلم هذا الأصل في نفسه ومجتمعه، صار له مخرجا من كل شيء ضاق عليه، متى ما تمسكت مجتمعات المسلمين بهذا الأصل تمسكا كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والثلّة الأولين من سلف هذه الأمة في شؤونهم كلها، صلحت أحوالهم وطابت حياتهم، وتيسّرت أمورهم، تحققّ أمنهم وأمانهم، واندحر عدوهم، متى ما تمسكوا بتقوى الله جلّ وعلا حاكم من حكام المسلمين أو مسؤول بذلك تحقّق عزه، وعلا شأنه، وقوي ملكه، ودام في الحياة سؤدده، وحسن منقلبه ومآله، فمهما أصابهم فإن معية الله الخاصة معهم، يحفظهم ويكلأهم ويرعاهم. وأكد أن المسلمين اليوم، وهم يعانون من أنواع البلايا في دينهم وأنفسهم، في أموالهم وأعراضهم، في معايشهم وأرزاقهم، يعيشون بما لا تطيب به حياتهم، ولا يسعد به عيشهم، ولا تؤمن به سبلهم، ولا تستقر به أحوالهم، فإن عليهم أن يستفيقوا ويتعقلوا، ويتخذوا من هذه المصائب أسبابا للرجوع إلى خالقهم، وأن يعلموا أنه مهما بلغت قسوة هذه المصائب فإنها ليست بشيء عند مصائب الآخرة حين يلقون ربهم.
إنشرها

أضف تعليق