العالم

بنسبة كبيرة .. «الذئاب المنفردة» أشخاص لفظهم المجتمع

بنسبة كبيرة .. «الذئاب المنفردة» أشخاص لفظهم المجتمع

غالبا ما يتعرض "الذئب المنفرد" لحزمة من الأزمات والصراعات الاجتماعية بشكل متصاعد، تؤدي إلى جنوحه نحو التطرف.

في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شنتها "الذئاب المنفردة" في أوروبا والولايات المتحدة، ثارت التساؤلات حول أسباب نشوء الظاهرة ودوافع مواطنين يقدمون على ممارسة العنف المنفرد ضد مجتمعاتهم، فضلا عن ملامحهم الشخصية والنفسية. وفي هذا السياق، تأتي أهمية دراسة غربية حملت عنوان "ظاهرة الذئب المنفرد: تقييم الملفات الشخصية الحالية Understanding the lone wolf terror phenomena: assessing current profiles، حيث استعرضت الجهود النظرية المبذولة لفهم هذه الظاهرة، مع التطبيق على ثلاث حالات عملية لذئاب منفردة، أمكن من خلالها وضع استنتاجات وخلاصات نظرية. وأجرى الدراسة كل من أورلاندري دانزل وليساندرا مونتانيز من جامعة ميرسي هيرست، ونشرت في دورية Behavioral Science of Terrorism and Political Aggression في سبتمبر 2015. حدود انتشار الظاهرة طرحت الدراسة التي استعرضها الباحث محمد محمود السيد مجموعة من المؤشرات على تصاعد ظاهرة الذئاب المنفرد، إذ أشارت إلى أن هجمات هؤلاء الذئاب آخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة وفي عديد من الديمقراطيات الأوروبية الغربية مثل: المملكة المتحدة، وألمانيا، وهي الدول التي شهدت 198 هجمة إرهابية نفذها الذئاب المنفردة، في الفترة من 1970 إلى عام 2000. كما أوضحت أن هجمات الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة قد زادت بنسبة 45 في المائة، فهي الدولة الأكثر استهدافا في الفترة من 1990 حتى 2013، بنحو 46 عملية، بنسبة 63 في المائة من إجمالي العمليات على مستوى العالم. وتوضح الدراسة أن الجدل الحالي بين العلماء وصانعي القرار حول ظاهرة الذئاب المنفردة، يشير إلى أنها لم تصبح تهديدا أمنيّا هائلا فحسب، ولكنها باتت تفرض مزيدا من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات، مما دفع الباحثين والمحللين إلى بذل مزيدٍ من الجهود النظرية للكشف عن أنماط الأفراد المعرضين للتحول إلى ذئاب منفردة، وبالتالي المساهمة في ظاهرة الإرهاب العالمية. ومع مراجعة الأدبيات السابقة في هذا الشأن، نجد أن هناك خلافات كبيرة حول الأسس التي يمكن الحكم من خلالها على أي هجوم إرهابي، بأنه من تنفيذ "ذئب منفرد"، ففي إحدى الدراسات التي ظهرت أخيرا، يشير العلماء إلى أن ظاهرة الذئب المنفرد جاءت نتيجة تصورات من وسائل الإعلام والجهات الفاعلة السياسية الراديكالية، وليس لها أساس في العلوم الاجتماعية أو المصطلحات القانونية، بينما هناك دراسة أخرى أكدت أن الهجمات التي يقوم بها مهاجمون منفردون يُفضّل أن تُسمى "الكلاب الضالة" لأنها تُظهر مستوى متدنيا في التنظيم والتنفيذ. المعايير والاقترابات المفسرة بالطبع هناك فقر نظري في دراسة وتحليل ظاهرة "الذئب المنفرد"، وقد حاولت دراسة كل من دانزل ومونتانيز تقديم ملخص للاقترابات الثلاثة المحددة لمعايير تحديد هذه الظاهرة وتفسيرها. أولا: الاقتراب التعريفي: هو أحد الاقترابات الذي يوفر أطرا نظرية مفيدة لتحديد العناصر الرئيسية لظاهرة الذئب المنفرد، حيث حدد أحد هذه الأطر ثلاثة معايير لازمة لإطلاق مسمى "الذئب المنفرد" على العمل الإرهابي، وهي: أن تتم بشكل فردي، وألا ينتمي مُنفذ العملية لتنظيم إرهابي، وأن يتم التخطيط للعملية دون تدخل أي عناصر خارجية أو قيادات هيراركية. أمّا معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، فقد سلّط الضوء على عدة مبادئ أساسية في تعريف ظاهرة "الذئب المنفرد"، وهي - أن يكون هناك تمييز واضح بين الذئب المنفرد والعمليات الإرهابية التقليدية، فعلى الرغم من أن الذئب المنفرد يمكن أن يحصل على دعم أحد التنظيمات الإرهابية الكبيرة، إلا أنه لا يتلقى دعما ماديا مباشرا من هذا التنظيم، ويعمل وحيدا. - أن من ينفذ العملية الإرهابية يجب أن يكون شخصا منفردا، وليس اثنين أو شبكة صغيرة. - قد يكون الذئب المنفرد متعاطفا مع جماعة إرهابية ما، أو ينتمي إلى نفس أيديولوجية هذه الجماعة، ولكن لا يجب أن يكون جزءا من هيكلها التنظيمي. ثانيًا: الاقتراب المعياري: يتضاءل حجم الأدبيات التي باتت تستخدم القصور العقلي كمدخل وحيد لتفسير ظاهرة الذئب المنفرد. وقد حاول عدد محدود من العلماء وضع عدة نماذج تفسيرية لفهم هذه الظاهرة من أكثر من منظور. إحدى هذه المحاولات تمثّلت في تصنيف الذئب المنفرد إلى خمس فئات: (العلماني، غريب الأطوار، المتدين، ذو القضية الواحدة، المجرم الجنائي). وهذه التصنيفات غالبا ما تُساعد على تفسير سلوك الذئاب المنفردة بشكل أفضل، فالعلماني غالبا ما تكون تحركاته دفاعا عن قضية سياسية أو قومية أو إثنية. أمّا غريب الأطوار فهو غالبا ما ينتصر لقضية ما، ولكن لدوافع شخصية أو اضطرابات نفسية. والمتدين هو من يتحدث باسم الدين، كالعنصريين البيض والنازيين الجُدد بحسب وجهة نظر الدراسة. أمّا ذو القضية الواحدة فكافة تحركاته تصبُّ في سبيل مناصرة قضية واحدة تدخل في دائرة انتماءاته أو اهتماماته. وأخيرا، ما زال هناك من يمارس الإرهاب في سبيل كسب الأموال "المجرم الجنائي". تصنيف آخر وضع أربعة أبعاد أساسية لظاهرة الذئب المنفرد؛ أولا: التطرف، وهو أحد الأبعاد التي اتفق جميع العلماء على أنها جزء أساسي في هذه الظاهرة، والاختلاف الوحيد في هذا البعد هو كيفية تطور التطرف، عن طريق التنشئة الاجتماعية أم عن طريق عوامل ذاتية. ثانيا: العوامل المُحفّزة، ويتراوح هذا البعد بين الإرهابي الأناني الذي يضع نفسه في مكانة أسمى من القضية ذاتها، والإرهابي الذي ينكر ذاته ويضحي بنفسه في سبيل القضية. ثالثا: شكل العمل الإرهابي، وهنا يجب التمييز بين الحدث الإرهابي الواحد والأحداث التسلسلية، وهذه الأحداث إمّا أن تكون فوضوية أو وظيفية، وهو الأمر الذي لا يُمكن استنتاجه إلا عقب وقوع الحادث. رابعا: درجة المخاطرة المقبولة من جانب الإرهابي، فهناك من يبحث عن المخاطرة، وهناك من ينفر منها قدر الإمكان. ثالثا: اقتراب التطرف: يُعتبر أقل الاقترابات تطورا بين العلماء فيما يتعلق بظاهرة الذئب المنفرد، ولكنه اقتراب واعد، قد يحمل في طياته الكثير لتطوير دراسة هذه الظاهرة، ويعّرف بأنه: "عملية شخصية، يتبنى الفرد خلالها مُثُلا وتطلعات سياسية أو اجتماعية أو دينية متطرفة، ويسعى لتحقيق أهداف هذه التطلعات من خلال استخدام العنف العشوائي". وبشكل عام، فإن عملية التطرف هي "مسار نفسي، إذا توافرت الظروف المناسبة لها، يمكن أن تلحق بأي شخص أو جماعة أو أمة". وبالنسبة للآليات التي يمكن أن تؤجج التطرف الفردي؛ فإنها تتلخص في المظلمة الشخصية، أو المظلمة الجماعية. وخلافا للإرهابيين التقليديين، فإن الذئاب المنفردة تجمع في كثير من الأحيان بين الثأر الشخصي والمظالم الدينية أو السياسية الجماعية، فهما معا يُشكلان دافعا قويّا لتحدي السلطة الحاكمة، مع ملاحظة أن معظم عمليات الذئاب المنفردة تحمل تحديا للسلطات السياسية. وفي المحصلة، نجد أن هدف الذئب المنفرد لا يتمثل فقط في تحقيق العدالة (معاقبة المُخطئ)، ولكنه يسعى إلى الانتقام (أن يقوم هو بمعاقبة المُخطئ). استنتاجات أساسية من خلال تحليل الحالات الثلاث السابقة، أمكن إثبات أنه من الصعب وضع أنماط ثابتة للذئاب المنفردة، لأن هذا قد يجعلنا نغفل عن عدد كبير من الإرهابيين قيد التشكيل، كما أن هذا التنميط مقياس أُحادي لظاهرة الذئاب المنفردة، بينما أثبتت دراسات الحالة أنها ظاهرة متعددة الأبعاد. وقد مالت دراسة دانزل ومونتانيز في خلاصتها إلى اقتراب Internal Pack Conflict Theory قد يكون الأكثر فائدة ودقة في التعامل مع ظاهرة الذئاب المنفردة، حيث تفيد هذه النظرية بأنه بغض النظر عن نشأة الفرد (الذئب المنفرد) الاجتماعية (منعزل / اجتماعي)، فإنه غالبا ما يتعرض لحزمة من الأزمات والصراعات الاجتماعية على مدار حياته بشكل متصاعد، تؤدي إلى جنوحه نحو التطرف، فبنسبة كبيرة، الذئاب المنفردة هم أشخاص لفظهم المجتمع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم