ثقافة وفنون

الكاتب الكيني «واثيونغو».. قاطع لغة المستعمر الإنجليزية انتصارا للغته

الكاتب الكيني «واثيونغو».. قاطع لغة المستعمر الإنجليزية انتصارا للغته

جدل العولمة، ترجمة الدكتور سعيد البازعي.

الكاتب الكيني «واثيونغو».. قاطع لغة المستعمر الإنجليزية انتصارا للغته

العمل الجيّد يفرض سطوته.

الكاتب الكيني «واثيونغو».. قاطع لغة المستعمر الإنجليزية انتصارا للغته

يرى الكاتب أنّ الميادين التي تمّت عليها مقاومة الاستعمار قديماً، تجري عليها الآن أيضاً مقاومة العولمة.

ظل الكاتب الكيني نغوغي وا ثيونغو لسنوات عديدة في مقدمة قائمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب التي ذهبت هذا العام إلى الموسيقي الأمريكي بوب ديلان. ويكتب وا ثيونغو في حقول عديدة كالرواية والقصة القصيرة والمقالة، وتتناول أعماله مساحة واسعة من الاشتغالات تمتد من النقد الاجتماعي والأنثروبولوجيا الثقافية وحتى أدب الأطفال. اعتاد وا ثيونغو على الكتابة باللغة الإنجليزية، ولكنه أحجم عنها في مرحلة ما من تطوره الثقافي وانبرى للكتابة بلغة (Gikuyu) المحلية واللغة السواحلية. وحينما اعتقلته السلطات الغاشمة في بلاده في سجن شديد الحراسة، اضطر إلى الكتابة على ورق المرحاض. ولد وا ثيونغو في قرية من قرى كينيا عام 1938 وعمّد باسم (جيمس نغوغي) جرياً على تقاليد الكنيسة التي تخلع أسماء قديسين على أسماء المواليد، تيمناً بهم وطلبا لبركة مرجوة، ثم أكمل دراسته وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية من كلية محلية في العاصمة الأوغندية كمبالا، وخلال فترة تعليمه الجامعية عرضت له مسرحية بعنوان "الناسك الأسود The Black Hermit " عام 1962. نشر وا ثيونغو روايته الأولى لا تبكِ ياولدي (Weep Not , Child)عام 1964 عندما كان يكمل دراسته الجامعية العالية في جامعة ليدز البريطانية، وكانت الرواية الأولى التي تنشر بالإنجليزية لكاتب من شرق إفريقيا، ثم نشرت روايته الثانية النهر الذي بينهم (The River Between) التي يحكي فيها عن تمرد قبائل الماوماو، وقد وصفت الرواية بأنها حكاية رومانسية حزينة للعنف الذي ساد بين المسيحيين وغير المسيحيين في تلك الأصقاع الإفريقية النائية، وقد اعتمدت هذه الرواية ضمن مناهج الدراسة الثانوية في كينيا. جاءت رواية حبة قمح ( A Grain of Wheat) لتؤشر إلى تعلق وا ثيونغو بالماركسية الفانونوية (نسبة إلى فرانز فانون) ، وبعد نشر هذه الرواية تخلى واثيونغو عن كل من اللغة الإنجليزية والمسيحية وعن اسم ( جيمس ) الذي ألحق به عند العماد، معتبراً هذه كلها رموزاً كولونيالية، واعتمد منذ ذلك الحين اسم (نغوغي وا ثيونغو) وابتدأ يكتب بلغة الكيكويو واللغة السواحلية. #2# وكان العمل المسرحي الذي كتبه وا ثيونغو "سأتزوج متى أردت" وقدم عام 1977 رسالة سياسية واضحة دفعت نائب الرئيس الكيني آنذاك دانييل أراب موي، إلى سجن واثيونغو في سجن يخضع لحراسة مشددة وقيود صارمة، ما دفع واثيونغو إلى الكتابة من داخل السجن على ورق التواليت الخاص بالمرحاض. بعد إطلاق سراحه من السجن، بعد احتجاجات عالمية، تم فصل واثيونغو من عمله كأستاذ في جامعة نيروبي، وكان للمضايقات الوقحة التي تعرضت لها عائلته بسبب نقده الحاد للحكومة الديكتاتورية أثر بارز في خروجه مع عائلته إلى المنفى، ولم يعودوا إلى كينيا إلا بعد 22 عاماً، بعد أن تمت إزاحة أراب موي عن السلطة، كما تقول الأديبة العراقية لطفية الدليمي التي ترجمت أجزاء من كتاب وا ثيونغو "أحلام من زمن الحرب: مذكرات طفولة" الذي يعدُّ وثيقة أدبية مهمة في شكل سيرة حياتية تكشف عن الواقع الاجتماعي السائد في معظم المجتمعات الإفريقية في حقبة الهيمنة الكولونيالية. يقول وا ثيونغو في مذكرات الطفولة: كان والدي شخصاً متحفّظاً وصموتاً للغاية وقد باح بالقليل جدّاً عن ماضيه، وفي الوقت ذاته بدت أمّهاتنا – اللواتي تمحورت حياتنا حولهنّ – متردّداتٍ في البوح بأيّة تفاصيل عمّا يعلمن بشأن ماضي والدي، ولكن رغم كلّ ذلك، فإنّ شذراتٍ من ذلك الماضي كانت قد تراكمت لدينا من وراء الهمسات والملاحظات العابرة وحتّى الحكايات التي كنّا نسمعها، والتي أضحت بالتدريج سرديّة شفاهيّة تختصُّ بحياة والدي ودوره في عائلتنا. وفي حوار أجراه مايكل بوزو مع الكاتب نغوغي وا ثيونغو، ونُشر في مجلّة (St. John”s University Humanities Review) في شهر أيار (مايو) 2004، وترجمته الدليمي، يقول الأديب الكيني عن كتاباته واندغامه في الشوؤن المجتمعية والإنسانية: أنا شغوفٌ للغاية بالعلاقات الإنسانيّة ونوعيّتها، ويشبه حالي مع هذا الاهتمام حال أيّ فنّان آخر، ويشكّلُ اهتمامي هذا مركز القلب في كلّ ما أبتغي سبر غوره في أعمالي. العلاقاتُ الإنسانيّة لا تُمارَسُ في فراغٍ، بل تتطوّرُ في سياقٍ محكوم بمؤثّرات كثيرة: البيئة، الاقتصاد، السياسة، الثّقافة، والنفس البشريّة ذاتها أيضاً. ومن المؤكّد أنّ أوجه مجتمعنا هذه وكثيراً غيرها تؤثّرُ في نوعيّة العلاقات الإنسانيّة بطريقة جوهريّة، وينبغي إدراكُ أنّ هذه الأوجه لا يمكن عزلُها عن بعضها، لأنّها مشتبكة بطريقة شديدة التعقيد، وتقومُ وظيفة الفنّان على امتحان ومساءلة الظواهر المتداخلة بغية فتح نافذةٍ يمكن الولوجُ منها إلى الرّوح البشريّة، وينبغي لِكلّ الوسائل المادّية التي تديمُ الحياة أن تنتهي شكلاً من الروحانيّة التي تثري الحياة البشريّة في خاتمة الأمر. #3# ولفت وا ثيونغو إلى أنّ عمله في القرية الكينيّة تسبّب في إرساله إلى سجنٍ يخضعُ لتدابير أمنيّة مشدّدة: قضيت عاماً في ذلك السّجن من غير محاكمةٍ أصوليّة، وفي غياهب ذلك السّجن أعملتُ تفكيري طويلاً في اللغة الإنجليزيّة التي كانت اللغة الاستعماريّة السّائدة ثمّ صارت اليوم اللغة السائدة لدى السلطة الحاكمة في الدولة ما بعد الكولونياليّة، وفكّرت أيضاً في علاقة اللغة الإنجليزيّة باللغات الإفريقيّة وعندها اتخذتُ قراري الحاسم الذي لا رجعة لي عنه بألا أكتب أيّة روايةٍ أو عمل دراميّ لي باللغة الإنجليزيّة ثانية، وجاءت رواية (الشيطان على الصّليب) التي كتبتها على ورق مرحاض السّجن لتكون النتاج الأوّل لقراري ذاك. ويبقى الكاتب الكيني نغوغي وا ثيونغو علامة بارزة في الثقافة المعاصرة، فهو فضلاً عن رواياته وأدبه الممتع، صاحب مشروع معرفي ثوري تجلى في كتاباته السياسية ذات المنحى الفلسفي، ومن بينها كتابه "جدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها" الذي نقله إلى العربية الدكتور سعد البازعي وصدر في عام 2014 ضمن مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وحينما سئل عن قدرته على نقل المعرفة عبر واحدة من اللغات التي يمكن وصفها بأنّها من اللغات التي أهمِلت طويلاً، قال الكاتب الكيني: من خلال عملي في المركز العالميّ للكتابة والترجمة في جامعة كاليفورنيا، إرفين Irvine أعلم تماماً أنّ المثقّفين يستخدمون عبارة (لغات مهمّشة) بدل (لغات هامشيّة) في إدراكٍ واعٍ منهم لحقيقة أنّ قرّاءهم العتيدين هم أنفسهم الذين ينتمون لفضاء اللغة والثقافة المهمّشة التي ينتمي إليها الكاتب، وتكمن المعضلة الأساسيّة لا في اللغة ذاتها، بل في قدرة الكاتب على إنتاج معرفةٍ بلغته المحلّيّة بوسعها أن تخترق قلوب مُواطنيه، ويمكن أيضاً للكاتب أن يضطلع بمهمّة ترجمة العمل من اللغة المهيمنة إلى اللغة المهمّشة فيكتسبُ آنذاك قرّاءً إضافيين من نخبة القراء الذين يحكون بلغته المحليّة، ومن هنا يكون واضحاً الدور العظيم الأهمّية الذي يمكن للترجمة أن تنهض بأعبائه. لا ينبغي أن ننسى في كلّ الأحوال أنّ العمل الجيّد يفرض سطوته ولا يُعدمُ من يسوّقه تسويقاً جيّداً. يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة فصول هي في الأساس محاضرات ألقاها مؤلف الكتاب حول قضايا فكرية وأدبية وثقافية مختلفة، لكنها تتمحور حول تأثيرالعولمة التي يمارسها الغرب على العالم على أكثر من مستوى والموقف الذي اتخذته ويجب أن تتخذه ثقافات العالم غير الغربي تجاه ذلك التأثير. وقد تركز اهتمام المؤلف على إفريقيا في سياق ما يسميه "جدل العولمة"، حيث تنشأ مساع مختلفة للحفاظ على الثقافات المحلية وتنميتها باتجاه الانفتاح على العالم لكن من دون فقدان الخصائص المحلية التي تهدد العولمة بمحوها، كما جاء في الموقع الإلكتروني لـ"كلمة". ويضرب المؤلف أمثلة كثيرة لتلك المساعي التي أسهم هو مع بعض زملائه حين كان في بلاده وفي دول إفريقية مجاورة في الاضطلاع ببعضها، التي كانت مبعث كتابة المحاضرات، وضمها من ثم في كتاب تحت عنوان اشتقه من اللغة الإنجليزية هو "جلوباليكتيكز" الذي يجمع العولمة مع المفهوم الذي وضعه الفيلسوف الألماني هيجل أي مفهوم الجدل "الديالكتيك" حيث يحدث تفاعل بين قوتين تنتج عنهما قوة ثالثة، حيث يتطلع المؤلف إلى جدلية من النوع المشار إليه يتفاعل فيها الطرفان دونما هيمنة لأحدهما. كما ترسم فصول صورة مركبة للميادين التي جرت عليها مقاومة الاستعمار قديماً، ويرى الكاتب أنها نفسها التي تجري عليها أيضا مقاومة العولمة حالياً في توجهها لمحو السمات المحلية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون