طوال سبعة عقود ماضية، ظل عبدالفتاح أبو مدين في الساحة الإعلامية والثقافية السعودية اسما حاضرا وفاعلا، استحق عليه بالتالي التكريم الذي ناله من ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز البارحة الأولى، ليطوق هذا التكريم سيرة طويلة من العمل الصحافي والثقافي الناجح لابن المدينة المنورة الذي ترعرع في جدة وبها مد جسوره.
بدأ عبدالفتاح أبو مدين سيرته مع الصحافة منتصف القرن الماضي (في الخمسينيات والستينيات الميلادية) فيما كان يعرف حينها بصوت الحجاز التي تحولت لاحقا إلى صحيفة البلاد، وهي الصحيفة السعودية الأولى آنذاك، إضافة إلى "الندوة" و"أم القرى" التي تحولت أولاهما إلى شكل جديد واسم جديد هو صحيفة مكة، فيما ظلت الثانية الصوت الرسمي للحكومة السعودية أو ما صار يعرف بالجريدة الرسمية.
قاد أبو مدين هيئة تحرير صحيفة البلاد (صوت الحجاز) لمدة سبع سنوات، وأسهمت سياساته- بحسب التقارير حينها- في "الخروج بالمؤسسة الصحافية العريقة من المديونية إلى الربحية بفائض ضخم"، وفي تجربة تالية تؤكد القدرة الإدارية والخبرة الإعلامية عند أبو مدين، حيث رأس تحرير المحلق الأسبوعي لصحيفة عكاظ، واستطاع عبر هذا الملحق أن ينافس العدد اليومي المدعوم ماليا للصحيفة الأكبر في المنطقة الغربية.
بعد التجربة الصحافية الثرية، أصر ابن المدينة المنورة على أن يكون- إلى جانب كونه رائدا في الصحافة- أحد رواد العمل المؤسسي الثقافي؛ إذ شغل منصب رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة، وشهد النادي في عهده (1980 - 2006)، نشاطات وإسهامات ثقافية متنوعة، وإليه ينسب الفضل في صياغة سياسات النادي المرتبطة بالمجتمع وتنويع منتجاته وأدواره من إقامة محاضرات وندوات ومؤتمرات، وأعمال مطبوعة ودوريات متخصصة وترجمة.
#2#
وإلى جانب الإبداع في العمل الإعلامي والثقافي الجماعي عند أبو مدين حاول الصحافي العتيد أن يسجل إبداعاته هذه المرة بشكل شخصي بعد أن تفرغ من العمل المؤسساتي مع كثير من المؤسسات الإعلامية الكبيرة والصغيرة، حيث أسهم في إصدار عدد من الدوريات الشهيرة على مستوى العالم العربي، كجذور الخاصة بنقد التراث العربي، ونوافذ الخاصة بالترجمة للأعمال الأدبية العالمية، وعلامات للنقد الثقافي والأدبي، والراوي، وعبقر، كما أسس مجلة الرائد الثقافية، وفي عهده تم تأسيس كيان (ملتقى النص) التابع للنادي الأدبي والثقافي بجدة، وجماعة (حوار)، غير أن الميول الأدبية ظلت تبارح هذا الإعلامي المثقف ليؤلف عددا من الكتب في النقد والدراسات الأدبية والقراءات التأملية والسير الذاتية.
ويقدم أبو مدين الذي يستمتع اليوم بحياته الخاصة وبالتفرغ لميوله الأدبية عديدا من المؤلفات للمكتبة العربية من بينها أمواج وأثباج (نقد أدبي)، وفي معترك الحياة (دراسات أدبية)، وتلك الأيام (تجربة صحافية)، إضافة إلى كتابه "حمزة شحاتة ظلمه عصره" (قراءات تأملية) وحكاية الفتى مفتاح (سيرة ذاتية).
وكان الناقد عبد الله الغذامي قد امتدح تجربة أبو مدين بالقول: "سنسجل لعبدالفتاح أبومدين هذا الدور الفاعل الحقيقي في تفعيل الثقافة وفي تحريكها وفي جعل العمل الثقافي يتحول إلى إنتاج فعلي".


