عقارات وشركات وهمية لغسل 3.5 مليار دولار

عقارات وشركات وهمية لغسل 3.5 مليار دولار
رضا عزيز (يسار) وجوي ماكفرلاند وجهو لو قبيل العرض الافتتاحي لفيلم "ذئب وول ستريت" في كانون الأول (ديسمبر) 2013. جيتي
عقارات وشركات وهمية لغسل 3.5 مليار دولار
لوريتا لينتش، المدعية العامة الأمريكية، تعلن للصحافيين أن أموالا مختلسة من صندوق التنمية الماليزي 1MDB مرت عبر المؤسسات المالية الأمريكية. ويبدو إلى يسارها أندرو مكابي، نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي”. أ.ب

في الوقت الذي كانت فيه "ويتكوف جروب" و"جينويل كابيتال" تنهيان في عام 2013 عملية شراء بقيمة 660 مليون دولار لفندق بارك لين، الذي هو عبارة عن عمارة شاهقة مكونة من 47 طابقا على طول الحافة الجنوبية لـ "سنترال بارك"، كان المصرف المموّل للقرض العقاري لديه سؤال.

مدير في "ويتكوف" أرسل بريدا إلكترونيا إلى لو تايك جهو، المعروف باسم جهو لو، المالك الماليزي لمجموعة جينويل كابيتال، كتب فيه: "نحن نقترب من النهاية مع المصرف. إنهم يطلبون تفاصيل عن المكان الذي تأتي منه الأموال من الجانب الخاص بك من الصفقة، نظراً لأنها أموال دولية. هل بإمكانك تزويدي بالتفاصيل حتى أستطيع تحويلها إلى المصرف؟".

رد لو: "مجموعة لو فاميلي كابيتال بُنيت من أجدادنا، حتى الجيل الثالث الآن. فقط جميع أفراد العائلة".

دعوى مصادرة مدنية مكونة من 136 صفحة قدّمتها وزارة العدل الأمريكية تذكر قصة مختلفة للغاية عن مصدر أموال لو، لتضعه في مركز خطة غسل أموال مزعومة أدت إلى تحويل ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار من الحكومة الماليزية. الدعوى المدنية التي لا تتهم أي شخص بارتكاب مخالفات، تتعقب بعض التعاملات الغامضة للو و"جينويل كابيتال"، صندوق الاستثمار الخاص الذي يُديره مع شقيقه، سزن، إلى صندوق مرتبط بفضيحة ماليزية.

تدعي النيابة العامة أن لو، وهو رجل معروف ذو أهمية قليلة مع أذواق باهظة، حوّل 3.5 مليار دولار من صندوق التنمية الماليزي 1 Malaysia Development Berhad (1MDB)، المملوك للدولة، للإنفاق ببذخ على شقق راقية في مانهاتن، وقصور في بيفرلي هيلز، وطائرة خاصة بقيمة 35.4 مليون دولار، و200 مليون دولار على أعمال فنية. كما تم استخدام الأموال أيضاً للدفع مقابل رحلات قمار بملايين الدولارات، ولدعم فيلم هوليوود "ذئب وول ستريت"، الذي أنتجته "رد جرانيت"، شركة إنتاج الأفلام التي يُديرها صديقه، رضا عزيز. وعزيز هذا هو ابن زوجة نجيب رزاق، رئيس وزراء ماليزيا ورئيس مجلس الإدارة الاستشاري في 1MDB.

#2#

الفضيحة الدولية هزّت ماليزيا، وأثارت تحقيقات فيما لا يقل عن ستة بلدان، وسلّطت ضوءا قاسيا على التعاملات التجارية لـ "جولدمان ساكس" في المنطقة. الدعوى التي تم تقديمها الشهر الماضي، هي مثال حي على الطريقة التي يُمكن بها استخدام شبكات من الشركات الوهمية والعقارات وأعمال فنية لإخفاء أصول مسروقة.

مزاعم السلطات الأمريكية تشير للمرة الأولى إلى أن النقود وراء "جينويل كابيتال" جاءت إلى حد كبير من الأموال المأخوذة من 1MDB. وتزعم النيابة العامة أن لو استخدام خزائن 1MDB لتمويل ما لا يقل عن ثلاثة أصول اشتراها صندوق جينويل - استثمارات في التكتل الموسيقي "إي إم آي" للنشر، وفندق ليرميتاج ذي الخمس نجوم في بيفرلي هيلز، الذي تبلغ تكلفة الإقامة فيه لليلة واحدة 759 دولارا، وفندق بارك لين الذي تم شراؤه من مجلس أمناء عائلة هلمسلي.

لو، المعروف في الداخل بأسلوب الحياة البرّاق، بقي إلى حد كبير بعيدا عن الأنظار منذ تفجر الفضيحة العام الماضي. ورفض، من خلال محاميه، طلبات إجراء مقابلة مع "فاينانشيال تايمز".

وقالت امرأة في مكتب "جينويل" في هونج كونج لمراسل "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي: "أنا لست متأكدة من مكان لو. ولست متأكدة ما إذا كان في هونج كونج أو مكان آخر".

وفي نيسان (أبريل) 2015 أخبر لو مجلة "يوروماني" أنه يتم التشهير به على نحو غير عادل. وقال: "هناك كل هؤلاء الرجال الذين يرمون سهام غضبهم عليّ. يبدو أن هناك محاولة منسّقة للغاية للقول: "هذا الرجل الصيني الشاب، كل هذا خطؤه، لقد تسبب في فشل 1MDB ويبدو أنه يُقدّم المشورة لرئيس الوزراء وقد تم إفساد كل شيء الآن".

مبادرة مكافحة الفساد في وزارة العدل الأمريكية، التي قدّمت دعوى مصادرة مدنية، تسعى لتجميد الأصول وإعادة العائدات إلى ماليزيا. وهدف الدعوى هو تعقب الأموال ومعرفة مصدرها، وليس الزعم أن هناك أي فرد فعل شيئا غير لائق.

الاحتفال في باريس

أصبح لو مُشاركا في 1MDB خلال الأيام الأولى من وجوده، وذلك وفقاً للدعوى. ووفقاً للولايات المتحدة، قدّم المشورة لمجموعة كانت تُنشئ صندوق تنمية إقليميا، هيئة تيرينجانو للاستثمار، في أوائل عام 2009. في العام نفسه، استحوذ 1MDB على هيئة تيرينجانو للاستثمار ومديرها التنفيذي تسلم الدور نفسه في صندوق 1MDB.

وعندما اجتمع مجلس إدارة 1MDB في أيلول (سبتمبر) 2009 للتوقيع على أول مشروع مشترك له، لو كان هناك. كان عمره 29 عاما في ذلك الحين. لم يكُن له دور رسمي في صندوق 1MDB لكنه كان قريباً من نجيب، رئيس الوزراء. وكان قد دخل إلى الدائرة الداخلية للعائلة بعد أن صادق عزيز، عندما كانا طالبين في هارو في لندن.

عزيز، المغرم بالأفلام، عمل مصرفيا مبتدئا قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة لمتابعة مهنة في صناعة السينما.

لو، الذي هو أصغر من عزيز، تخرّج في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا عام 2005. وانخرط في مجال العقارات الآسيوية بعد التخرّج، لكن بعد فترة قصيرة بدأ الظهور مع المشاهير في دوائر الاحتفالات الدولية. احتفل مع باريس هيلتون في الريفيرا الفرنسية، وصادق المُغنية أليشيا كيز التي نشر صورها على حساب إنستاجرام الخاص به.

بحلول عام 2009، كان لو في اجتماع مجلس إدارة صندوق1MDB عندما وافق على مشروع مشترك بقيمة مليار دولار مع شركة للخدمات النفطية. وفي العام التالي أسس لو صندوق جينويل كابيتال. وفي غضون أشهر، كما تقول الدعوى، كان لو قد أنفق الملايين على سلسلة من الصفقات في أنحاء الولايات المتحدة.

ويُزعم أن لو حوّل 700 مليون دولار من أموال شركة الخدمات النفطية إلى حساب كان يُسيطر عليه ـ وزّعها باستخدام طبقات من الشركات الوهمية. وهذه كانت الأولى من عدة عمليات لجمع المال تزعم السلطات الأمريكية أن لو استغلّها لمصلحته ولمصلحة شركائه.

وخلال تلك الفترة التقى لو بجوي ماكفارلاند، وهو مواطن من كنتاكي تجمع نشاطاته التجارية المشاهير في الفنادق ومناسبات الشركات. وقال أشخاص مُطّلعون إن لو عرّف ماكفارلاند على عزيز. ونشأت بسرعة، صداقة بين ماكفارلاند وعزيز وفي عام 2010 أسسا شركة رد جرانيت لإنتاج الأفلام.

الأعمال الخيرية

أسلوب حياة لو وطريقة إنفاقه أصبحا أكثر بذخا. وفقاً للدعوى، استخدم الأموال لدفع فاتورة بقيمة ثلاثة ملايين دولار لصائغ من هونج كونج، واشترى طائرة "بومباردييه" بمبلغ 35.4 مليون دولار. وأنفق 23.9 مليون دولار على شقة فوق السطح مع شرفة في بارك لوريل، منطقة المباني الشاهقة في مانهاتن ـ باعها في وقت لاحق إلى عزيز مقابل 35.5 مليون دولار.

ودفع 17.5 مليون دولار مقابل قصر مساحته 1070 مترا مربعا في بيفرلي هيلز، باعه أيضاً إلى عزيز. العقار الذي يضم بركة سباحة بطول 37 مترا مع هرم ذهبي في أحد أطرافها، تم هدمه جزئياً وسط نزاع قانوني فوضوي.

واشترى قصرا ثانيا في بيفرلي هيلز بسعر 38.9 مليون دولار، وفقا للشكوى، ودفع مبلغا آخر يساوي 30 مليون دولار، تم تمريره من خلال حساب باسم والده، لشراء شقة في مركز تايم وورنر في مانهاتن.

في الوقت نفسه تقريبا، بدأ لو استخدام 1MDB لتمويل جينويل، بما في ذلك عملية شراء ليرميتاج بقيمة 46 مليون دولار في بيفرلي هيلز. ويُزعَم أنه استخدم أموال 1MDB لدفع ثمن حصة جينويل البالغة 106.6 مليون دولار في شركة إي إم آي للنشر الموسيقي، كجزء من ائتلاف تقوده سوني.
وطوال هذه الفترة كان لو يظهر، وفقا لصديق عمل معه، شخصا متواضعا. "كان ذلك الشخص اللطيف والخجول نوعا ما، الذي كان يبدو وكأنه في مكان غير مناسب. كان يبدو وكأنه يشبه مصرفي استثماري مبتدئ".

مع ذلك، واصل لو استمتاعه بالحياة رفيعة المستوى. يقول الصديق: "قبل سنوات قليلة، كانت مناسبة عيد ميلاده. اتصل بي ليرى إن كنت أريد حضور حفلا بهذه المناسبة في لاس فيجاس". وعرض إرسال عدة طائرات خاصة لإحضار الصديق وزملائه من أماكن مختلفة إلى عاصمة القمار.

وبعد ذعر من الإصابة بمرض السرطان في عام 2012، شرع لو في تنفيذ عدد من المساعي الخيرية. أطلق "مؤسسة جينويل" وكرس مبلغ 50 مليون دولار لمركز إم دي أندرسون للسرطان التابع لجامعة تكساس، الذي شخص إصابته بالتهاب، وليس السرطان. وقال "إم دي أندرسون" إنه تلقي الجزء الأكبر من المبلغ الذي تم التعهد به.

وفي عام 2012 احتاج مشروع 1MDB إلى رأسمال إضافي ولجأ إلى مصرف جولدمان ساكس للمساعدة في جمع 3.5 مليار دولار من السندات، مع تخصيص العائدات للاستحواذ على شركات للكهرباء. لكن يزعم نحو 40 في المائة، أو ما يعادل 1.36 مليار دولار، تم تحويلها إلى حساب باسم شركة آبار- بي في آي، كانت واقعة تحت سيطرة لو. وورد أن مديريها هما خادم عبدالله القبيسي، الذي كان مديرا إداريا لـ "شركة الاستثمارات البترولية الدولية"، وهي أداة استثمار في أبو ظبي، ومحمد بدوي الحسيني، الرئيس التنفيذي لشركة آبار للاستثمارات، وهي فرع لشركة الاستثمارات البترولية.

ورغم الأسماء المتشابهة، تقول السلطات الأمريكية لا يوجد أي ارتباط بين شركة آبار و"آبار بي في آي". وتقول شركة آبار أيضا إنه لا توجد أي صلة ما بين الحسابات. وفي تموز (يوليو) 2012، أمضى لو سبعة أيام وهو يلعب القمار في فندق The Venetian، وفقا للشكوى الأمريكية. وخلال تلك الفترة، في 15 تموز (يوليو)، سحب لو بحسب السلطات، أكثر من مليون دولار للمقامرة مع عزيز، وماكفارلاند، والممثل ليوناردو دي كابريو، نجم فيلم "ذئب وول ستريت". وعرّف لو دي كابريو على عزيز.

وتم استخدام حساب "آبار-بي في آي" لتحويل 238 مليون دولار لـ "رِد جرانيت كابيتال"، وهي شركة تابعة إلى "بي في آي"، تزعم السلطات أن عزيز استخدمها لشراء عقارات لا تقل قيمتها عن 94 مليون دولار في مانهاتن وبيفرلي هيلز ولندن. وذهب نحو 64 مليون دولار إلى شركة رِد جرانيت بيكشرس وفيلم "ذئب وول ستريت". تقول السلطات الأمريكية إن مدير أعمال عزيز قدم رسالة إلى شركة المحاسبة الضريبية التي يتعامل معها، يذكر فيها أن مبلغ 94 مليون دولار هو هدية من الحسيني باسم شركة آبار للاستثمارات. وقال محام لحساب الحسيني لصحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي إن الاستثمار تم تشغيله من خلال "أموال شخصية خاصة".

وجاء العرض الأول للفيلم في يوم عيد الميلاد عام 2013. وفي العرض الأول في زيجفيلد في مدينة نيويورك، وقف عزيز أمام المصورين لالتقاط صور له مع لو وماكفارلاند. وعندما فاز ديكابريو بجائزة "جولدن جلوب" لأفضل ممثل في الربيع التالي، تقدم بالشكر إلى "جوي، ورضا، وجهو". وكان لو قد تلقى أيضا "شكرا خاصا" في قائمة الأسماء التي تأتي في خاتمة الفيلم.

في اجتماع مع "فاينانشيال تايمز" عام 2014، قال عزيز وماكفارلاند إنهما قدما تمويلا للفيلم باستخدام الإعفاءات الضريبية والتمويل المقدم من شركة "مستثمري الشرق الأوسط". ورفضا التعليق على مصدر ثروة عزيز.

"وبحسب علم رِد جرانيت، لم يكن أي من التمويلات التي حصلت عليها قبل أربعة أعوام بأي حال من الأحوال غير شرعية، وليس هناك أي شيء في الدعوى المدنية يزعم أن شركة رد جرانيت كانت تعلم ما هو خلاف لذلك. وتواصل رد جرانيت التعاون وبشكل تام مع الاستفسارات كافة وهي على ثقة بأنه عندما تظهر الحقائق، سيتضح أن رضا عزيز ورد جرانيت لم يرتكبا أي خطأ"، بحسب ما قالت في بيان لها.

ويُزعَم أن الأموال التي كانت تمتلكها "آبار- بي في آي" انتقلت إلى شركات وهمية أخرى قبل أن يجري تحويلها ونقلها إلى حسابات تعود إلى الحسيني والقبيسي ونجيب. وتم فصل الحسيني والقبيسي من "شركة الاستثمارات البترولية" و"آبار" العام الماضي.

تذوق الفنون الجميلة

في آذار (مارس) 2013، استعان مشروع 1MDB بـ "جولدمان ساكس" مرة أخرى لضمان عرض سندات بقيمة ثلاثة مليارات دولار من أجل مشروع مشترك مع شركة آبار. وتدعي السلطات الأمريكية أن أكثر من 1.26 مليار دولار تم توجيهها إلى حساب باسم "تانور للتمويل"، التي يسيطر عليها إيريك تان، وهو شريك ماليزي للو.

وتدعي السلطات الأمريكية أن تان كان يعمل واجهة للو، وأنه أسس حسابا لدى شركة كريستيز للمزادات في العام 2013 لشراء تحف فنية بقيمة 137 مليون دولار، تشتمل على أعمال لفان جوخ وروثكو. وبحلول عام 2014 سعى لو لتوسيع نطاق شركته. وأرسل بريدا إلكترونيا لممثل عن شركة إس إن إس للفنون الجميلة، يطلب فيه المساعدة في ترتيب تمويل ويقول: "لدي ما يقارب 350 مليون دولار أمريكي وأبحث عن دعم بمقدار 50 في المائة لأتمكن من شراء المزيد. السرعة هي الأمر الأهم، وتتميز العملية بأنها سريعة نسبيا وتتم بشكل مريح من حيث معرفة العميل".

حصل لو على قرض بقيمة 107 ملايين دولار من شركة سوذبي للخدمات المالية، باستخدام لوحات فان جوخ ضمانة إضافية. وبعد مضي شهرين اشترى لوحة للفنان مونيه بمبلغ 57.5 مليون دولار.

وفي الشهر الماضي اتخذت الولايات المتحدة إجراءات لمصادرة لوحة فان جوخ. كذلك أصبحت القصور والفنادق والحصة في شركة إي إن آي للموسيقى والعائدات المستقبلية لفيلم "ذئب وول ستريت" هي أيضا جزءا من إجراءات المصادرة.

في الوقت نفسه، ذكرت تقارير أنه سيتم تأجيل خطط "بارك لين" للتحول إلى فنادق فخمة. في 20 أيار (مايو)، أرسل ويتكوف إلى لو رسالة قصيرة أخرى، وفقا للسلطات الأمريكية. هذه المرة تم إبلاغ لو بأن "جينويل" لم تفلح في تنفيذ آخر عملية لجمع رأس المال. ووقع صندوق لو في حالة إعسار.

الأكثر قراءة