المشراق

ابن عبدالرحيم التميمي .. «مطوع وشيقر» وصريع الغرام

ابن عبدالرحيم التميمي .. «مطوع وشيقر» وصريع الغرام

صورة حديثة لمدينة أشيقر القديمة.

لمدينة أشيقر أثر كبير في مسيرة الحركة العلمية في جزيرة العرب، وكانت في قرون ماضية معقلا من أبرز معاقل العلم في نجد، و أنجبت العديد من العلماء. وقد كتب عن هذا الدور العلمي عدد من الباحثين، أما في مجال الشعر النبطي فلا شك أن مدينة أشيقر أسهمت بنصيب وافر، وقد أنجبت عبر تاريخها شعراء مفلقين من أمثال ابن عبدالرحيم التميمي "مطوع وشيقر"، وحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جراح السبيعي وغيرهما. وبذل سعود بن عبدالرحمن اليوسف جهدا يشكر عليه في جمع بعض أخبار وأشعار مجموعة من شعراء أشيقر، وضمنها كتابه "أشيقر والشعر العامي"، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1416هـ، وهذا عرض لبعض القصص والأشعار الواردة في الكتاب. مطوع وشيقر والبدوية ابن عبدالرحيم التميمي، المعروف بلقب "مطوع وشيقر"، شاعر متقدم عاش على الأرجح في القرن العاشر الهجري، والأخبار المتناقلة عنه تحتاج إلى تمحيص وتدقيق لما فيها من غرابة وتضارب. وقد تنبه لذلك أيضا اليوسف وأشار إليه، كما أورد له خبرا طريفا مفاده أن شاعرنا رأى بدوية اسمها سلمى في سوق أشيقر وأعجب بها وبجمالها الفاتن، وتعلق بها وأصبح يطاردها، فأعطته كلاما معسولا وواعدته بعد ثلاثة أيام، ولم تمض هذه الأيام الثلاثة حتى فوجئ برحيل قومها، فقال هذه القصيدة: "حورية العين حورا الجبين من البدو من شافها يهبلي وان عنت يم بدو فيدنى لها ظلة حس جرسانها تعولي وان عنت يم حضر فيبنى لها روشن فوق جمع الملا معتلي وسلمى كما الريم لولا بها خط نون على واضح الذبلي وطق المطوع ولنه صويب صوابه خطير على مقتلي وطق المطوع ولنه طريح طريح ولا خبروا به هلي وقلب الهوى عادته ما يتوب لو تعذله عن الحب ما يعذلي دخلت الفريق، ومعي مصمدي أدور به البيع والبدلي وقالت: يمينك نشوف الحجول جداد صنعها ستاد بلي وقالت: علامك تطيل النظر تحدد لي الشوف ما تخجلي فقلت: لي امهل علينا ثلاث وعقب الثلاث.. فلا تمهلي مهلت الكثير برجوى القليل ولا أمهل الله من يمهلي وكنيت في البيت ذاك النهار مدار عن الشوق لا يزعلي ولا راعني غير شد الظعين وصوت لبوها يقول ارحلي فجابوا لها أملح كالغراب عريض الفطيحا من البزلي وعبدة تسوق وأخرى تقود برفق، ولا بالعصا برغلي وز منها فوق عالي قراه وقام البليهي بها يهذلي وقفت وهي تدعي بالسلام وتومي ولكن الاوماي لي وشبهت اصابع حسين الدلال حنابيز رمل سقاها الولي ورحت اتتبع بثر ساقته لشوف كود الغضي ينزلي وحل الظلام، وبن النجوم بليل سنا بدره.. منجلي وسار الدجى بطريق، وانا بعيد عن النزل والمنزلي وناديت سلمى، ويا سلمتي ورد الصدى الصوت ما ردلي ويبست شفاي طريح الغرام غرام وظما واحتراق وصلي شربت الحمام..قضيت النحيب براس ابرق نايف معتلي أبو جراح السبيعي ومحمد بن هندي ذهب أبو جراح السبيعي لبيع التمر على البادية ولكن مرت الأيام ولم يأت أحد لشراء تمره، وهذا يعني خسارة فادحة له، فرأى أن يخرج من هذا المأزق ونظم هذه القصيدة: "عزي لمن طار الكرى من عيونه يخيل براق عسى عقبه خير يسقي لنا ما حال كبشان دونه ادناهم التسرير واقصاهم النير باغي الى جبت التمر يشترونه واكب دار اهل العجم والهمارير على محمد شيخهم يتبعونه اللي رعى نجد براي وتدبير وعندما وصلت القصيدة إلى الشيخ محمد بن هندي بن حميد طلب من أتباعه شراء التمر من أبو جراح. ماهوب توي خاربات طبوعي كان الشاعر عبدالله بن عثمان أبا حسين الوهبي التميمي (1277 – 1349هـ) مزواجا، تزوج كما ذكر المؤلف ثلاثين مرة وكان لا يبقي الزوجة عنده كثيرا، ولا يتزوج إلا مطلقات، ولم يكتب الله له أولادا، ومن أشعاره التي قالها وتدل على سرعة طلاقه للنساء وانتقاده لنفسه في ذلك قوله: أخذت عندي يا اريش العين عشرين وأنا أحسب إنك ما تتم السبوعي هذي طبوعي من قديم وهالحين ماهوب توي خاربات طبوعي ونجد من القصائد الجميلة هذه الأبيات الغزلية للشاعر صالح بن دخيل المنيف المعروف بلقب "شقير"، ويقول فيها: "ألا يا ونة ما ونها قبلي ولا مخلوق عسى من لامني في ونتي يجيه ما جاني ألا لا عدت يا يوم جرى لي من فراق الشوق عسى يا ناس ما ياطا الصديق اللي توطاني أنا حدرت للديرة وخلي سندوا به فوق تعداني شفاة الروح يوم انه تعداني سلام الله على اللي كن ريقه حليب النوق الى مني شربته مع طلوع الشمس يقراني الا يا عونة الله كن خلي ما مشى بالسوق ولا كنا تلاقينا وحييته وحياني تعطلت سيارته ومات في الصحراء كان عبدالله بن عبدالرحمن العبيدي مدرسا في السر عام 1390هـ وبعد انتهاء عمله رجع إلى الوشم عن طريق نفود السر على سيارته الجيب، فلما توغل في النفود توقفت سيارته في الرمل فحاول إخراجها فلم يستطع حتى نفد ما معه من طعام وشراب، وبعد مضي ثلاثة أيام وجد ميتا بجوار سيارته، حيث عثر عليه محمد بن صالح المرشد. وبعد مضي شهر على وفاته ذهب ابن مرشد، وعبدالعزيز بن محمد المقحم "سهيل"، وحمد بن عبدالرحمن المغيولي إلى السر فلما مروا بالمكان الذي توفي فيه صديقهم عبدالله العبيدي حصلت محاورة شعرية بين المغيولي وسهيل حيث قال حمد: "لا تمروا بي على قبر العبيدي والله إني مستصيب من وفاته اتمنى والتمني ما يفيدي مات أبو فواز ما كمل صلاته" ثم قال سهيل: " ليت ربي يبعثه بعث جديد ويتمتع مثل ربعه في حياته مستضر القريب والبعيدي مات عبدالله ولا وصى وصاته". وكان الشاعر عبدالعزيز بن حمد العمير ( 1302 – 1410 هـ ) قد رثاه قبلهما بقصيدة منها: " تاه دربه فوق مجهول الحديدي طاح تحت الجيب من بين كفراته دوره قرم على الشده عضيدي محمد المرشد ولا سوي سواته" مثل الذيب والجني: وهذا عبدالعزيز بن محمد العمير (1323 – 1361هـ) المعروف بلقب "مطيليع" كان في بداية شهرته في الشعر، وحينما قدم الشاعر الكبير سليمان بن شريم إلى شقراء قابله فقال له ابن شريم: "يذكرونك شاعر وإنك تحذف بويتات"، وأصر عليه أن يسمع شيئا من شعره، فقال العمير هذا البيت: "أنا وياك يا سليمان مثل الذيب والجني وأنا خابرك مثل السم ما يشرب على التجريب". وللشاعر عبدالعزيز بن محمد العمير هذان البيتان عن مدينة شقراء وأهلها من بني زيد: أبشري يا دار سورك تعلى من شمال ما تهقواه المدافع ولا تهوزه من بعيد من بني زيد وجيرانهم سلة عيال هارب من فعلهم كل جبار عنيد وكتاب "أشيقر والشعر العامي" مليء بالأشعار الطريفة والقصص الماتعة، إلا أن صاحبه تعمد ألا يورد الأشعار المتعلقة بالأحداث التاريخية والسياسية، لذلك أهمل كل أشعار أبو جراح السبيعي وفهيد بن سكران السياسية ولم يورد منها شيئا، وهي قصائد قوية ورائعة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق