«المزمار» .. هبة الحجاز وأصالة التنوع السعودي

هل سبق أن حضرت احتفالا فنيا عقب فوز فريق الأهلي أو الاتحاد أو أحد الأندية الرياضية في منطقة مكة المكرمة؟ عادة ما يؤدي اللاعبون والمحتفلون رقصة تراثية على وقع المزمار والطبول، يرددون الأهازيج ويلعبون بالعصي الغليظة (الشون)، تسمى هذه الرقصة الفلكلورية بـ "رقصة المزمار". الخميس الماضي أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" رقصة المزمار السعودية ضمن قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، استناداً إلى القرارات التي اعتمدتها لجنة التراث الثقافي غير المادي المجتمعة في إثيوبيا حتى تاريخ 2 ديسمبر. فماذا تقول المنظمة عن هذه الرقصة؟ ولماذا نالتها نقاشات حادة وجدل كبير ما بين مؤيد ومعارض؟ تقليد حجازي بحسب الموقع الرسمي لـ "اليونيسكو"، فإن رقصة المزمار تعد من الرقصات التقليدية في منطقة الحجاز في المملكة، وعادة ما تمارس لإحياء المناسبات العائلية أو الاحتفالات الوطنية. وتجري هذه الرقصة بمشاركة نحو 100 رجل مصطفين في صفين مقابل بعضهما البعض ويصفقون ويرددون أغاني عن البطولة والحب. ويرقص رجلان بالعصي في وسط ساحة الرقص على إيقاع الطبول لفترة محددة، ثم يفسحون المجال لغيرهما وهكذا. ويتم تناقل هذه الرقصة في فرق الفنون المسرحية ومراكز التراث. وتعد هذه الرقصة رمزاً من رموز هوية المجتمع وجزءا من تاريخه المشترك. #2# ووفقاً لأهالي مكة، فإن الثابت عن هذه الرقصة انتشارها في طول خط الحجاز، في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وينبع، والطائف، وجدة، والقنفذة. وأصبحت رقصة معروفة بفعل المهرجانات التراثية التي تقام سنوياً، وأبرزها المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، حيث تؤدي رقصة المزمار في أجنحة هذه المناطق، وتشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً. الزومال يذكر التاريخ أن رقصة المزمار تعود إلى أيام الحكم الفاطمي، ويصاحبها غناء معروف أو أهازيج تعرف بـ "الزومال"، غالباً ما يكون مصحوباً بأهزوجة: حبا حبا باللي جا ** ويا مرحبا باللي جا ومن أهازيج رقصة المزمار: يا ليه جماله ** ودّوني جدة يا ليه جماله ** ودّوني جدة يا ليه جماله ** بقروشي ودوني جدة يا ليه جماله ** ودّوني جدة ولأن رقصة أو "لعبة المزمار" كما يحلو للبعض تسميتها، لم تنل حقها من التوثيق والتدوين، فقد طالها الكثير من الأقوال التاريخية التي تبدو غير ثابتة، فهناك رواية تاريخية تقول إن أصلها يرجع إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان الأحباش يلعبون بالحراب في المدينة المنورة على أنغام الطبول، لكن لا دلائل تاريخية تؤكد أن لعبة المزمار كما نعرفها اليوم هي امتداد للعب الأحباش بالحراب. #3# وعودة إلى "الزومال"، فهو إنتاج أدبي مليء بالأساطير والبطولات، يستخدم للتغني بأساطير الرقصة وبطولاتهم وملاحمهم، فهناك "زواميل" تعرف بزواميل "الحَرَش"، تستخدم للتحرش بالصف الآخر والنيل منه؛ على سبيل المثال "جاك الذيب يا حاشي.. لا ياكلك بسنونو"، أو "يا صغير مين قلك.. شب النار". تصفية الأحقاد كان المزمار مسرحاً لاستعراض البطولات وتصفية الأحقاد أحياناً، وتصاحبه أغاني الفخر والمديح والبطولة والفروسية، وهو من المعاني الإنسانية الجميلة التي يجسدها هذا الفن. ويشمل فن المزمار حركات التحطيب على أنغام "العدة"، التي تتكون من مجموعة من الطبول من الجلد الطبيعي المشدود، وهي عبارة عن "النقرزان" الذي يقرع بخشبتين صغيرتين و"الطار" و"المرد" وهما يقرعان بأصابع وأكف اليدين. ويقول كبار السن إنهم يقيمون رقصة المزمار مساء اليوم الأول من العيد، ويستمرون حتى الثالث منه، حيث يبدأ لعب المزمار بعد صلاة العشاء خلال هذه الأيام الثلاثة. أما عود المزمار أو العصا، وهي رمز هذه الرقصة، فتستورد عادة من مصر، وتنقع في زيت سنام الجمل ثلاث سنوات، ثم تكسى ببعض الجلود كما يروي محبو هذه الرقصة، وتتجاوز أسعار بعض هذه العصي خمسة آلاف ريال. لم كل هذا الجدل؟ واجه تسجيل رقصة المزمار في "اليونيسكو" كثيراً من الجدل ما بين مؤيد ومعارض على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعود أصل الجدل إلى تسجيل رقصة المزمار قبل فنون سعودية أصيلة مثل رقصة "الدحة" وغيرها، واعتبروا أن رقصة المزمار دخيلة على تراث المملكة. أما ممثل المملكة الدائم لدى اليونيسكو الدكتور زياد الدريس، فقد رد عبر حسابه الرسمي في تويتر: "يبقى فن المزمار محسوبا على الحجاز حتى لو احتج البعض أنه ليس من الفنون الأصلية، لكن مضت مئات السنين على وجوده هناك"، مضيفاً في تغريدة أخرى: "تسجيل المزمار حالياً لا ينفي السعي لتسجيل باقي الفنون الحجازية التقليدية". حشد ليس بالهيّن دعم جهود الدكتور الدريس وأيده فيما قاله، خصوصاً أن هذا الإنجاز يحسب لتراث المملكة، وسيتلوه إنجازات أخرى في مجال تسجيل التراث المادي وغير المادي. يذكر أن "العرضة النجدية" أدرجت في قائمة "اليونيسكو" للتراث العالمي غير المادي، وتسعى المملكة إلى إدخال فنون أخرى مثل "القهوة العربية" وغيرها، غير أنه لا يسمح بإدراج إلا عنصر واحد كل عام في قائمة التراث.