أخبار اقتصادية

«الحمائية» ستكبد الاقتصاد العالمي 8 تريليونات دولار

«الحمائية» ستكبد الاقتصاد العالمي 8 تريليونات دولار

زيادة القيود التجارية سيرفع خسائر الاقتصاد الأمريكي إلى ترليونات الدولارات.

كشفت قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "أبيك" المنعقدة في ليما، عاصمة بيرو حالة القلق التي تنتاب الاقتصاد العالمي من تصاعد موجة الحمائية الاقتصادية، وما قد ينجم عنها من أضرار على الاقتصاد والتجارة الدولية في السنوات المقبلة، بخسائر تتراوح بين 5 ـ 8 ترليونات دولار في الأجل القصير. ويتخوف عديد من المختصين المدافعين عن التجارة الحرة، من أن يؤدي تصاعد الدعوات القادمة من كبرى مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي العالمي، لمزيد من الحمائية الاقتصادية، إلى زيادة مناخ عدم اليقين السائد حاليا في الاقتصاد الدولي، ومزيد أيضا من إضعاف لحالة الاستقرار الهش السائدة في المنظومة الاقتصادية العالمية، وتصاعد حدة المخاطر التي يمكن أن تواجه حركة رؤوس الأموال، بما يدفعها إلى الانكماش أو أن تصب نشاطها على المضاربات المالية قصيرة الأمد والمحدودة سريعة العائد، ما يوجد دوامات مالية خاصة في سوق العملات، تؤدي بدورها إلى حرب عملات لن تقف حدودها عند هذا المجال، بل ستمتد حتما إلى حرب تجارية ذات طابع دولي. "الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من المختصين الاقتصاديين، حول حجم الخسائر التي يمكن أن تصيب الاقتصاد والتجارة الدولية وحركة الاستثمارات العالمية، إذا ما سادت التوجهات الداعية إلى مزيد من الحمائية الاقتصادية. ويعتبر الدكتور جون سميث استشاري سابق في عدد من المؤسسات المالية الدولية، أن السياسات الحمائية، ستمثل تراجعا دوليا لعقود من النضال من أجل تعزيز التجارة الحرة على المستوى العالمي، وستؤدي في نهاية المطاف إلى خفض معدلات نمو الاقتصاد على المستوى الكوني، وما سيتبع ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة والتضخم. وحول مفهوم الحمائية الاقتصادية يعلق الدكتور جون قائلا "الحمائية التجارية هي التدابير التي تستخدمها البلدان للحد من المنافسة من الصناعات الأجنبية. إنها إجراء دفاعي ولها غالبا دوافع سياسية، ولا شك أنها تحقق نجاحات ملموسة في المدى القصير، لكنها مدمرة للغاية على المدى الطويل، وتجعل الدولة وصناعاتها أقل قدرة على المنافسة في التجارة الدولية". ولكن إذا كان هذا هو التعريف النظري للحمائية التجارية، ومع الإقرار بإيجابيتها في الأمد القصير وأضرارها على الأمد الطويل، فلماذا يتم تبنيها أو الدعوة إلى تبنيها من قبل البعض؟ يواصل الدكتور جون قائلا "الإغراء الأساسي للحمائية أنها تؤدي إلى تعزيز الصناعة المحلية، فهي تمنح الشركات الوقت الكافي للتعلم وإنتاج السلع بشكل يفترض أن يكون أكثر كفاءة، وتطوير مزاياهم النسبية، كما أنها تزيد من فرص العمل محليا، نظرا للحمائية التي تفرضها الدولة على الإنتاج المحلي عبر فرض ضرائب ورسوم جمركية مرتفعة على السلع المستوردة، وتقديم الدعم للمنتج الوطني". ويستدرك قائلا "لكن تلك الفوائد تذهب جميعا أدراج الرياح عندما تتخذ الاقتصادات الأخرى خطوات مماثلة، إذ سيصعب على الاقتصادات الحمائية تصدير منتجاتها إلى الخارج، ومن ثم تبدأ سلسلة من المشكلات مثل نقص في العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد المنتجات الأولية أو شبه المصنعة، التي تدخل في المنتجات النهائية، كما أن غياب المنافسة التجارية يؤدي بالشركات المحلية إلى استمرار الحصول على الدعم الحكومي، وينعكس ذلك في زيادة العجز في الميزانية العامة". وحول قيمة الخسائر المالية المتوقعة إذا ما هيمنت الحمائية الاقتصادية على السياسات التجارية الدولية؟ يشير الدكتور هنري كلوسن المختص في التجارة الدولية قائلا "لا يمكننا في الوقت الحالي طرح رقم محدد لحجم الخسائر الكلية التي سيمنى بها الاقتصاد العالمي جراء تلك السياسات، لأن الأمر يتوقف على عديد من العوامل مثل طبيعة الاقتصادات التي ستتبنى تلك السياسة، ومدى مساهمتها في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وهل ستكون الحمائية سياسة ذات طبيعة شاملة لجميع القطاعات الاقتصادية، أم ستتركز على قطاعات محددة؟ ولكن ما يمكن قوله حاليا إنها ستؤدي إلى تراجع في معدل النمو الاقتصادي ما يراوح بين 15-25 في المائة، ويمكن أن تؤدي إلى خسارة التجارة الدولية نحو ثلث قيمتها، وبهذا يمكنا القول إن الاقتصاد العالمي من الممكن أن يتعرض لخسائر تراوح بين 5 ـ 8 ترليونات دولار في الأجل القصير". ويضيف قائلا "المشكلة في الحقيقية لا تقف عند حجم الخسائر المالية التي سيتعرض لها الاقتصاد العالمي، على الرغم من ضخامتها، لكن المعضلة الأكبر أن تبني النهج الحمائي في الوقت الراهن، حيث يعاني الاقتصاد العالمي بطء معدلات النمو، وصعوبات في التجارة الدولية، رغم ضخ البلدان المتقدمة عبر سياسة التيسير الكمي مئات المليارات في اقتصاداتها، لمحاولة إنعاش النمو الاقتصادي لديها، لا يعني زيادة الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الدولي فقط، إنما سيفجر صراعات اقتصادية ستؤدي إلى تغير في النهج السائد في الاقتصاد العالمي، بما يصعب معه لاحقا العودة إلى التوازنات الاقتصادية المساهمة في تحقيق النمو والانتعاش". وتتفق تلك المخاوف مع الإحصاءات المتاحة على موقع منظمة التجارة الدولية على شبكة الإنترنت، إذ تكشف البيانات أن قيمة تجارة السلع والتجارة في الخدمات التجارية في عام 2015 بلغت ما يقرب من ضعف ما كانت عليه في عام 2005. إلا أن قيمة تجارة السلع والتجارة في الخدمات التجارية انخفضت في عام 2015 بعد نمو متواضع في 2012-2014، وإذ كان هذا الانخفاض قد حدث في وقت يشهد فيه العالم إيمانا بجدوى وفاعلية التجارة الحرة، فالمتوقع إذا من وجهة نظر المختصين أن تشهد التجارة الدولية مزيدا من التراجع، إذا ما استشرى النهج الحمائي على المستوى العالمي. إلا أن المختصة المصرفية ليدي ديفسدون ترجح أن تؤدي تلك السياسة، خاصة إذا كانت نقطة انطلاقها أحد المراكز الاقتصادية الرئيسة عالميا، إلى حرب عملات عنيفة للغاية بما يرافقها من خسائر مالية ستصل إلى تريليونات الدولارات. وقالت لـ "الاقتصادية"، "إذا ما لجأ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب إلى تنفيذ تعهداته الانتخابية بتبني سياسات حمائية لحماية الشركات الأمريكية، فإن المتوقع أن يكون رد فعل الشركاء التجاريين وتحديدا الصين عنيفا بشكل ملموس. إذ يتوقع أن تتبنى بكين سياسات مماثلة لحماية مصالحها التجارية، ولن يكون أمام واشنطن لزيادة صادراتها غير خفض قيمة الدولار لمنح منتجاتها مزايا نسبية أفضل تتمثل في انخفاض أسعارها مقارنة بأسعار منافسيها، والمؤكد أن بكين سترد بالمثل، والمشكلة أن تلك المعركة لن تنحصر بين الجانبين فقط، إذ ستمتد حتما إلى الاقتصادات الأخرى وأعني اليابان والاتحاد الأوروبي وحتى الاقتصادات الناشئة للحفاظ على أنصبتها التصديرية في التجارة الدولية، وهو ما يعني حرب عملات واسعة النطاق، بما يمكن أن ينجم عنها من أضرار للنظام المصرفي العالمي الذي لم يتعاف بعد من الأزمة المالية لعام 2008". وتستدرك قائلة "لكن الأخطر أن تلك الحرب قد تترك آثارا مخيفة على الدولار كعملة رئيسة للتجارة الدولية، فالمرجح أن يسفر هذا الصراع عن ظهور تحالفات اقتصادية دولية تعمل على تعزيز سلة مشتركة من العملات، تقتص جزءا من نصيب الدولار في التجارة الدولية، لتفادي الخسائر الناجمة من الاعتماد على العملة الأمريكية في تقييم عديد من السلع خاصة الاستراتيجية منها". ويحذر الاقتصادي البريطاني دريك جيمسون من مغبة السياسات الحمائية على مستويات التوظيف والعمالة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقال لـ "الاقتصادية"، "المختصون في مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني أشاروا إلى أنه إذا تبنت واشنطن إجراءات حمائية في مواجهة شركائها التجاريين فستخسر أربعة ملايين وظيفة عمل، وستفشل في إيجاد ثلاثة ملايين وظيفة أخرى، كما ستوجه ضربة قاصمة لصناعة الطائرات الأمريكية باعتبارها إحدى ركائز الاقتصاد الأمريكي". لكن الأخطر من وجهة نظر دريك "غياب تصور دقيق أو تفصيلي لدى الداعين إلى الحمائية بكيفية التعامل مع التبعات السلبية الناجمة عنها، فوفقا لمؤسسة بيترسن للاقتصاد الدولي إزالة القيود التجارية تحقق زيادة في إجمالي الدخل الأمريكي بنحو 500 مليار دولار، ومن ثم زيادة القيود التجارية سترفع خسائر الاقتصاد الأمريكي إلى تريليونات الدولارات، ولا توجد وسيلة واضحة لدى مروجي الحمائية الاقتصادية، لكيفية تعويض تلك الخسائر، خاصة في ظل رفضهم لأن يتم ذلك عبر زيادة الضرائب، وإذا تم التعويض عبر زيادة الإنفاق الحكومي، فسنشهد عجزا ضخما في الميزانية العامة، ولن يكون أمام واشنطن من بديل لسد العجز سوى زيادة الإقراض عبر بيع مزيد من سندات الخزانة، بما يعنيه ذلك من صعود رهيب في إجمالي الدين الأمريكي، الذي بلغ حاليا 18 تريليون دولار أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي". لكن المخاوف من النهج الحمائي وتزايد دعوات بعض السياسيين له، لا تقف عند تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي، أو انخفاض معدلات التبادل التجاري الدولي، أو حتى احتمالية اندلاع حرب عملات دولية طاحنة، إنما يذهب بعض المختصين إلى البحث في التأثيرات المحتملة لذلك في حركة رؤوس الأموال الدولية، وما سينجم عنها من فرص استثمارية ضائعة. المختص الاستثماري اندروا كيربي يعتقد أن أفكار الحمائية الاقتصادية ستوجد ضغوطا على حركة رؤوس الأموال، إلا أن تلك الضغوط ستدفع رؤوس الأموال إلى إعادة صياغة توجهاتها الاستثمارية بطريقة لن تصب في مصلحة النمو العالمي، بل يمكن أن تعمق حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الراهن. وقال لـ "الاقتصادية"، "ستنصب الضغوط الناجمة عن الحمائية الاقتصادية على رؤوس الأموال ذات التوجهات الاستثمارية طويلة الأمد، وسيدفع هذا بجزء كبير من رؤوس الأموال الاستثمارية، إلى التحول من الاستثمار طويل الأمد إلى المضاربات السريعة ذات الربحية المرتفعة والمخاطر الكبيرة، أو الاستثمار في المعادن النفيسة كالذهب باعتباره ملاذا آمنا، وهذا سيترك بصمات سلبية التأثير في الأسواق المالية، وسيؤدي إلى اكتناز الأموال بدلا من ضخها في المنظومة الاقتصادية، وسيوجد بيئة عدوانية لأي رغبة حقيقية في أن تساعد حركة رؤوس الأموال في تشجيع التنمية، خاصة في الاقتصادات الناشئة. وهذا الوضع المتردي لحركة رؤوس الأموال، سيوجد بالتبعية حالة من الاستقطاب العالمي، ويعمق الفجوة الراهنة بين البلدان كثيفة رأس المال والبلدان كثيفة العمالة، وهو ما يستبعه فقدان عديد من الفرص الاستثمارية القادرة على الاستفادة من تباين معدلات النمو الاقتصادي، لتحقيق درجة أعلى من الربحية، التي تسهم بدورها في رفع مستوى المعيشة وزيادة معدلات التوظيف وخفض البطالة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية