ثقافة وفنون

«مقهى المجتمع».. ما لا تجرؤ «هوليوود» قوله عن حلمها

«مقهى المجتمع».. ما لا تجرؤ «هوليوود» قوله عن حلمها

اختير"مقهى المجتمع" كفيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي في دورته 69.

«مقهى المجتمع».. ما لا تجرؤ «هوليوود» قوله عن حلمها

«النوستالجيا» والعودة للماضي تميزان أعمال وودي ألن السينمائية الممتدة منذ الخمسينيات حتى الوقت الراهن.

أجمل الأعمال الروائية والسينمائية هي تلك المتأصلة في أعماق المبدع نتيجة تجربة خاصة به، فحين يحولها إلى قالب إبداعي تظهر وكأنها تبوح بأسراره وانطباعاته. وذلك كما يظهر في الفيلم الدرامي العاطفي "مقهى المجتمع"، وهو من إخراج وكتابة سيناريو المبدع الأمريكي الثمانيني وودي ألن، بأعماله التي تتميز بقالب خاص، وثيمات تتطرق للعاطفة والخيانة وأجواء النوستالجيا والعودة للماضي الملتصقة بأعماله السينمائية الممتدة منذ الخمسينيات وحتى الوقت الراهن. وقد اختير"مقهى المجتمع" كفيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي في دورته التاسعة والستين. ويعزز من حضور وودي ألن اختياره لصوته كراوٍ، لتتردد كلماته الواصفة للمواقف وما يختلج في نفوس الشخصيات من هواجس وأفكار. هوية المكان يرتبط الفيلم بهوليوود بدءا من فكرته التي تغوص في ثنايا الشخصية المحورية بوبي دورفمان، الابن الأصغر لعائلة يهودية يقطن في نيويورك، ويقرر الانتقال للمعيشة في هوليوود والعمل مع خاله فيل، حيث لا يخفي انبهاره بسكرتيرته فيرونيكا، دون اهتمام بمعرفته بعيشها قصة حب أخرى غامضة مع شخص تخفي ملامح هويته وطبيعة حياته بتأني. يبرز من خلال تلك الفترة اكتساح أجواء المكان بطولة الفيلم، إذ يركز عبر أحداثه على نقل بانورامي للمكان ما يعكس الطبقة المخملية لحقبة الثلاثينيات تارة في لوس أنجلوس وتارة أخرى في نيويورك، بأسلوب خلاب يبرز ذلك الترف سواء عبر الأزياء بخياراتها العديدة وألوانها الشاحبة الثلاثينية، أو من خلال طراز السيارات والأماكن والموسيقى المنبعثة في كل مكان. وقد برع في التصوير السينمائي الإيطالي المتميز فيتوريو ستورارو باستخدامه مؤثرات بصرية وصوتية تخلب الأنظار منذ منذ استهلال الفيلم بمشهد بانورامي لحفل يطل على مسبح خارجي وأزياء متألقة لأشخاص نزقين غير مكترثين لواقع الحياة. انكشاف الوهم يؤدي انتقال بوبي للمعيشة إلى لوس أنجلوس إلى انكشاف عالم هوليوود أمام مرآه، ليكتشف حقيقة ثقافة الوهم وخلق الأحلام ليس فقط عبر تمثيل الأفلام، وإنما الواقع المعاش لذلك المجتمع المخملي. ينقل وودي ألن هم المكان الذي يشغله ويجسد نمط الحياة الهوليوودية بصخبها وذلك في حقبة الثلاثينيات، وقد سميت تلك الفترة بالعصر الذهبي لهوليوود، ووصفت مراراً بحيازتها أجواء ذات طابع نوستالجي تعزز من مدى تأثيره ثورة المؤثرات البصرية والألوان التي تسببت في تسمية العصر بالذهبي. وإن كان ذلك الجمال في التصوير لا يخفي ما يعكسه عنوان الفيلم "مقهى المجتمع" من استعراض لقشور واهتمامات العالم الهوليوودي الذي لا يعنى إلا بإظهار أمارات الثراء الفاحش والاستمتاع بحياة لا تنغصها هموم الأشخاص العاديين. هؤلاء الذين يمتلكون كل ذلك لا يملكون قدرة على التعبير اللفظي تزيد عن حوارات بسيطة تحمل بحثا مستمراً عن الحلم. إلا أن بعض العبارات المعدودة تباغت المشاهد بمدى عمقها، كقول أحد الحضور في حفل مسائي: يقول سقراط إن "الحياة غير المكتشفة لا تستحق العيش فيها. إلا أن الحياة المكتشفة لا تعتبر بمثابة صفقة رابحة هي الأخرى". #2# سحر الحب هوس بوبي بشخصية فيرونيكا أشبه بذلك التشبث بالحلم البعيد عن الواقع، وكأن في اختيار ذلك الموقف رمزية تسلط الضوء على الأحلام التي تخلقها هوليوود لمن يعيشها أو يشاهد أفلامها. وعلى الرغم من محاولته انشداه بوبي حيال العيش في هوليوود في البداية، إلا أن ذلك يختلط بنوع من الترقب الضجر لما يحدث حوله. الأمر الذي يدفعه لمحاولة إقناع محبوبته الخروج من الوسط الفني والانتقال للمعيشة في نيويورك حيث الحياة أكثر بساطة. وتظهر محاولة الهروب وكأنها دائرة مغلقة، فحتى الشخوص المتمردين على تيار البورجوازية الباحثين عن دفء البساطة وانبعاث السعادة من خلالها، تجذبهم في نهاية المطاف تلك الأجواء المترفة البعيدة عن أي عمق، حتى وإن كانت خارج أسوار المدينة التي لم يعد يستهويها. وقد نجحت كريستيان ستيوارت في أدائها لدور فيرونيكا الخروج عن العباءة التقليدية للشخصية البريئة التي تقع في فخ الخطر بنمطية عجيبة، فيما تظهر في دورها الأخير كامرأة تخفي خلف الملامح البريئة تعدداً في العلاقات وانبهاراً بأكثر من شخص والبوح بذلك دون شعور بفداحة ذلك. فيما يتناغم دورها مع شخصية بوبي التي قام بتأديتها الممثل جيسي أيزنبرج، وعلى الرغم من أن الفيلم يقودك إلى توهم كونه يمتلك زمام الأمور في حياته، إلا أنه يظهر في نهاية المطاف شخص ينقاد للظروف الحياتية وإلى سيطرة فيرونيكا على حياته. ذات الحلم وإن كان بوبي قد حاول هجر هوليوود إلا أنه يكرر عيشه لذات الحلم بصورة أو بأخرى بلا جدوى، كما يحدث حين يختار امرأة حسناء بذات الاسم فيرونيكا، وقد قامت على غير المعتاد الممثلة الشابة بلايك ليفلي بتأدية دور هامشي متألق للزوجة فيرونيكا ذات الشخصية الانهزامية التي تذعن لمحاولاته إيهام نفسه بإعادة تجربته العاطفية السابقة مع فيرونيكا.  الفيلم على الرغم من تصويره السينمائي البديع يحمل نوعاً من الرتابة وبطء الأحداث بالأخص في بدايته قبل اتضاح كامل صورة العلاقة ما بين فوني وبوبي. في الوقت ذاته الذي تظهر فيه الشخصيات مسطحة من الصعب التعاطف معها، بالأخص بسبب تقلبها في رغباتها وطموحها بدءاً بالسير ضد التيار وانتقاد الحياة الهوليوودية المترفة، وانتهاء بالالتحاق بحياة شبيهة بذلك. فيما يظهر تعدد العلاقات والخيانة والتنقل ما بينها أمراً طبيعياً دون وجود أي تبرير باستثناء الحيرة في الاختيار. وهم آخر لأول وهلة يظهر الفيلم وكأنه رحلة في البحث عن الحلم، إلا أنه يعكس واقعية مريرة وإدراك بأن هناك مواقف وأحاسيس تعاش بيأس وقناعة بعدم استمراريتها. ذلك التجسيد للاستسلام للواقع والإخفاق في الحب ومحاولة الاستفاقة من الوهم دون جدوى هو بحد ذاته ما تعبر عنه ثقافة هوليوود بشكل أو بآخر. فذلك الحلم الذي اكتسح الحياة ذات يوم سقط مقنعا بوبي بعدم فاعليته ليظل يحتل جزءا كبيراً من حياته ويثقلها بهمه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون