أخبار اقتصادية

نزاع أوروبي ــ صيني لفرض قيود على مواد تدخل في صناعتي الهواتف والصواريخ

نزاع أوروبي ــ صيني لفرض قيود على مواد تدخل في صناعتي الهواتف والصواريخ

الصين تفرض قيودا على تصدير خامات ضرورية للصناعات الأوروبية تمتد من الهواتف إلى الصواريخ.

أطلق الاتحاد الأوروبي ثالث نزاع أمام منظمة التجارة العالمية ضد ما يعتبره "قيودا" تفرضها الصين على تصدير 11 نوعا من المواد الخام الضرورية للصناعات الأوروبية، التي تمتد من صناعة الهاتف المحمول إلى "الصواريخ". وجاءت التحرك الأوروبي بعد ستة أيام فقط من إطلاق الولايات المتحدة نزاعا مماثلا مع الصين متهمة إياها بفرض رسوم تصدير على تسع مواد خام ما يجعلها أكثر تكلفة للمصنعين الأمريكيين، وجميعها ظهرت في قائمة المواد الخام الأوروبية. ويقع الإجراءان الأمريكي والأوروبي ضد الصين في باب "الإنفاذ التجاري"، وهو بند يعطي الحق لأي دولة عضو في منظمة التجارة أن تمارسه ضد دولة أو مجموعة من الدول إذا ما وجدت أنها لم تنفذ، أو تنفذ بصورة جزئية، التزامات قطعتها أمام المنظمة في وثيقة انضمامها لهذا النادي التجاري الذي يتحكم الآن بأكثر من 98 في المائة من التجارة العالمية. ووفقا للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإنه كان ينبغي للصين أن تلغي رسومها على هذه المواد الخام عقب انضمامها إلى منظمة التجارة في المؤتمر الوزاري بالدوحة عام 2001، إلا أنها لم تفعل، وهو ما يخل بأحد التزاماتها. وفي أعقاب الإجراءات القانونية التي اتخذتها بروكسل ضد بكين في عامي 2012 و2014، اتجه التكتل الأوروبي هذه المرة على اتخاذ تدابير مماثلة تركز على القيود المتعلقة بالجرافيت، والكوبالت، والنحاس، والرصاص، والكروم، والمغنسيوم، والتالك، والتانتالوم، والقصدير، والأنتيمون، والإنديوم، وجاءت المواد الخام التسع التي عناها الإجراء الأمريكي في الإجراء الأوروبي دون أن يرد ذكر الكروم والأنتيمون. وأوضحت لـ "الاقتصادية"، كريستينا كوكيناكيس، المسؤولة في البعثة التجارية الأوروبية في جنيف، أنه لا يمكن للتكتل أن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى منتجيه ومستهلكيه يتضررون من هذه الممارسات التجارية غير العادلة، مشيرة إلى صدور حكمين واضحين كوضوح الشمس من منظمة التجارة على قيود التصدير الصينية حيث أكدا على أن التدابير الصينية تمضي ضد قواعد التجارة الدولية، وأن بكين لم تتقدم لإزالة أي من هذه الإجراءات، إذن كان لزاما علينا أن نتخذ الإجراءات القانونية. وأضافت كوكيناكيس، أن بكين تفرض حاليا مجموعة من القيود على التصدير، بما في ذلك رسوم التصدير وحصص التصدير، التي تحد من قدرة الشركات خارج الصين من الوصول إلى هذه المنتجات، معتبرة أن هذه التدابير شوهت السوق، وأعطت امتيازات للصناعة الصينية على حساب الشركات والمستهلكين في الاتحاد الأوروبي ما يمثل انتهاكا للقواعد العامة لمنظمة التجارة العالمية، وأيضا لالتزامات الصين المحددة عند انضمامها إلى المنظمة، مشيرة إلى أن الإجراء الصيني يتعارض مع تحقيق هدفها المزعوم بأنها تتجه لدعم إنتاج المواد الخام المستدامة والصديقة للبيئة، دون أن يكون لذلك أي تأثير سلبي على التجارة. ومن المقرر أن تجري مشاورات رسمية بين الاتحاد الأوروبي والصين - الخطوة الأولى في منظمة التجارة لتسوية المنازعات - بالتوازي مع مشاورات مماثلة بين الولايات المتحدة وإمبراطورية الوسط، وفي حالة عدم التوصل إلى حل مرض في غضون 60 يوما، فإنه يحق للاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة، أن يطلبا من المنظمة تشكيل لجنة للبت في مدى توافق التدابير الصينية مع قواعد المنظمة. وبعض المواد الخام الـ 11 (الجرافيت، الكوبالت، الكروم، والمغنسيوم، والأنتيمون والإنديوم) هي من بين المواد الخام العشرين التي حددها الاتحاد الأوروبي في عام 2013 على أنها مواد حرجة للاقتصاد في أوروبا وأساسية لصون وتحسين نوعية الحياة. وحسب أرقام البعثة التجارية الأوروبية في جنيف، فإن إجمالي قيمة صادرات الصين من هذه المنتجات تبلغ نحو 1.2 مليار يورو، سدسها يأتي إلى أوروبا، وطبقا لتحليل البعثة، فإن إزالة رسوم التصدير الصينية يمكن أن تسمح بإمدادات إضافية من هذه المواد الخام إلى اقتصاد الاتحاد الأوروبي تبلغ قيمتها نحو 19 مليون يورو، أي بزيادة بنسبة 9.2 في المائة، ومن المحتمل أن تكون الزيادة الحقيقية للإمدادات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير إذا أزيلت العوائق الأخرى التي تستخدمها الصين لتقييد صادراتها. ومن أنواع القيود التي تفرضها الصين، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، أنها تطبق أنظمة من رسوم التصدير على أشكال مختلفة من المواد الخام الـ 11 (الأنتيمون، والكروم، والكوبالت، والنحاس، والجرافيت، والرصاص، والمغنسيوم، والتلك، وتانتالوم، والقصدير)، علاوة على قيود كمية، كفرضها حصص على كميات التصدير لكل دولة (الأنتيمون، وإنديوم، والمغنسيوم، والتالك، والقصدير). من جانبها، تقول الولايات المتحدة إن رسوم التصدير التي تفرضها بكين على هذه المواد الخام تراوح بين 5 إلى 20 في المائة ما جعلها أكثر تكلفة للمصنعين الأمريكيين، في حين أن المنافسين الصينيين لا يدفعون مثلها، وهذا بحد ذاته حافز مالي للشركات الصينية، وتؤكد واشنطن أن الرسوم هي محاولة من الصين للالتفاف على أنظمة المنظمة بحيث تصبح المواد الخام أرخص لمصنعيها وأكثر تكلفة على الشركات الأجنبية. وتبرز أهمية هذه القضية من الحقائق التي قدمتها البعثة التجارية الأوروبية لـ"الاقتصادية"، وهى حقائق وردت في ملف الشكوى الأوروبية، فعلى سبيل المثال، فإن الصين هي المنتج المهيمن في العالم على مادة الجرافيت (يستخدم في طائفة واسعة من التطبيقات الصناعية، خاصة في المواد الحرارية، ومواد التشحيم، وصناعة الفولاذ، وصب المعادن، وبطانات الفرامل)، حيث تستأثر بكين بثلثي الإمدادات العالمية، ويعتمد الاتحاد الأوروبي على استيراد 95 في المائة من استهلاكه، وتأتي نصف وارداته من الجرافيت من الصين. أما الكوبالت (يستخدم في المركبات الكيميائية لمجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية، كبطاريات السيارات الكهربائية القابلة لإعادة الشحن) فإن نصف إنتاج مناجمه يتم في الكونغو، ولا يكاد يوجد أي الإنتاج في الاتحاد الأوروبي من هذه المادة الخام، والصين أيضا لديها احتياطيات محدودة من الكوبالت لكنها ضمنت لنفسها العديد من عقود استثمار مناجم الكوبالت "على مدى الحياة أو طويلة الأجل" مع مشغلي هذه المناجم في بلدان العالم الثالث، ما سمح لها بأن تكون أكبر منتج في العالم للكوبالت المكرر. وفيما يتعلق بالنحاس، وهو أفضل الموصلات الكهربائية بعد الفضة ويستخدم في إنتاج دوائر الطاقة الموفرة للطاقة، وأجهزة الحواسيب، وهو أيضا مقاوم للتآكل وطيع، فإن الصين تمثل ما يقرب من 10 في المائة من إنتاج العالم من النحاس، وتوجد الغالبية العظمى من احتياطي النحاس في الأمريكتين (شيلي، والمكسيك، وبيرو، والولايات المتحدة). وتمثل بكين نحو نصف الإنتاج العالمي من الرصاص، ويستخرج الرصاص أيضا في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في بولندا، والسويد واليونان وبلغاريا، وتعتبر روسيا المصدر الرئيسي لواردات الاتحاد الأوروبي، فيما يعد قطاع صناعة بطارية الرصاص الحمضي القطاع الرئيس الذي يستخدم الرصاص، (المعدن له تطبيقات أخرى تشمل الذخائر الحربية، والزجاج، ومثبت الحرارة في البلاستيك المعادن، والإلكترونيات، والورق، ومعظم المعادن والأصباغ). ويقع التطبيق الرئيس للكروم في صناعة الصلب، ولا سيما لإنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ، وتعتبر جنوب إفريقيا المنتج الرئيسي في العالم من الكروم وتتقاسم مع كازاخستان أكبر الاحتياطي العالمي، كما أن جنوب إفريقيا تعد أيضا المصدر الرئيسي لواردات الاتحاد الأوروبي، مع بعض الكميات المستوردة من تركيا، لكن الصين بوصفها أكبر منتج للفولاذ المقاوم للصدأ في العالمي، أصبحت المستهلك الرائد للكروم والمنتج الرئيس لسبائك الحديد والكروم. أما المغنسيوم، (يستخدم أساسا في صناعة صهر المعادن، والأسمدة ولب الورق، والحديد، والصلب، ومعالجة المياه المستعملة) فإن الصين تمثل 70 في المائة من الإنتاج العالمي للمناجم من كربونات المغنيسيوم، وهناك بعض الإنتاج في الاتحاد الأوروبي (إسبانيا، وسلوفاكيا، والنمسا، واليونان)، لكن مع ذلك يعتمد الاتحاد الأوروبي في استيراد المغنسيوم، على الصين وتركيا. من جهة أخرى، يقع أكبر تطبيقات التالك في أوروبا في اللدائن والأصباغ التي تستهلك نحو 50 في المائة من الاستهلاك الإجمالي للمعدن، وهناك استخدامات أخرى في الورق، والزراعة، وصناعة الخزف، والمطاط، والغذاء، ومستحضرات التجميل، والمستحضرات الصيدلانية. وتعد الصين أكبر منتج عالمي للتالك (30 في المائة من الإنتاج العالمي)، وبعض الإنتاج الكبير في الاتحاد الأوروبي يغطي نحو 80 في المائة من الاستهلاك المحلي في الاتحاد الأوروبي، وتأتي واردات التالك إلى الاتحاد الأوروبي من باكستان والصين أساسا. ويستخدم التنتالوم في إنتاج المكونات الكهربائية (بما في ذلك تلك المستخدمة في الهواتف النقالة، وأجهزة الكمبيوتر، ووحدات التحكم في ألعاب الفيديو) ومحركات الطائرات. وكانت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والبرازيل من كبار منتجي التنتالوم في جميع أنحاء العالم في عام 2015. وعلى الرغم من أن الصين، ليست منتج كبير للتنتالوم، فإنها تفرض رسوم تصدير على نفايات التنتالوم والخردة، وهى أحد التدابير الصينية التي يهاجمها الاتحاد الأوروبي في هذه القضية. ويكمن التطبيق الرئيس للقصدير في إنتاج سبائك القصدير والرصاص كأساس للدوائر الكهربائية الموجودة في معظم الأجهزة الإلكترونية، كما يستخدم في صناعة التغليف، فضلا عن التطبيقات الكيميائية، وتقع مناجم هذا المعدن في خمسة بلدان (الصين، وإندونيسيا، وبورما، وبيرو، وبوليفيا) تمثل وحدها 80 في المائة من الإنتاج العالمي الإجمالي للقصدير، وتعتبر بكين منتج القصدير الرائد في العالم، بنسبة 37 في المائة من الإنتاج العالمي، ويقول الاتحاد الأوروبي إنه لا يكاد يوجد أي إنتاج له من القصدير في دوله، باستثناء كمية محدودة في البرتغال. ويستخدم معظم الأنتيمون في صناعة الطائرات الحديثة، وبخاصة كمثبط لانطلاق النيران من المحركات، وتشمل التطبيقات الأخرى البطاريات، والبلاستيك، والزجاج، وأشباه الموصلات، والسبائك، ويتم استخراج الأنتيمون في 15 بلدا، لكن إنتاج المناجم يتركز بشكل كبير جدا في الصين (78 في المائة من الإجمالي العالمي)، ولا يوجد حاليا أي إنتاج من الأنتيمون في الاتحاد الأوروبي، وتعد تركيا وبوليفيا مصادر الكتلة الأوروبية الرئيسة من خامات الأنتيمون المستوردة. ويقع الاستخدام الرئيسي للإنديوم في أجهزة الحاسوب اللوحية المسطحة بما في ذلك شاشات الحاسوب المسطحة، والهواتف الذكية، وشاشات الكريستال السائل، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الحاسوب المحمولة، والألواح الشمسية، والليزر، وتستأثر الصين بنصف الإنتاج العالمي من الإنديوم المكرر، وبينما يجري الإنتاج في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (بلجيكا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا وبريطانيا)، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر أيضا مستوردا صافيا لهذه المادة الخام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية