FINANCIAL TIMES

«الدواء الشخصي» يفجر ثورة في عالم الطب

«الدواء الشخصي» يفجر ثورة في عالم الطب

منذ فترة طويلة، عندما كنت شابا متطلبا في العشرينات من عمري، أصبت بنوبة خفيفة من الاكتئاب. بروزاك كان يذكر كثيرا في الأخبار في ذلك الحين، لذلك ذهبت إلى الطبيب لمعرفة ما إذا كان سيساعدني. لكن لم يفعل. ووصف لي دواء آخر، ومن ثم آخر. المرة الثالثة أثبتت نجاحها: لقد تعافيت، ولحسن الحظ لم أواجه هذه المسألة مرة أخرى. لكنني لم أنس الشعور بأن الطبيب النفسي كان في الأساس يتلاعب بمجموعة كيماوية مع دماغي. لم تكن لديه فكرة عن أي من الأدوية يمكن أن ينجح، وكان ببساطة يجرب جزيئا بعد آخر حتى نجح شيء. بعد عقدين من الزمن، أحصل على نظرة مقربة على نوع مختلف تماما من الأدوية، بعد تشخيص إحدى قريباتي بمرض سرطان المعدة. على الرغم من أن 65 في المائة فقط من الناس الذين يتم تشخيصهم بهذا المرض يظلون على قيد الحياة بعد خمسة أعوام، إلا أن أطباءها أخبروها أنها واحدة من المحظوظين. تبين أن أحد الأدوية كان فعالا في معالجة سلالتها النادرة نسبيا من السرطان. الدواء لا يملك فقط معدل نجاح أعلى بكثير من الأدوية المخصصة لأمراض سرطان المعدة الأخرى، لكنه أيضا يحدث آثارا جانبية أقل بكثير لأنه تم توجيه فعاليته على خلايا سرطانية محددة. لم يمض عليها سوى عام في هذه العملية، لكن حتى الآن الأمور تبدو جيدة جدا. صعود الدواء "الشخصي" أو "الموجه بدقة" يحدث ثورة في الطريقة التي يتعامل بها الأطباء وشركات الأدوية مع المرض. باستخدام تسلسل جيني، أصبح المختصون في مجال الطب الآن قادرين على فصل الناس الذين لديهم أعراض مماثلة إلى مجموعات أضيق بكثير واستهداف الأدوية. في حزيران (يونيو) الماضي، أعلن باحثون من معهد ويلكوم تراست سانجر أنهم قرروا أن الشكل الأكثر شيوعا وخطورة من سرطان الدم هو في الواقع 11 مرضا متمايزا يستجيب كل واحد منها بطريقة مختلفة جدا للعلاج. الآثار المترتبة على هذا النهج الجديد تم عرضها بالكامل في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أعلنت مجموعة الأدوية الأمريكية بريستول مايرز سكويب أن عقارها الجديد لعلاج سرطان الرئة لم يكن جيدا بما فيه الكفاية في التجارب في المراحل المتأخرة. "أوبديفو"، جزء من فئة جديدة من الأدوية التي تعزز نظام المناعة في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية، كان ينظر إليه على أنه إنجاز محتمل. لكن "بريستول مايزر" وجدت أن الدواء لم يكن أفضل من العلاج الكيماوي التقليدي في تمديد الوقت الذي يمكن أن يعيشه المريض دون أن يصبح سرطان الرئة أسوأ. هذا الإعلان تسبب في صدمة للعلماء والمستثمرين لأن دواء مماثلا للغاية يدعى كيترودا، من تصنيع شركة ميرك، كان أداؤه أفضل بكثير في النتائج التي تم إعلانها في حزيران (يونيو). الفرق يبدو أنه التخصيص. كلا الدواءين يسمى مثبط الحواجز، التي يبدو أنها تعمل بشكل أفضل ضد الأورام التي تنتج الكثير من البروتين PD-L1. "ميرك" استخدمت اختبارا تشخيصيا لحصر مرضاها في الناس الذين كان لدى أورامهم مستويات لا تقل عن 50 في المائة من البروتين الأساسي. "بريستول مايرز" اختارت مجالا أوسع: 5 في المائة من بروتين PD-L1 أو أكثر. المتطلب الأكثر صرامة منح "ميرك" سوقا محتملة أصغر، لكنها سوق كان للدواء فيها فرصة أفضل للنجاح. تلك المقامرة آتت أكلها. يجادل مؤيدو الأدوية الشخصية بأن النهج الحالي، حيث الجميع يمنح الدواء نفسه وينجح مع بعضهم لكن ليس مع الآخرين، سينظر إليه قريبا على أنه يدل على الهمجية. أحد أسباب هذا التحول هو الانخفاض السريع في تكاليف الاختبارات الجينية. تم نشر أول تسلسل جينوم بشري كامل قبل 15 عاما، لكن تكلفة تحليل الحمض النووي للفرد بقيت باهظة لأعوام. في الآونة الأخيرة، أعلنت شركة فيريتاس جينيتكس القائمة في ماساتشيوستس أنها خفضت سعر إنتاج تسلسل الجينوم الكامل إلى أقل من ألف دولار للمرة الأولى. وتسعى الشركة الناشئة "هيليكس"، القائمة في كاليفورنيا إلى خفض التكاليف أكثر من خلال إعادة صياغة الإجراءات المخبرية. هدفها هو إجراء ملايين الاختبارات سنويا وتخزين النتائج على الإنترنت، حيث الجميع يستطيع الوصول إليها واستخدامها - بإذن الزبون - كلما أمكن أن تكون المعلومات الجينية مفيدة. روبن ثورستون، الرئيس التنفيذي لـ "هيليكس"، يقول: "الفكرة هي أنه من خلال الحصول على رؤية أكثر تكاملا للحمض النووي الخاص بك، لا تحتاج إلى فعل ذلك سوى مرة واحدة. نحن نريد التسهيل على الزبائن فهم وتخصيص تجربتهم (عبر) الصحة ونمط الحياة والأنساب والتغذية واللياقة البدنية والعائلة". وتتوقع "هيليكس" عالما حيث الناس مع الجينات المتسلسلة يمكن أن يختاروا ليس فقط علاج السرطان المناسب، لكن أيضا مسكن الألم الأفضل دون وصفة طبية، وحبوب منع الحمل وحتى روتين اللياقة البدنية القائم على الحمض النووي الخاص بهم. في الحقيقة هذا النوع من نمط الحياة الذي يستند على المعلومات الوراثية ربما هو بعيد قليلا عن الواقع، ومنح وصول واسع النطاق لمعلومات الحمض النووي الفردية يثير تساؤلات عميقة بشأن الخصوصية. لكن إذا كانت "هيليكس" محقة، فإن العلاجات الهائلة التي تحصل على نتائج لائقة لملايين الناس، لكنها تثير أو تسبب آثارا جانبية معطلة للآخرين، سوف تصبح شيئا من الماضي. بدلا من ذلك، سيكون على مجموعات الأدوية تقديم مجموعة أوسع بكثير من الأدوية المصممة بشكل ضيق. والأطباء، من أطباء الأورام إلى أطباء النفس الذين يعالجون الاكتئاب، سيكونون قادرين على رعاية مرضاهم بفعالية أكثر بكثير. العلاجات من المرجح أن تكون بتكلفة أعلى - بالتأكيد كثير من الأدوية الموجهة من الجيل الأول هي كذلك - لكن الفوائد ستكون مغيرة للحياة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES