العالم

«هوس الاقتداء بالمجرمين».. سلاح جديد بيد الإرهاب

«هوس الاقتداء بالمجرمين».. سلاح جديد بيد الإرهاب

مسلمون من الجالية الألمانية يشاركون في التأبين والدعاء لضحايا حادثة ميونيخ.

«هوس الاقتداء بالمجرمين».. سلاح جديد بيد الإرهاب

لماذا ؟ كتبت بالألمانية تنديدا واستهجانا لحادثة ميونيخ الأخيرة.

مرة أخرى يهتز الاتحاد الأوروبي، وتحديدا مدينة ميونيخ ثالث أكبر المدن الألمانية وعاصمة الإقليم البافاري في الجنوب، ليس على وقع "الإرهاب" هذه المرة، وإنما جراء "اعتداء" فقط. نعم بهذه البساطة والسهولة؛ وبلا أي أساس منطقي، انقلبت لغة التخاطب في وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية ما بين ليلة الجمعة وصباح يوم السبت الماضيين. بعدما تأكد لها أن الجاني؛ حديث الالتحاق بالديانة المسيحية قادما إليها من التشيع، مجرد مختل عقلي من متابعي وقائع القتل الجماعي، وأحد المعجبين بقتلة مشهورين عالميا. إذ بدأت هستيريا الشجب والإدانة بمجرد وقوع الحادثة، وفي ظل غياب معلومات وافية وتفاصيل دقيقة عنها. معلنة استمرار تلك الحملة الشعواء على الأجانب في ألمانيا التي تجددت بعد أحداث نيس (ليلة الجمعة ما قبل الماضي)، ثم تزايدت بعد قيام شخص مسلح بمهاجمة أكثر من 20 شخصا مستخدما فأساً صغيرة داخل قطار، في منطقة فورتسبورج جنوب ألمانيا، وهو طالب لجوء أفغاني في السابعة عشرة من عمره، وقد تبنّى تنظيم "داعش" الهجوم، معلناً أن المنفذ أحد عناصره. كل ذلك أنعش صفوف قوى اليمين الألماني، وبالأخص حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحركة "بيغيدا" ومعهما كل متطرفي اليمين الأوروبي في الساعات التي تلت تلك المجزرة، معتبرين الأمر مجرد تحصيل حاصل قياسا إلى سياسة الهجرة واللاجئين التي تتبناها برلين، وتحت بقية دول الاتحاد الأوروبي على نهجها. #2# قبل أن تضع تصريحات رجال الأمن حدا لكل التأويلات، مؤكدة أن الأمر يتعلق بالشاب ديفيد علي سنبولي (18 عاماً)، ألماني من أصول إيرانية يعاني مشاكل نفسية، أقدم على إطلاق نار عشوائي على مركز للتسوق مساء الجمعة، مما أودى بحياة تسعة أشخاص معظمهم من الشبان، وخلف 27 جريحا قبل أن ينتحر. تُعيد واقعة ميونيخ – وقبلها أحداث خلت - بلا شك إلى واجهة الأحداث والنقاش في القارة العجوز سؤالين إشكاليين طالما قضَّا مضجع الساسة والمسوؤلين هناك؛ على مدار السنوات إن لم نقل العقود الأخيرة. يتعلق الأول بمسألة الأمن في الدول الأوروبية ومن خلاله الأمن القومي لثاني قوة اقتصادية في العالم، فكل من تابع ما جرى عشية الجمعة يلاحظ الارتباك الكبير الذي تخلل عمل الشرطة المحلية هناك، حيث تنقل الجاني حرا طليقا، وهو بصدد تنفيذ عمله الشنيع في أكثر من نقطة داخل مسرحة الجريمة. بناء عليه أثار عديد من المتابعين والنشطاء سؤالا عما لو تعلق الأمر بأكثر من فرد أو بهجوم جماعي مدبر ومنسق على شاكلة أحداث باريس؟ فالأكيد أن الحصيلة سوف تكون حينذاك ثقيلة جدا في ظل مثل هذا التحرك الأمني المرتبك. ويجد هذا التساؤل - الذي قد يبرره البعض بطبيعة العيش في هذا الاقليم المتسم بالتسامح والاندماج - شرعيته في ما شهدته رابع مدينة فيه، ونقصد فورتسبورج، الأسبوع الماضي فيما بات يعرف إعلاميا بهجوم القطار. أما المسألة الثانية فهي أعمق من سابقها، وترتبط بذاك الشرخ العميق الذي ينخر الأوروبيين بوعي أو دون وعي، إذ أضحت أعمال العنف والتخريب والقتل لصيقة بالعربي أو المسلم أو اللاجئ، وهو ما تأكد مجددا عشية الجمعة الماضي بوابل التأويلات والتكهنات التي قدمت قبل أن تظهر الحقيقة. بل أكثر من ذلك تراجعت بعض الأصوات الإعلامية المحسوبة على اليمين الأوروبي عن استعمال عبارة "الاعتداء الإرهابي" لتوصيف الحادثة، بعدما سقطت الفرضيات الجاهزة التي تقدمها عادة في كل حادث مشابه، وتأكد لها أن المجرم ألماني ومسيحي ومصاب بخلل عقلي. وبذلك يؤكد هؤلاء "المتطرفون" - من الجهة الأخرى - أن قراءة الأحداث وتصنيف الوقائع لديهم لا يعتمدان على مقياس بشاعة الجرم أو وحشية الفعل وما يخلفه من ضحايا أبرياء وأضرار مادية ومعنوية ونفسية للأخرين، وإنما المرجع الأساسي في تقديمهم للأمور هو النظرة إلى الجاني أي مرتكب الفعل أهو غربي أم شرقي، عربي أم أوروبي، لاجئ أم أصلي، بعدها فقط يستطيعون توصيف وتصنيف الأحداث والوقائع. تاريخيا نذكر بأن ألمانيا شهدت غير ما مرة أحداثا من هذا النوع، منها واقعة بلدة فيندين في ضواحي مدينة شتوتجارت في ولاية بادن فورتمبرج، التي تعود إلى شهر آذار (مارس) من عام 2009، عندما أقدم شاب يبلغ من العمر 17 سنة على قتل 16 شخصا ما بين معلمين وطلاب ومارة قبل أن تقتله الشرطة. ذات الحصيلة كانت في حادثة مماثلة كانت مدرسة جوتنبرج الثانوية في إيرفورت في ولاية تورنجن شرق ألمانيا مسرحا لها، في 26 من شهر نيسان (أبريل) 2002، وكان ضحاياه شرطيا وأمين سر المدرسة ومعلمين وتلاميذ. يتأكد لنا يوما بعد أخيه، أن هذا العالم يهوي في دركات الجنون، إذ كيف ينقلب عُرف الاقتداء بالآخرين الذي سنّته الإنسانية للتحفيز والحث على تباع أصحاب الفضل؛ أملا في بلوغ مقامهم أو تحقيق إنجازاتهم التي لها نفع على البشرية إلى تقليدهم في الجرائم وأفعال السوء والأذية، ففي نظري لا يمكن أن يكون تاريخ 22 تموز (يوليو) مجرد صدفة، بل له أكثر من دلالة لدى الجاني. إذ يذكرنا بمجزرة أوتويا في النرويج قبل 5 سنوات تحديدا، عندما انتحل أنديرس ب بريفيك (Anders B Breivik) صفة رجل أمن واضعا نهاية لحياة 77 فردا، أغلبهم أطفال وشبان في معسكر صيفي تابع لحزب العمال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم