أخبار اقتصادية

تباطؤ النمو في منطقة اليورو يثير قلق مستثمري العالم

تباطؤ النمو في منطقة اليورو يثير قلق مستثمري العالم

بطالة منطقة اليورو تعد الأعلى بين الدول الرأسمالية عالية التطور.

تبدو أنباء مواصلة اقتصاد منطقة اليورو - الذي يضم 19 دولة أوروبية - النمو أنباء جيدة بالنسبة إلى أوروبا والاقتصاد العالمي، لكن الأمر المثير لعدم الارتياح وقلق المستثمرين حول العالم هو أن معدل النمو بطيء وأقل من المتوقع، والأكثر إزعاجا أن النمو الضعيف ترافق مع معدلات بطالة مرتفعة تعد من الأعلى بين البلدان الرأسمالية عالية التطور. وتشير أول إحصاءات يتم الإعلان عنها منذ الاستفتاء البريطاني وتصويت الناخبين لمصلحة الانسحاب من النادي الأوروبي، إلى أن معدل النمو في منطقة اليورو خلال النصف الثاني من العام الحالي، أي قبل الاستفتاء البريطاني بلغ 0.3 في المائة. وتعد هذه النسبة أقل من المتوقع، بل ولم تجاوز نصف معدل النمو المحقق في الربع الأول من العام الحالي البالغ 0.6 في المائة، وإذا كان معدل التضخم قد تحرك إلى الأعلى بشكل طفيف، وقفز من 0.1 في المائة إلى 0.2 في المائة، فإن البطالة مثلت مشكلة جوهرية لبلدان منطقة اليورو إذ بلغت 10.1 في المائة الشهر الماضي، وأصبح التساؤل المطروح الآن في الأوساط الأوروبية هو من يتحمل المسؤولية؟ ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب براندلي أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة ليدز، "إنه يصعب أن يتحمل اقتصاد بمفردة مسؤولية هذا الوضع"، ولكن لا شك أن الأداء السيئ للغاية للاقتصاد الفرنسي أسهم بشكل كبير في صياغة تلك الصورة الرديئة اقتصاديا لمنطقة اليورو. ويضيف براندلي أن معدل نمو الاقتصاد الفرنسي خلال الربع الثاني من هذا العام بلغ صفر في المائة مقابل 0.7 في المائة في الربع الأول، والسبب في هذا المعدل المرتفع نسبيا كان عمليات شراء تذاكر بطولة الأمم الأوروبية وانتعاش قطاع الفنادق والشقق السكانية نتيجة استئجار السائحين في هذا القطاع الحيوي، وبالطبع فإن هذا العامل اختفى في الربع الثاني إضافة إلى انخفاض إنفاق الفرنسيين على الطعام، ولا شك أن هذا الوضع قد يؤدي إلى انخفاض معدل نمو الاقتصاد الفرنسي هذا العام إلى 1.5 في المائة، وهو ما سيكون سيئا لكل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. لكن قصور نمو الاقتصاد الأوروبي لا يمكن إلقاء المسؤولية فيه على فرنسا بمفردها، فالنمسا لم تكن أحسن حالا من فرنسا، إذا بلغ معدل النمو "صفر" في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي مقابل 0.6 في المائة خلال الربع الأول. ولا يزال الاقتصاد الألماني بكل ما يعتريه من مصاعب وتحديات يمثل القاطرة التي تجذب اقتصاد منطقة اليورو وأوروبا، وعلى الرغم من حصولها على بعض المساندة من إسبانيا التي نما اقتصادها بنحو 0.7 في المائة خلال الربع الثاني من هذا العام، فإن المختصين البريطانيين يحذرون من عاملين بشأن علاقة ألمانيا بمنطقة اليورو مستقبلا. وأوضح لـ "الاقتصادية"، سي ك تشارلتون الباحث الاقتصادي، أن مواصلة منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي الاعتماد على الاقتصاد الألماني لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، سيزيد حدة الإجهاد الاقتصادي لألمانيا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التكلفة الاقتصادية لدمج أكثر من مليون مهاجر في الاقتصاد الوطني، وهذا الإجهاد الاقتصادي في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية في الصين الشريك التجاري الأبرز لألمانيا خارج الاتحاد الأوروبي، يضيق الخناق على الاقتصاد الألماني بشأن البدائل التي يمكن اللجوء إليها لضمان الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مرتفعة. وأشار تشارلتون إلى أن معدل النمو الألماني يتوقع أن ينخفض خلال الربع الثالث من هذا العام، جراء التداعيات الاقتصادية لقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، متوقعا أن يشهد الربع الثالث والأخير من هذا العام أوضاعا اقتصادية غير جيدة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. ويرجح عديد من المختصين الاقتصاديين أن تدفع تلك المخاوف بالبنك المركزي الأوروبي إلى مواصلة سياسية التيسير الكمي الراهنة، إلا أن الخلاف يدور حاليا حول أي من جوانب سياسة التيسير الكمي سيكون العمود الفقري للمرحلة المقبلة، فبينما يطالب بعض بمزيد من الخفض في أسعار الفائدة، فان آخرين يعتقدون أن نجاح سياسة التيسير الكمي الأوروبية سيرتبط أكثر بقيام المصرف الأوروبي بشراء السندات. ويرى بيتر ماكس الاستشاري المصرفي في مجموعة "نيت ويست" المصرفية أنه من الصعب مواصلة تخفيض سعر الفائدة الأوروبي باعتباره حجر الزاوية في سياسة التيسير الكمي الراهنة في منطقة اليورو، فسعر الفائدة الأوروبي سلبي وأقل من الصفر، ومع ذلك لم يحدث تغير حقيقي في قابلية رجال الأعمال الأوروبيين على انتهاز تلك الفرصة وزيادة حجم استثماراتهم، كما أن "اختبار الإجهاد" للمصارف الأوروبية سيكشف عن حجم الضغوط التي يتعرض لها النظام المصرفي الإيطالي، وإذا ما أصيب النظام المصرفي الإيطالي بالانهيار، فإنه سيأخذ النظام المصرفي الأوروبي معه بالكامل إلى وضع لا يمكن لأحد التنبؤ بأبعاده، ولهذا أتوقع أن يرفع ماريو دراجي محافظ البنك المركزي الأوروبي قيمة سياسة التيسير الكمي من 80 مليار يورو إلى 100 مليار يورو. من جهته، توقع كارين وارد من lمصرف "إتش إس بي سي" أن يبقى النمو في النصف الثاني من العام معتدلا على الأرجح، معتبرا أنه قد يتأثر بنتائج تصويت البريطانيين مع الخروج من الاتحاد إلى جانب الهجمات الأخيرة في فرنسا وألمانيا، أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، فيما يرى فاندن هوت المحلل الاقتصادي أن النبأ السار هو أن اقتصاد منطقة اليورو ما زال يعمل بوتيرة ما وإن كنا لا نستطيع أن نتوقع تسارعا طالما أن مسلسل خروج بريطانيا من الاتحاد ما زال يثير شكوكا حول تأثيراته. وبالعودة إلى الأرقام المعلنة، فقد بقيت البطالة مستقرة في حزيران (يونيو) في منطقة اليورو كما كانت في أيار (مايو) عند 10.1 في المائة وهو أدنى مستوى يسجل منذ تموز (يوليو) 2011، ويتطابق هذا الرقم مع توقعات المحللين لكنه أكبر بكثير من المعدل الذي كان مسجلا قبل الأزمة في منطقة اليورو التي بدأت في 2008، وبين 1999 و2007 كان معدل نسبة البطالة يبلغ 8.8 في المائة. ولكن لا تزال تسجل فروقات بين الدول التي تبنت العملة الموحدة، فقد سجل أدنى مستوى للبطالة في حزيران (يونيو) في مالطا مع 4 في المائة وفي ألمانيا مع 4.2 في المائة، أما أعلى مستويات البطالة فسجلت في اليونان مع 23.3 في المائة في نيسان (أبريل) وهو الرقم الأخير المتوافر، إسبانيا مع 19.9 في المائة وسجلت فرنسا أداء أفضل من معدل منطقة اليورو بمجمله مع 9.9 في المائة. ويبقى الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما الأكثر تضررا في الدول الـ 19، ففي حزيران (يونيو) بلغت نسبة العاطلين عن العمل من هؤلاء الشباب 20.8 في المائة مقابل 20.9 في المائة في أيار (مايو)، أما التضخم في منطقة اليورو فقد تسارع في تموز (يوليو) إذ إن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.2 في المائة على أمد عام بعد ارتفاع نسبته 0.1 في المائة في الشهر الماضى، وفق تقديرات أولية تفوق تقديرات المحللين الذين كانوا يتوقعون 0.1 في المائة. وهذه الأرقام التي تأثرت بأسعار النفط المنخفضة، تعتبر بعيدة جدا عن الهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي لتضخم يبلغ نحو 2 في المائة وهو مستوى يعد مفيدا للنشاط الاقتصادي، ويواجه البنك المركزي الأوروبي حاليا صعوبة في إنعاش أسعار الاستهلاك في منطقة اليورو على الرغم من الإجراءات التي اتخذت منذ عامين، ويمكننا أن نتصور أن الضغط يتعزز على مؤسسة فرانكفورت لتتخذ إجراءات إضافية، خصوصا إذا سجل النمو الاقتصادي مزيدا من التباطؤ.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية