Author

موت الطفولة يمكن إيقافه

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"دعونا نضح بيومنا هذا من أجل غد أفضل لأطفالنا" إى. بي. جي عبد الكلام، رئيس الهند الراحل لا بد من الاعتبار بنجاح الجهود التي بذلت على مدى السنوات القليلة الماضية، على صعيد الحد من وفيات الأطفال لأسباب صحية، ولاسيما أولئك الذين يموتون قبل إكمال سن الخامسة من أعمارهم. أصابت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة ذات الصلة، عددا من الأهداف في هذا المجال، وكذلك فعلت حكومات الدول المعنية مباشرة بهذه الأزمة الطويلة. بعض هذه الحكومات تمكنت من تحقيق نجاح ما، بفشل المساعدات التي وصلتها وكذلك الخبرات التي صدرت إليها في مجال الحد من الأوبئة والأمراض المزمنة، وتلك المرتبطة بالولادات. بل إن بعضها استطاع أن يهيئ كوادر وطنية في السنوات القليلة الماضية، قادرة على مواجهة مثل هذه الأزمات بكل أشكالها. بمعنى آخر، أن بلدانا بعينها "استغلت" تدفق المساعدات والدعم المالي والخبراتي، لتبني هياكل ومعها الكوادر اللازمة الآن ومستقبلا. وما لا شك فيه، أن التعاون الدولي كان له الأثر الأكبر في تحقيق أهداف الحد من أعداد الأطفال الذين يموتون دون سن الخامسة، فضلا عن تنامي دور المنظمات والجمعيات المدنية والأهلية، سواء في البلدان المستهدفة، أو المصابة بهذا الداء، أو تلك التي تقوم بعمليات المساعدة والمواجهة. والحق، أن كثيرا من البلدان، وجد على مدى السنوات الماضية، أن التقاعس في مثل هذه الأزمة، يعني ببساطة استفحالها، فضلا عن انعكاساتها الأخلاقية. فلم يعد التدخل الخارجي لحل مثل هذه المشكلة كرما، بل واجبا تفرضه القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، إضافة إلى المعايير الأخلاقية. وإذا أضفنا التقدم الهائل في المجال الطبي من حيث الأدوات والأدوية، فإننا نجد أن الوصول إلى الهدف النهائي في هذا المجال أمرا ليس صعبا كما قد يبدو للوهلة الأولى، وأن ما تحقق حتى الآن يمكن البناء عليه. ورغم كل هذا، ومع التقدم المتسارع الراهن على صعيد مكافحة الأمراض المعدية، فإن الأرقام العالمية الحديثة تؤكد مجددا، أن أكثر من ستة ملايين طفل يموتون قبل سن الخامسة. وبالطبع فإن أكثر من 60 في المائة منهم "يتجمعون" في عشر دول إفريقية وآسيوية، وذلك استنادا إلى مجلة "ذي لا نسيت" الطبية البريطانية. اللافت السلبي هنا، يكمن في أن الوفيات التي تطول المواليد الجدد في الشهر الذي يلي ولادتهم، تراجعت بسرعة أقل من الوفيات الأخرى في السنوات الأخيرة. وهذا يعني، أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به، من أجل تسريع عملية انخفاض عدد الأطفال الذين يموتون في الشهر الأول الذي يلي ولادتهم. والأسباب عديدة، تعود بمجملها إلى الإصابة ببعض الأمراض منها الالتهاب الرئوي والملاريا والإسهال والحصبة والسحايا وغير ذلك. هل هناك إمكانية للعلاج؟ الجواب بكل بساطة نعم، لكنه مرتبط بمستوى تعاون الحكومات الوطنية والمحلية في عدد من البلدان، فضلا عن الشفافية في التعاطي بمثل هذه الملفات من قبل الحكومات نفسها. لا شك في أن الحكومات الفاسدة، تصيب أي حراك مهما كان صحيا وشفافا بالفساد، وليس أمام المؤسسات الدولية في مثل هذه الحالات إلا اتخاذ زمام الأمور، لمواجهة تسارع وفاة الأطفال دون العمر المشار إليه. أما فيما يتعلق بالبلدان التي توفر أقصى مجالات التعاون، بما في ذلك المناطق المحلية فيها، فإن العمل يسير بصورة أكثر عملية ومهنية، والأهم يحقق الإنجازات المطلوبة ضمن الإطار الزمني له. لا يمكن أن يترك الأمر "أمام هذا العدد الهائل من الأطفال الذين يموتون"، للتجاذبات والاتهامات. ما هو مطلوب زيادة سرعة وتيرة التحرك، لخفض عدد المستويات المقبولة. مع الإشادة بالجهود التي تبذل على الساحة الدولية في مواجهة الأزمة المذكورة، علينا أن نعترف بأن العالم فشل - من خلال منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الأهلية المدنية - في خفض عدد الأطفال الذين يموتون دون سن الخامسة بمعدل الثلثين قبل حلول عام 2015. الذي حدث أن هذا العام حل ورحل، ولم ينخفض العدد إلا أقل بكثير من النسبة المستهدفة. وفي كل الأحوال، اعتدنا دائما على أن الأهداف المعلنة ليس بالضرورة أن تتحقق، بما في ذلك التي تعلنها الأمم المتحدة ومؤسساتها. المهم الآن، أن إنجازا كبيرا تحقق، ويمكن البناء عليه بما يكفل الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من الأهداف الموضوعة. لا يعقل أن يتقدم العالم بهذا المستوى وبتلك السرعة على الصعيدين الطبي والعلمي، والاتصالات ومحاربة الأوبئة، ولا يزال هناك أطفال يموتون لأسباب بعضها يمكن اعتباره تافها! وهذا ليس كلاما عاما، فمنظمة الصحة العالمية تؤكد رسميا، أن أكثر من نصف وفيات الأطفال المبكرة تحدث بسبب حالات مرضية، يمكن توقيها أو علاجها بإتاحة فرص الاستفادة من تدخلات بسيطة وميسورة التكلفة. وهذا يعني بوضوح، أنه يمكن تحقيق هدف خفض الوفيات بالنسبة التي وضعتها الأمم المتحدة، ولا يتطلب الأمر سوى زيادة وتيرة الحراك، ومجابهة العقبات بصرف النظر عن قوة وهوية الجهات التي تضعها.
إنشرها