العالم

شبح المجاعة يطل برأسه.. الاثيوبيون يدورون فى"حلقة مفرغة" من الجوع والفقر

شبح المجاعة يطل برأسه.. الاثيوبيون يدورون فى"حلقة مفرغة" من الجوع والفقر

نفقت المواشي، ونفدت كميات الحبوب والبذور في العديد من المنازل الاثيوبية. وبات، شبح المجاعة الذي اجتاح تلك البلاد في ثمانينيات القرن الماضي، يلوح في الأفق من جديد في هذا البلد الذي اقترب عدد سكانه من 100 مليون نسمة. ويعتمد ما يصل الى خمس سكان البلاد على المساعدات الغذائية، بحسب احصاءات الأمم المتحدة، وإذا لم تهطل الأمطار في شهر تموز/يوليو المقبل ، فإن هذا العدد سيرتفع لا محالة. تشق"تشيكول أياليو" طريقها لمدة ساعتين كل صباح، بصندلها البلاستيك الأخضر عبر منطقة قاحلة وصخرية في شمال اثيوبيا قاصدة أقرب مصدر للمياه النظيفة. وتنتظر "أياليو" هنا دورها لمدة ساعة قبل أن تربط الحاوية التي تبلغ سعتها 20 لترا إلى ظهرها لتبدأ رحلة عودتها الطويلة إلى منزلها مرة أخرى. وفي بعض الأحيان ترسل واحدة من بناتها لتواجه درجة الحرارة المرتفعة بشجاعة للعودة بالمياه اللازمة لاستهلاك جميع افراد العائلة المكونة من تسعة أطفال خلال اليوم. وتقول "أياليو": " يشعر أي شخص لديه مياه بالسعادة". ويعاني آلاف الاثيوبيين من الجوع وعدم وجود المياه الصالحة للشرب وذلك في أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد خلال الـ 30 عاما الماضية. ولم تهطل الامطار في بعض المناطق منذ عامين تقريبا، مما تسبب في جفاف الآبار ومجاري الانهار، ويعزى هذا الجفاف الى ظاهرة النينو. وتقول "أياليو" : " نفقت قطعان الماشية والحمير، ولا يملك السكان أي احتياطي منها..نحن في حاجة إلى المساعدة من أجل البقاء". وتكشف رحلة بالسيارة عبر منطقة أمهرة إلى الشمال من أديس أبابا الحقول المهجورة لعدة ساعات في النهاية. وفي الوقت الذي تثير فيه الرياح الغبار، تحمل النساء والفتيات حاويات المياه عائدات إلى منازلهن بينما يسوق الأطفال قطيع الماشية والماعز الهزيلة بحثا عن المراعي. تستغرق عملية جلب المياه ، وهي من العمليات المرهقة ، عدة ساعات من اليوم. وعادة ما تقوم النساء والفتيات بهذه المهمة. ويقول مسؤول المساعدات إدوارد كيبيريج :" يتزايد عدد الفتيات غير القادرات على الذهاب إلى المدرسة لهذا السبب". وغالبا ما تتزوج هؤلاء الفتيات في سن صغيرة ويرزقن بعدد من الاطفال يفوق قدرتهن وقدرة ازواجهن على منحهم العناية الكافية. ويضيف كيبيريج :"انها حلقة مفرغة". ووفقا للأمم المتحدة، فإن هناك نحو 3ر2 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية في أمهرة، التي تعد واحدة من المناطق الأكثر تضررا. ويعد الرضع والأطفال هم الأكثر تضررا ، فعلى سبيل المثال يبلغ وزن "ساليجزار أماري" 2ر2 كيلوجرامات فقط وعمرها ثلاثة أشهر، مقارنة بقريناتها في الدول المتقدمة التي تصل اوزانهن إلى 6 كيلوجرامات. وتقول إيهيتي أشاجري28/ عاما/ وهي أم لأربعة أطفال : "لم نشهد أي مشكلة في الغذاء مع أطفالنا الآخرين فقد كانت الأرض جيدة ،وكان هناك مطر". وعلى الرغم من أنها طويلة القامة فإن وزنها هي نفسها لا يتجاوز 40 كيلوجراما ، وتعيش الأسرة على وجبة واحدة في اليوم. وتضيف أشاجري :"لقد بعنا كل الأبقار لإنقاذ أطفالنا وأكلنا بذور المحاصيل من فرط اليأس". وكان عليها أن تأخذ ساليجزار إلى العيادة الطبية في قرية جاليسود، حيث يمنح الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية طعاما خاصا لمدة أسبوع حتى يقوى جسدها النحيل على هضم الطعام العادي. وتستطرد أشاجري : "ما كانت طفلتي لتعيش بدون هذه العيادة ". وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 450 ألف طفل يعانون من آثار سوء التغذية، في حين يتلقى نحو 2ر2 مليون من الأطفال والأمهات المرضعات المصابون بأعراض أخف مساعدات فى صورة مكملات غذائية خاصة. وفي ثمانينيات القرن الماضي أصبح اسم إثيوبيا مرادفا للمجاعة ، فقد لقي مئات الآلاف حتفهم ، وبثت صور الأشخاص الذين يعانون من الهزال ، والأطفال الذين يعانون من بطونهم المنتفخة في جميع أنحاء العالم. وفي تموز/يوليو عام 1985، جلبت حفلات "لايف ايد" التي روج لها بوب جيلدوف ، المغني الايرلندي الذي تحول إلى فعل البر والإحسان ، الفنانين المشهورين إلى مسارح لندن وفيلادلفيا، وأقيمت كذلك الأنشطة الأخرى في جميع أنحاء العالم لمساعدة اثيوبيا ،وبلغ حجم الأموال التي تم جمعها أكثر من 150 مليون دولار. والقي بكثير من اللوم على المجلس العسكري الشيوعي في اثيوبيا - المعروف باسم الدرج - لمسؤوليته عن المجاعة في ذلك الوقت. وفي نهاية المطاف تم الإطاحة بزعيمه، منجستو هايلا مريام، في عام .1991 وحققت البلاد تقدما منذ ذلك الحين حيث حاولت الحكومة التخلص من صورة السلة التي تعاني من المجاعة، على الرغم من أن إثيوبيا لا تزال من بين أفقر 15 دولة في العالم، وذلك وفقا لمؤشرات الأمم المتحدة. وتقوم الحكومة ، التي يبدو أنها تحجم عن الاعتراف بحجم الأزمة، بتقديم المساعدات الغذائية إلى 8 ملايين شخص، ولكن الامم المتحدة ترى ان هناك نحو 10 ملايين آخرون يعانون من الجوع، ليصل المجموع إلى ما يقرب من خمس سكان الباد البالغ تعدادهم ما يقرب من 100 مليون نسمة. ويقتات أكثر من 80 في المائة منهم مباشرة على ما تنتجه الأرض، علما بان معظم الأسر تزرع أقل من هكتار واحد من الأراضي الزراعية. وتتعلق الآمال حاليا على موسم الصيف المطير - أو "كيرميت" كما يطلق عليه - والذي من المقرر ان يبدأ الشهر المقبل. وفي حال عدم هطول الامطار مرة أخرى، فإن شبح المجاعة المدمرة سيطل برأسه مجددا على البلاد. وتوزع منظمات الإغاثة البذور، نظرا لأن العديد من العائلات اضطرها الجوع لأن تلتهم ما كان لديها من بذور. وإذا ما سارت الامور بشكل جيد فإن الحصاد الأول يمكن أن يأتي في أيلول/سبتمبر المقبل. ويعد الإسهال الذي تسببه مياه الشرب غير الصالحة مشكلة خطيرة أخرى تمنع الأطفال على وجه الخصوص من تناول القليل من الطعام المتاح. وتقول فانتانيسو تيلاهون / 24 عاما/ وهي أم لأربعة أطفال :" يعاني الأطفال من الإسهال كل أسبوع". لقد جف البئر ويشرب السكان المحليون المياه من النهر المحملة بالطمي. وتضيف تيلاهون إنها لا تغلي الماء، ولكنها فشلت في شرح سبب ذلك :" إنني قلقة على صحة أطفالي، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم