العالم

المتاجرة بالمأساة .. إيران وإسرائيل وجهان لـ «لصوصية دم» واحدة

المتاجرة بالمأساة .. 
إيران وإسرائيل وجهان 
لـ «لصوصية دم» واحدة

مثلما بُرّئتْ ميليشيات هاجاناه من جرائمها بحق الفلسطينيين، تنجو ميليشيات إيران الطائفية من تهم الإرهاب.

مدهش هو التشابه في بنية المظلومية ومناهلها وأطوار تضخمها ومآلات توظيفها السياسي، بين استغلال النظام الإيراني لفجيعة كربلاء المؤلمة ودمويتها، واستخدام إسرائيل لمآسي اليهود الرهيبة قبيل الحرب العالمية الثانية وفي خضم أحداثها. يتكئ الطرفان في سرد المظلومية على سلسلتين من الشواهد المكانية والزمانية والتاريخية والأدبية، أضفيتْ عليهما لمسات جانحة من المبالغة لا يجرؤ أحد على تفنيد إحداهما تحت طائلة القانون في دول غربية، ولا على تمحيص الأخرى تهربا من تهمة الطائفية والعداء لآل البيت، دون أن يسلم من الترهيب المكارثي في كلتيهما. وتبرز في هذه المقارنة ثنائيات تتقاسم أوجه الشبه من زوايا كثيرة، فحين يرفع النظام الإيراني لواء تحرير زينب ليستردها من يزيد ما تحت شعار فانتازي (لن تسبى زينب مرتين)، يستدعي النظام الإسرائيلي آنا فرانك بمذكراتها الطفولية ليردد الشعار الشهير: (لن يتكرر أبدا)؛ وحين يبدو أوشفيتز مسرحا للألم والمعاناة، تأتي كربلاء معادلا مكانيا لصياغة مرثية الدم المراق على الأرض المباركة؛ وبينما تشكل أفران الغاز عنصر رعب لازما في ذهن المتلقي، يلعب دم الحسين وعطشه الدور نفسه في تصوير فداحة الجريمة؛ وحين يكون تجريد دمشق من أمويّتها التي قتل الإمام المعصوم تحت ظلالها، تكون القدس تعويضا إلهيا عن الظلم التاريخي الذي لحق بـ "شعب الله المختار"، وكما تقدّم إسرائيل نفسها وكيلا حصريا للحق اليهودي رغم اعتراض فئة من اليهود على وجودها نفسه، تحتكر إيران الحديث باسم مأساة الحسين، مع أن معظم المسلمين يتألمون لمصيره مشنّعين على قاتليه. وربما تلتقي هذه السرديات مع مظلوميات شعوب أخرى (الأرمن والشركس والموريسكيين والهنود الحمر..) يحق لها جميعا تدريس مأساتها وشرحها للعالم وانتزاع اعتراف تاريخي صريح وتعويض مالي لائق، لكن مكمن الخطورة في حالتي إيران وإسرائيل هو اختيار شعب ما ليكون تحت مقصلة القصاص من دم لا صلة له به، فحين تتحاشى إيران الإشارة إلى تخاذل شيعة الحسين وتوهِم جمهورها أن السنة (السوريين والعراقيين اليوم) هم أحفاد يزيد وإنّ ثأر الحسين لا ينجلي إلا بقتلهم، تغضّ إسرائيل طرفها عن المسؤولية الأوروبية عن مأساة اليهود المعاصرة لتقول إن الفلسطينيين اغتصبوا أرضها التاريخية. وتتجلى الخطورة أيضا في أن الطرفين تمكنا كقوتين إقليميتين من برمجة العقل الجمعي داخليا على تلازم التاريخ والحاضر، والوعي العام دوليا على القبول بمظاهر الانتقام وأشكال التعويض وهوية الغارم، بحيث يحق لإحداهما أن تختار من خيال أدبياتها شعبا للانتقام، بينما تنال الأخرى تعويضها من شعب آخر تنتقيه على مزاج توراتها، وسط تواطئ عالمي على تغطية مجازر الأولى، ورضا أممي لشرعنة جرائم الثانية. العالم في كلا الحالين مدعو للفرجة على متحف افتراضي بسعة العالم وذرف الدموع القسرية وبذل التعويض المالي والنفسي والتاريخي الذي يحدده أرباب المأساة وأولياء دمائها (لصوصها في الواقع)، ثم ينبغي على هذا العالم أيضا أن يعفو عن كل جريمة ترتكب باسم المأساة وتحت لوائها. ومثلما تحظى إسرائيل باعتراف عالمي كامل، تكرّم إيران باتفاق يعترف بها قوة إقليمية شرعية؛ ومثلما برّئتْ ميليشيات هاجاناه وأراجون من جرائمها بحق الفلسطينيين، تنجو ميليشيات إيران الطائفية من الشيطنة وتهم الإرهاب والملاحقة التي تتعرض لها فصائل أخرى في المنطقة؛ وبينما يتفهم مجلس الأمن دوافع إسرائيل الأمنية والوجودية لقتل الفلسطينيين، يبدي العالم المتحضر تفهما أيضا لصيحات الحشد الشعبي من أجل تطهير العراق وسورية من أحفاد يزيد؛ وبينما يلاحق أي إنسان يشتبه بميوله الإرهابية إلى أقصى بقاع الأرض، يسافر الثوري الإيراني علانية من طهران إلى دمشق عبر خطوط دولية متوشحا سلاحه؛ وفيما يضيق الخناق الدولي على طلاب حرية قاتلوا لتحرير بلادهم، يصول حزب الله ويجول لـ "استرداد زينب" من أطفال سورية دون أن تكدره طائرة أو يعيقه مدفع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم