تراجع استثمارات الصناديق السيادية العالمية 57 %

تراجع استثمارات الصناديق السيادية العالمية 57 %

تتربع إمارة أبوظبي على رأس قائمة الصناديق السيادية الخليجية والعربية عبر هيئة استثمار أبوظبي بأصول تراوح بين 589و 773 مليار دولار.

سواء كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة أم سيئة، فإن الصناديق السيادية تحتل مكانا بارزا ضمن المؤسسات المالية للدول المالكة لها، التي تعول عليها بشدة خاصة في لحظات الأزمة. فعند اليسر وتحسن الأوضاع الاقتصادية، تتدخل الصناديق السيادية، وتقوم باستثمارات كثيفة للاستفادة من فترات الانتعاش للعمل على زيادة القيمة الإجمالية لأصولها المالية، أما في لحظات العسر فإن الدول المالكة لتلك الصناديق تعول على ما في خزائنها من أصول مالية للاستفادة منها، ومد يد المساعدة لمساندتها أو حتى إنقاذ مالكيها من زيادة عسرتهم المالية. لكن الصناديق السيادية التي مهمتها الأساسية مساندة الدول المالكة لها، تبدو الآن في أوضاع مضطربة وفي حاجة للمساندة. فمعدل الاستثمار الحالي لتلك الصناديق أقل من أي وقت مضى خلال السنوات الخمس الماضية. ومن ثم شبكة الضمان أو الائتمان التي اعتادت أن تمثله باتت محل تساؤل. ويعتبر ديفيد بريستون الباحث الاقتصادي أن هذا الوضع تتجاوز خطورته تأثيره السلبي في الدول المالكة لتلك الصناديق ليمتد إلى الأسواق العالمية والاقتصاد الكوني. وقال بريستون لـ"الاقتصادية": "إجمالي أصول الصناديق السيادية حول العالم 7.2 ترليون دولار، وذلك وفقا لتقديرات مؤسسة الصناديق السيادية، التي تقوم بمتابعة ودراسة التطورات الجارية لتلك الصناديق. وتلك الأصول هي ضعف ما كانت تمتلكه الصناديق السيادية عام 2007، وبذلك هي أكثر ثراء إذا جاز التعبير أو بصورة أدق تدير أصولا مالية أكبر مما لدى صناديق التحوط وصناديق الأسهم الخاصة معا، وذلك وفقا لتقديرات بنك مورجان ستانلي، وتقريبا 60 في المائة من تلك الصناديق السيادية تعتمد في أصولها على تصدير النفط والغاز وأخيرا دخلت بعض البلدان الإفريقية. وأضاف "مع تزايد ثراء الاقتصادات الناشئة، فإن عديدا منها لجأت لتأسيس صناديق سيادية، وثلاثة أرباع أصول الصناديق السيادية حول العالم تعود لاقتصادات ناشئة، وأغلب تلك الصناديق تعود ملكيتها لبلدان شرق أوسطية وتحديدا في منطقة الخليج العربي تليها بلدان آسيوية ثم إفريقيا". وتابع: "هنا تبدأ المشكلة، ففي أوقات الأزمات ومع انسحاب المستثمرين، فإن الصناديق السيادية تساند الاقتصاد الدولي عبر ضخ المليارات في الأسواق لشراء أصول، ما يمنح الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي زخما ويمنعهما من الانهيار، ولكن الدراسات الأخيرة تؤكد أن استثمارات تلك الصناديق تراجعت، أي أن ما تضخه من أموال في النظام المالي العالمي والاقتصاد الحقيقي تراجع، وهناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي هذا إلى زعزعة الأسواق، خاصة إذا حدثت أزمة مالية أخرى، في ظل تراجع معدل النمو في الصين". الدكتورة تريسي كيربي أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة لندن تعتبر أن هناك تراجعا في دور الصناديق السيادية كشبكة أمان. وأوضحت كيربي أسباب ذلك لـ "الاقتصادية"، قائلة:" في عام 2008 بلغ حجم استثمارات الصناديق السيادية حول العالم 112 مليار دولار لكنها انخفضت العام الماضي بما يقارب 57 في المائة ولم تتجاوز استثماراتها الكلية 48 مليار دولار، والسبب في ذلك أن تلك الصناديق تعتمد على ضخ أموال من حكوماتها نتيجة الفوائض المالية الناجمة عن بيع السلع الأولية والمواد الخام أو النفط والغاز مثلا. الآن تلك البلدان ونتيجة لتراجع أسعار النفط انخفضت مساهماتها المالية في تلك الصناديق، كما قامت بسحب المليارات منها لموازنة العجز في الميزانية وتغطية الإنفاق العام". وتضيف: ولذلك العنوان الذي احتل الصفحات الرئيسة لوسائل الإعلام خلال أزمة عام 2008 بأن الصناديق السيادية قادمة لإنقاذ الاقتصاد الدولي، مشكوك أن يحدث الآن. لكن التغيير الراهن في الصناديق السيادية لا يقف عند تراجع معدلات استثماراتها، وإنما ترافق ذلك مع تغير في أنماطها الاستثمارية، وتفضيلها للاستثمار في الأسواق الرأسمالية عالية التطور، وفي المجالات الاستثمارية الأقل مخاطرة ومن ثم أقل ربحية، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن 57 في المائة من إجمالي استثمارات الصناديق السيادية حول العالم خلال العام الماضي تركز على الاستثمارات الآمنة مثل الفنادق والعقارات، بينما لن تتجاوز تلك النسبة 15.5 في المائة عام 2008 وتحديدا قبل شهر أكتوبر تاريخ بدء الأزمة المالية العالمية. ومع غياب اليقين في وضع الاقتصاد العالمي، فإن الصناديق السيادية تعمل على تقليص أعمالها في مجال إدارة الاستثمار أي في مجالات كالأسهم والسندات، وخلال العام الماضي أعادت توزيع استثماراتها بسحب 46.5 مليار دولار من إدارة الاستثمار إلى مجالات استثمارية أخرى. وفي هذا السياق أعرب عديد من الخبراء عن قناعتهم بأن تراوح أسعار النفط بين 30 و 40 دولارا للبرميل سيدفع الصناديق السيادية إلى التخلص من نحو 404 مليارات سهم من الأسهم المملوكة لديها، لتتراجع حصتها من الأسهم الدولية إلى 2.64 ترليون سهم هذا العام مقابل 3.04 ترليون سهم العام الماضي. ويعتقد البعض أن إحدى نقاط الضعف الرئيسة التي تحيط بعمل الصناديق السيادية ينجم بالأساس من طبيعتها الحكومية، فهي لا تسلك في كثير من الأحيان السلوك التقليدي للمستثمرين أو المؤسسات الاستثمارية التقليدية، التي يحكمها فقط العائد والربحية، فكون قرارات الصناديق تخضع في نهاية المطاف للقرارات الحكومية، فربما يدفعها ذلك للاستثمار في مجالات ترتبط بأهداف دبلوماسية أو تنمية اقتصادية دون أن ينجم منها عائد مالي كبير. وأرجع الدكتور طوني كاست أستاذ الاقتصاد الجزئي في جامعة كامبريدج صعوبة تحليل القدرات المالية الحقيقية للصناديق السيادية إلى ما يصفه بالطبيعة السرية لعمل معظمها إن لم يكن كل تلك الصناديق. وقال لـ "الاقتصادية": "التنبؤ بالسلوك الاقتصادي للصناديق الاقتصادية تنتابه في كثير من الأحيان صعوبة، لأنها غالبا لا تكشف عن حقيقة وضعها المالي وتفاصيل أنماط استثماراتها باعتبارها من الأسرار الاقتصادية للدولة". وتشير بعض التقارير الاقتصادية التي صدرت أخيرا إلى أن أكبر الصناديق السيادية في العالم هو الصندوق الاستثماري للنرويج ويبلغ إجمالي أصوله المالية 890 مليار دولار، إلا أنه عانى خسائر ملموسة أخيرا، إذ من بين أربعة فصول محاسبية طالت الخسارة ثلاثة منها، وتواكب تعرضه للخسارة مع قيام الحكومة النرويجية، ولأول مرة في تاريخ الصندوق إلى السحب منه 10 مليارات دولار في محاولة لاستعادة توازن الميزانية المفقود نتيجة انخفاض أسعار النفط. ويشير معهد الصناديق السيادية إلى أن من بين 79 صندوقا مسجلا لديه هناك 20 صندوقا عربيا ما يجعل من فكرة الصناديق السيادية فكرة شرق أوسطية بامتياز. ويعتبر الصندوق السيادي الإيراني أكثر الصناديق الشرق أوسطية هزالة، إذ لا يتجاوز رصيده 62 مليار دولار، وقد جرى تأسيسه عام 2001، وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن أن الحكومة الإيرانية مدت الصندوق في شهر مارس الماضي بـ 20 في المائة من عوائدها النفطية. وتمتلك إمارة أبوظبي عددا من الصناديق السيادية من بينها شركة التطوير مبادلة التي تعد إحدى أدوات أبوظبي لتنويع القاعدة الاقتصادية، وذلك عبر جذب الشركات الدولية وتنمية وتطوير المهارات المحلية وإيجاد الوظائف، وفي نهاية العام الماضي بلغت أصول المبادلة 67 مليار دولار، يدخل في هذا الإطار أيضا شركة الاستثمارات البترولية الدولية التابعة لأبوظبي، وكما هو واضح من الاسم فإنها أسست من أجل الاستثمار في مجال النفط، وبالفعل تمتلك أنصبة ملموسة في شركات نفط أسترالية ويابانية، ووفقا لآخر بيان لها فإن أصولها بلغت 68 مليار دولار. يضاف إلى قائمة الصناديق السيادية في أبو ظبي مجلس أبو ظبي للاستثمار بأصوله التي تراوح بين 90 و 110 مليارات دولار، وأسس عام 2007. بالنسبة للسعودية فإن صندوق الاستثمارات العامة بلغ رأسماله 160 مليار دولار، ويتوقع أن يؤدي اكتمال برنامج الرؤية الطموح لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى ضخ نحو ترليوني دولار للصندوق، ليكون بذلك أكبر صندوق سيادي في التاريخ وليمتلك 3 في المائة من الأسهم المتداولة عبر العالم. وبينما يبلغ رأسمال مؤسسة دبي للاستثمار 183 مليار دولار، فإن رأسمال جهاز قطر للاستثمار يراوح بين 256 و 304 مليار دولار، إلا أن وسائل إعلام دولية أشارت إلى أن قطر تعرضت لخسارة نحو 12 مليار دولار نتيجة تراجع قيمة بعض استثماراتها الدولية. وتأتي الهيئة العامة للاستثمار في الكويت في مقدمة صناديق الاستثمار الخليجية بقيمة بين 548 و 592 مليار دولار لتعود السعودية مجددا وتحتل المرتبة الثانية كأكبر صندوق سيادي خليجي وأحد أكبر الصناديق السيادية حول العالم عبر "ساما" بـ 612 مليار دولار، وتتربع إمارة أبوظبي على رأس قائمة الصناديق السيادية الخليجية والعربية عبر هيئة استثمار أبو ظبي بأصول تراوح قيمتها بين 589 و 773 مليار دولار.
إنشرها

أضف تعليق