العالم

الإقليم العربي .. «صندوق بريد» تتبادل عبره قوى العالم رسائلها

الإقليم العربي .. «صندوق بريد» تتبادل عبره قوى العالم رسائلها

انطفاء الحرب في مكان معين، لا يعني بالضرورة، سوى اشتعال فتيلها في أمكنة أخرى.

تاريخيا عُرفت القارة الإفريقية "54 دولة" بكونها أرض النزاعات المسلحة والحروب الأهلية والصراعات الإثنية، إذ لا يضع نزاع أوزاره حتى تبدأ حرب ضروس جديدة، تأتي على الأخضر واليابس في قارة تتنازعها ويلات الجفاف وموجات المجاعات والأمراض ومختلف الأوبئة الفتاكة. في النصف الأخير من القرن الماضي؛ وبالأخص عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت إفريقيا مسرحا لثلاث موجات كبرى من النزاعات المسلحة التي يتسع مداها أو يضيق، بحسب الفاعلين المحليين المشاركين فيها، والأطراف الإقليمية الداعمة لها، والقوى الأجنبية المتدخلة بشكل مباشر أو غير مباشر فيها. ويمكن الحديث في هذا الصدد عن: ـ حروب حركات التحرير: أعقبت الحرب العالمية الثانية، وكانت بغاية محددة تنحصر في إجلاء المستعمر عن الأقطار الإفريقية، وحظيت بدعم قادة مؤتمر باندونج المنعقد في إندونيسيا في نيسان (أبريل) 1955 النواة الأولى لحركة عدم الانحياز. وقد امتدت هذه الحروب حتى منتصف السبعينيات، لكنها بقيت مطبوعة بمحدودية الأفق، وانخفاض التكلفة البشرية والمادية. ـ حروب بين الدول: امتدت طيلة عقدي السبعينات والثمانينات، وامتزج فيها الصراع بين الدول الإفريقية، جنبا إلى جنب مع الحروب الأهلية التي انتشرت على نطاق واسع. وكانت النماذج الأبرز عن النوع الأول حرب الأوغادين؛ بين الصومال وإثيوبيا "1977-1978" بدعم من كوبا والاتحاد السوفياتي واليمن الجنوبي، وكذا الحرب التنزانية - الأوغندية "1978-1979" بمساندة وتمويل من الجماهيرية الليبية. ـ موجة الصراعات الأهلية: بدأت مع انتهاء الحرب الباردة، واتسمت الصراعات في معظمها بالطابع الأهلي؛ إذ أضحت هذه الحروب النمط الأكثر شيوعاً في القارة السمراء، بما تضمنته من حالات تطهير عرقي "بروندي"، ومذابح جماعية "رواندا". وبلغ مدى هذه الموجة حدا عرفت معه ثلث الدول الإفريقية نزاعا مسلحا "الحرب الأهلية الصومالية، النزاع الإريتري، الكونغو الديمقراطية، ونيجيريا...". أفضى كل هذا إلى انهيار تلك البقية الباقية مما يدعى "الدولة" في إفريقيا، وتقويض أي حلم بإقامتها مجددا. ممزوج بمنسوب زائد لظاهرة الصراع السياسي، واتساع نطاق ثقافة العنف في المجتمعات الإفريقية. مع بروز ظاهرتي اللاجئين وتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، وغيرها من الأزمات التي جعلت هذه القارة الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية عالة على نفسها، فمعظم بلدانها تعيش على الكفاف والمساعدات الدولية. يذهب الباحث الإنجليزي بول د وليامز Paul D Williams؛ المتخصص في الشأن الإفريقي، - ومدير برنامج دراسات السياسات الأمنية في بريطانيا -، في كتابه الأكاديمي الذي جمع فيه حذاقة التنظير وخبرة سابر لأغوار إفريقيا، الموسوم بعنوان "الحرب والصراع في إفريقيا"War and Conflict in Africa الصادر عام 2012، وقبل أربع سنوات لاري دايموند Larry Diamond في كتابه "روح الديمقراطية الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة"The spirit of democracy: The struggle to build free societies throughout the world إلى أن بداية الألفية الثالثة شهدت اتجاها نحو الانتصار لقيم الديمقراطية في مقابل انحصار الحروب والعنف في القارة السمراء. وهو ما يظهر جليا، بوأد نزاعات مسلحة ممتدة في إفريقيا جمهورية الكونغو الديمقراطية "2003|، الصومال "2012"، جمهورية إفريقيا الوسطى "2013"...، فالشعوب والساسة الأفارقة على حد سواء، مع تسجيل دور نوعي ومميز للاتحاد الإفريقي بهذا الصدد، أيقنوا يقينا مطلقا أن استمرار الحروب والصراعات التي هم وقودها لا تفضي في المحصلة إلا إلى تحويلهم إلى جزء من تاريخ هذه القارة. غير أن التاريخ علمنا أن انطفاء الحرب في مكان معين، لا يعني بالضرورة، سوى اشتعال فتيلها في أمكنة أخرى. وهذا ما يتأكد بمرور الوقت، إذ أصحاب شركات صناعة الأسلحة على الصعيد العالمي ممن يستفيدون من دوران رحاها الطاحنة لن يقر لهم قرار في عالم بلا حروب. هذا الافتراض يثبته واقعنا الراهن يوما بعد آخر، فويلات الحرب انتقلت من أعماق إفريقيا لتتناثر في رقع شتى من الوطن العربي بدءا من العراق فلبنان مرورا بسورية وصولا إلى اليمن وليبيا. نعم لقد تحولت دول في إقليمنا العربي إلى صندوق بريد من خلالها تتبادل القوى الكبرى في العالم رسائلها بشكل غير مباشر. فكل طرف يحشد أنصاره محليا في هذا البلد أو ذاك، ويرعاهم بالعدة والعتاد في الذخيرة والسلاح. هكذا كان حال أطراف النزاع في إفريقيا بخلفيات دينية أو عرقية أو قبلية... لعقود من الزمن، يتجه العرب لتكرار فيه أكثر من دولة "العراق، سورية، وليبيا..." بالاستقواء بالخارج من أجل معركة لا رابح فيها سوى حرب استنزاف طويلة الأمد تقضي على ما بقي من وطنية أو شعور بالانتماء عند هذا الطرف أو ذاك. يضاف إلى ما مضى تكاثر للفطريات من سلالة "داعش" و"القاعدة" ومن على هديهم ليأتوا على ما فضل من صراعات الوكلاء المحليين للقوى الأجنبية، موحدين جهودهم لمزيد من الحرائق في منطقة أشبه ما تكون ببركان يغلي داخليا، يوشك أن تتداعى حمم على الجميع مشعلة نيران الحروب فيما بقي من مناطق آمنة في الإقليم العربي. يحدث كل هذا في وقت لا نكاد نسمع رِكزا لجامعة الدول العربية، التي إن لم تتحرك في مثل هذه اللحظات الحرجة والمواقف الحساسة، فمتى سيحين موعد تحركها؟ خصوصا أن دولا عربية بادرت بإطلاق وقيادة مبادرات "عاصفة الحزم"، "التحالف ضد الإرهاب..." للتصدي لحرب الاستنزاف التي تغرق وتتهدد المنطقة العربية برمتها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم