العالم

اللوبي العربي في واشنطن .. صراع على التمثيل يفقده المصداقية‮

اللوبي العربي في واشنطن .. صراع على التمثيل يفقده المصداقية‮

اللوبي العربي لم يتمكن من تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل، أو دفع واشنطن للضغط لتجميد الاستيطان.

اللوبي العربي في واشنطن .. صراع على التمثيل يفقده المصداقية‮

تتسم أغلب جهود جماعات الضغط العربية بالطابع التكتيكي المؤقت الذي يركز على قضية واحدة.

على الرغم من تعدد الأطروحات حول التأثير الطاغي لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لم تحظ جماعات الضغط العربية بالقدر ذاته من الاهتمام الأكاديمي،‮ ‬وهو ما قد يرجع إلي تفاوت تأثيرها في السياسة الأمريكية، وعدم امتلاكها قواعد جماهيرية متماسكة داعمة لنفوذها‮. ‬وفي هذا الصدد، يمكن عدّ‮ ‬كتاب دانيا قليلات الخطيب،‮ ‬المعنون‮ "‬اللوبي العربي والولايات المتحدة‮: ‬عوامل النجاح والفشل‮"‬،‮ ‬الصادر هذا العام‮‬2016‮ ‬،‮ ‬الذي استعرضته مجلة السياسة الدولية في عددها الأخير، إحدى أهم الأطروحات البحثية التي تناولت أسباب افتقاد اللوبي العربي فاعلية التأثير في السياسة الأمريكية بالمقارنة بجماعات الضغط الأعلى الناشطة داخل الولايات المتحدة الأمريكية‮.‬ جدل أكاديمي أضحت جماعات الضغط العربية مثار جدل واسع النطاق داخل الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة مع التوسع في أدوار الهيئات والجمعيات التي تعبر عن مصالح الجاليات العربية في الولايات المتحدة،‮ ‬على‮ ‬غرار الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين، وشبكة الأمريكيين العرب، ومعهد الأمريكيين العرب، وجمعية خريجي الجامعات العربية الأمريكية، واللجنة العربية الأمريكية لمناهضة التمييز، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‮‬2001،‮ ‬التي فرضت على الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية ضرورة الدفاع عن مصالحهم في مواجهة الضغوط المتصاعدة سياسيا ومجتمعيا‮.‬ #2# وفي هذا الإطار، تعددت الكتابات التي تناولت جماعات الضغط العربية،‮ ‬التي تصدرتها دراسة يوسي شاهين في عام‮ ‬1996‮ ‬ بعنوان‮ "‬العرب الأمريكيون في مفترق الطرق‮". ‬وقد تناولت الدراسة الانقسام في صفوف الجاليات العربية داخل الولايات المتحدة،‮ ‬عقب الغزو العراقي للكويت عام‮1991،‮ ‬وافتقاد مؤسسات وهيئات فاعلة في التأثير في السياسة الأمريكية. وتكاد تنطبق مقولة ستيفن والت في مقاله في دورية السياسة الخارجية في ديسمبر‮ ‬2010 ‬على أطروحة‮ ‬مايكل بارد‮‬، حينما أشار إلي أن‮ "‬اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة يحاول إضفاء طابع خرافي على تأثير جماعات الضغط العربية لتبرير ضغوطه على الإدارات الأمريكية المتعاقبة‮"‬،‮ ‬مؤكدا أن اللوبي العربي لم يتمكن من تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل، أو دفع الولايات المتحدة إلى الضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان، أو تقديم تنازلات جدية تمثل تحولا في مسار عملية التسوية‮. ‬وهو ما يعني ضمنا أن دوره‮ ‬غير مؤثر في السياسة الأمريكية بالشكل الذي يصوره الكاتب. إخفاق اللوبي العربي يبدأ كتاب دانيا الخطيب من تساؤل جوهري،‮ ‬مفاده‮: ‬لماذا أخفق اللوبي العربي في الولايات المتحدة مقارنة بجماعات الضغط الأعلى الأكثر تأثيرا في السياسة الأمريكية؟ واعتمدت الباحثة في هذا الصدد على مقابلات متعددة استمرت خلال الفترة بين عامي‮ ‬2012‮ ‬و2013،‮ ‬وتضمنت مشاركة عدد من الناشطين في جماعات الضغط العربية،‮ ‬والأكاديميين،‮ ‬والصحفيين العرب الأمريكيين، إلا أنها ركزت تحديدا على اللوبي الداعم لمصالح دول الخليج العربي في الولايات المتحدة الأمريكية‮. ‬وتوصلت الدراسة إلي أن محدودية تأثير هذا اللوبي ترتبط بعدة عوامل،‮ ‬يتمثل أهمها فيما يأتي‮:‬ ‬ضعف القواعد الشعبية ‮فعلى الرغم من ضخ موارد مالية ضخمة في أنشطة جماعات الضغط الداعمة، فإن هذه الجماعات تفتقد وجود قواعد شعبية داعمة لنشاطها داخل الولايات المتحدة،‮ ‬نتيجة الانفصال بين جماعات الضغط العربية والجاليات العربية في الولايات المتحدة،‮ مقارنة باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الذي يستند إلى دعم الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة،‮ ‬ويعبر عن مصالحها‮.‬ ويرتبط ذلك بتفكك روابط الهوية والانتماء التي تربط الجاليات العربية بجماعات الضغط المختلفة التي لا تعبر سوي عن المنتمين إلى هذه الجاليات، إضافة إلى ضعف مستويات رأس المال الاجتماعي الذي يربط الجاليات العربية بجماعات الضغط، إذ لا تقدم هذه الجماعات أي خدمات اجتماعية واقتصادية إلى الجاليات العربية،‮ ‬وهو ما يؤدي إلى عدم تمتعها بالدعم الجماهيري اللازم لتعزيز تأثيرها في السياسة الأمريكية،‮ ‬فضلا عن وجود صراعات بين المؤسسات والهيئات العربية في الولايات المتحدة،‮ ‬وتنازعها على تمثيل الجاليات العربية،‮ ‬ما يزيد من افتقادها المصداقية‮.‬ ‬إغفال الارتباط بالمصالح الداخلية الأمريكية‮ تركز جماعات الضغط العربية على قضايا السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬مثل القضية الفلسطينية،‮ ‬وصفقات التسلح،‮ ‬والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الدول العربية‮.‬ إلا أن فاعلية جماعات الضغط لتحقيق المصالح العربية في هذه القضايا ترتبط بتحويلها لمصالح داخلية أمريكية تهم الموطن الأمريكي‮.‬  وفي السياق ذاته، يرتبط ضعف تأثير جماعات الضغط العربية المدافعة عن مصالح دول الخليج العربي بتركيزها على التأثير المحدود في مراكز صنع القرار،‮ ‬خاصة الإدارة الأمريكية،‮ ‬وإغفال التأثير في الرأي العام الأمريكي،‮ ‬ووسائل الإعلام،‮ ‬ومراكز الفكر والرأي،‮ ‬والكونجرس الأمريكي، حيث إن التعددية التي تتسم بها عملية صنع القرار الأمريكي تتطلب مراجعة سياسات الضغط المركزية التي تتبعها هذه الجماعات‮.‬ ‬افتقاد استراتيجية شاملة‮ تتسم أغلب جهود جماعات الضغط العربية بالطابع التكتيكي المؤقت الذي يركز على قضية واحدة،‮ ‬أو تحقيق مصلحة بعينها دون وجود استراتيجية شاملة لإدارة حملات الضغط بصورة مستدامة لتحقيق المصالح العربية بصورة مستمرة‮. ‬ولا ينفصل ذلك عن‮ ‬غياب التنسيق فيما بين جماعات الضغط العربية التابعة لدول مختلفة، وتضارب جهودها،‮ ‬وتعارضها،‮ ‬ما يضعف من تأثيرها‮. ‬كما يؤدي افتقاد نهج جماعي في التفاوض إلى ضعف إدراك صناع القرار الأمريكيين للمصالح العربية التي تدافع عنها هذه الجماعات، وتوصيات السياسات التي ترغب في تمريرها لتحقيق هذه المصالح‮.‬ ‬غياب الرواية الداعمة‮ يفتقد اللوبي العربي داخل الولايات المتحدة الأمريكية رواية واسعة الانتشار تدعم دور جماعات الضغط، وتروج لصورة إيجابية عن العرب في الولايات المتحدة، والارتباط الوثيق بين الرؤى والسياسات التي تروج لها جماعات الضغط العربية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط‮. ‬في المقابل،‮ ‬تمكنت مؤسسات اللوبي الإسرائيلي من الترويج لرواية واسعة الانتشار حول أن إسرائيل هي‮ "‬الدولة الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط التي ترعى المصالح الأمريكية في المنطقة، وتواجه النيات العدائية من دول الجوار‮" ‬وفق الرواية الإسرائيلية‮. ‬ويرتبط ذلك بحملات إعلامية ضخمة تنظمها مؤسسات اللوبي الإسرائيلي التي تدعمها المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة ماليا ولوجيستيا‮.‬ كما تواجه جماعات الضغط العربية عوامل ضاغطة، مثل‮: ‬الصور النمطية السلبية عن العرب والمسلمين السائدة في الولايات المتحدة، والحملات الإعلامية والسياسية العدائية التي تصاعدت بقوة منذ أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر، بالتوازي مع ضعف الحملات الإعلامية العربية في الولايات المتحدة، وعدم قدرتها على التصدي للصور السلبية المنتشرة في المجتمع الأمريكي،‮ ‬لأنها لا تركز على الاستثمار في وسائل الإعلام والمراكز البحثية التي يمكنها الترويج للرؤى والسياسات الداعمة لمصالحها‮.‬ ‬أزمات الثقة المتبادلة‮ تؤثر حالة فقدان الثقة بين الدول العربية،‮ ‬وصدام تطلعات الريادة فيما بينها في فاعلية جماعات الضغط العربية في الولايات المتحدة،‮ ‬نتيجة التعارض في أنشطتها،‮ ‬والتنافس فيما بينها لتحقيق مصالح الدول الممولة لها،‮ ‬على الرغم من توافق أغلب مصالح هذه الدول في علاقاتها مع الولايات المتحدة‮. ‬وتستدل الكاتبة على ذلك بتعارض المصالح بين دول الخليج العربي حول جماعة الإخوان المسلمين،‮ ‬والتحولات السياسية في مصر عقب وصولهم السلطة‮.‬ وفي السياق ذاته، يوجد وجه آخر لأزمات الثقة،‮ ‬يتمثل في الصورة الذهنية السلبية عن الدول العربية لدى الرأي العام الأمريكي،‮ ‬وهو ما يحد من حملات التسويق السياسي التي تقوم بها جماعات الضغط،‮ ‬على الرغم من استعانة بعض الدول بشركات علاقات عامة واسعة الانتشار، ولديها أدوات متعددة للتأثير في السياسة الأمريكية‮. ‬في المقابل،‮ ‬فإن تحسب الدول العربية لاحتمالات تدخل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية يدفعها إلى تحجيم علاقاتها بها، إضافة إلي المخاوف من إثارة الرأي العام الداخلي في الدول العربية ضد التقارب مع الولايات المتحدة،‮ ‬وهو ما يؤثر سلبا في فاعلية جماعات الضغط العربية‮.‬ وفي المجمل، يصل الكاتب إلى أنه لا يتوقع أن تتمكن جماعات الضغط التابعة للدول العربية المختلفة من تعزيز تأثيرها في السياسة الأمريكية،‮ ‬في ظل افتقاد الثقة المتبادلة،‮ ‬والتماسك،‮ ‬والتنسيق فيما بينها، وافتقادها القواعد الشعبية الداعمة لتأثيرها، فضلا عن تحولات السياسة الأمريكية التي باتت تتسم بالتركيز على حسابات التكلفة،‮ ‬والعائد،‮ ‬والتشارك في التكلفة بين الحلفاء في مواجهة التهديدات المشتركة، والإحجام عن التدخل العسكري في بؤر الصراعات التي يراها الرأي العام الأمريكي بعيدة عن المصالح الأمريكية، وتجنب الانخراط في القضايا المعقدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي توجهات من المرجح أن تستمر على الأقل حتي انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد في نوفمبر‮ ‬‭‬2016.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم