FINANCIAL TIMES

بروز ترامب وكوربين عرَض لمرض حقيقي أصاب الديمقراطية

بروز ترامب وكوربين عرَض لمرض حقيقي أصاب الديمقراطية

دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الطامح للفوز برئاسة الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

حزبان من الأحزاب السياسية الكبيرة في الغرب، أصبحا على وشك الانهيار، هما الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وحزب العمال في المملكة المتحدة. وهذا بدوره يهدد سلامة الديمقراطية على جانبي الأطلسي. الأزمات في الحزبين الجمهوري والعمالي متشابهة بصورة مدهشة. ففي كلتا الحالتين ظهر قائد من هامش السياسة وذهب بالحزب إلى اتجاه مختلف وراديكالي. إن ظهور دونالد ترامب وجيرمي كوربين يهدد آمال الناخبين في حزبيهما، ويزرع بذور الانقسام والفوضى الأيدولوجية في صفوفهما لفترة طويلة في المستقبل. وحتى لو لم ينجح كل من ترامب وكوربين في شق طريقهما نحو البيت الأبيض، أو 10 داونينج ستريت، فإن مجرد صعودهما يعد مدمراً أيضاً للنظام السياسي ككل. تحتاج الديمقراطية الفاعلة إلى معارضة موثوقة لضمان محاسبة الحكومة. لكن ما نراه في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة هو أن تلك الوظيفة الأساسية لم يعد يجري تطبيقها بطريقة مناسبة. في بريطانيا يحتاج التحدي المرتبط بمفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى معارضة يقظة ومسؤولة. وقد نجحت الحكومة التي ترأسها تيريزا ماي، حتى الآن، في الاستحواذ على سمعة الكفاءة، وكان من أسباب ذلك الفوضى التي تعم حزب العمال. وعلى الرغم من مرور شهرين على تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يمكننا أن نرى سوى علامات صغيرة جداً تشير إلى أن حكومة ماي ليست لديها أي فكرة عن كيفية التعامل مع هذه المسألة. إن مجرد تكرار عبارة "خروج بريطانيا يعني خروج بريطانيا"، ليس بديلا عن وجود خطة استراتيجية. لو كانت هناك معارضة ذات كفاءة في بريطانيا لكانت الآن تهاجم حكومة ماي من جميع الجبهات. ولكانت قد أبرزت الاقتتال الدائر حاليا بين الوزراء المكلفين بالتفاوض لأجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكانت أيضا قد وجهت انتقادات شديدة لرئيسة الوزراء لفشلها في الإفصاح عن أولوياتها حول قضايا أساسية، مثل مقايضة الهجرة بقضية الدخول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. لكن حزب العمال، الذي يتزعمه كوربين، فشل في عمل أي شيء من هذا. ربما كان السبب هو أن كوربين في الواقع مساند سراً لمسألة خروج بريطانيا. أو ربما السبب في ذلك هو ببساطة عدم الكفاءة. وفي كلتا الحالتين، يمكن القول إن حزب العمال، فشل في القيام بواجبه. أما في الولايات المتحدة فالوضع ينذر بكارثة أكبر. إن فكرة ترامب عن الديمقراطية هي الاستفادة من أي نظرية مؤامرة مجنونة تدور في الإنترنت، أو يجري الحديث عنها في البرامج الإذاعية. حملته مهووسة جداً برسم صورة لهيلاري كلينتون والديمقراطيين على أنهم "منحرفون"، إلى درجة أن الحملة أخفقت في إبراز المشاكل الحقيقية التي ساءت وتعفنت تحت إدارة الرئيس أوباما. ومن ضمن هذه المشاكل الكارثة التي تتكشف فصولها في سورية، والقلق من أن الاقتصاد الأمريكي أصبح مدمناً على السياسات النقدية المتساهلة فوق الحد. مثل هذه القضايا، في ظل ديمقراطية فعالة بشكل جيد، من شأنها أن تكون في صلب الانتخابات الرئاسية. لكن الحال يشير إلى أن هذه القضايا ضاعت في خضم سلسلة لا تنتهي من الخلافات التي أوجدتها حملة ترامب. أوجه التشابه بين ظاهرة كوربين وترامب مخفية تحت غطاء اختلافات مضحكة تقريباً بين الرجلين. كوربين، مثلا، يصر على أنه "لا يهاجم" الأفراد من الناحية الشخصية، لكن ترامب تقريبا لا يفعل شيئاً غير ذلك. والزعيم العمالي يقضي أغلب وقته في بيته في حديقته الخاصة، بينما البيئة الطبيعية لترامب هي شقته الفاخرة في ناطحة سحاب عالية. وكوربين ينتمي إلى اليسار المتطرف، بينما ترامب ينتمي إلى اليمين المتطرف. وكوربين عالمي المبدأ، بينما ترامب قومي المبدأ. لكن وعلى الرغم من هذه الاختلافات نجد أن الزعيمين يشتركان في كثير من الأشياء. مثلاً كلاهما سياسيان مناوئان للنظام السياسي. وكلاهما يسيطر على حزبه عن طريق تعبئة مجموعات جديدة من النشطاء والناخبين. كما أن نشطاء كل من ترامب وكوربين يمقتون الحرس القديم، وغالباً ما تحتوي طريقتاهما في الكلام على مشاعر خفية عنيفة. ويشتهر كل من كوربين وترامب بتعاطفهما مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبشكوكهما حول حلف الناتو. كما يبدو أن هناك مجموعات هامشية في حركتي كوربين وترامب مصابة بمعاداة السامية، الأمر الذي ربما يعكس الشكوك التقليدية التي يحملها اليسار المتطرف واليمين المتطرف من أن "النظام السياسي" يسيطر عليه اليهود. وتشير أوجه التشابه بين الحركتين إلى أن الانقسامات التقليدية بين اليسار واليمين لم تعد الطريقة المثلى لفهم السياسات الأنجلو ـ أمريكية. بدلاً منذ ذلك، بدأنا نشهد السياسة الجديدة وقد تحولت إلى مواجهات بين مؤسسة الدولة وأحزاب مناوئة للنظام السياسي. كما يمكن رؤية النمط نفسه في كثير من بلدان أوروبا الغربية، مثلما نشاهد في صعود الأحزاب المناوئة للنظام السياسي، مثل حركة النجوم الخمسة في إيطاليا، والجبهة الوطنية الفرنسية، وحركة بوديموس في إسبانيا، وحزب "البديل لألمانيا". بعض هذه الحركات يمكن وصفه باليمين المتطرف وبعضها الآخر باليسار المتطرف. والخاصية التي تشترك فيها تقريباً هي ادعاؤها أن النظام السياسي "تم التلاعب به"، وأن الناس العاديين مداس عليهم من قبل النخب. وفي السياسة الخارجية يغلب عليها أن تكون مؤيدة لروسيا. بالنظر إلى كارثة حرب العراق والأزمة المالية العالمية، مع ما رافقهما من ركود في المستويات المعيشية، لن يكون من المستغرب رؤية الناخبين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وهم يبحثون عن المزيد من البدائل الراديكالية. ولكن قادة الراديكالية الجديدة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة هم مع الأسف من القادة الذين تنقصهم الأفكار البناءة، هذا إذا لم نعتبر سياسات الحمائية وتدمير حلف الناتو هما مفاتيح الدخول إلى المستقبل. وبدلاً من أن يقدم كوربين وترامب أفكارا خلاقة جديدة، نجدهما نجحا في إعادة تدوير بعض الأفكار السيئة القديمة، مثل سيطرة الدولة على الاقتصاد في حالة كوربين، والعزلة تحت شعار "أمريكا أولاً" في حالة ترامب. ربما لا يحصل هذان الشخصان على سلطة حقيقية أبداً، لكن مجرد بروزهما إلى مرتبة مرموقة هو علامة على مرض حقيقي في الديمقراطيتين البريطانية والأمريكية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES