ثقافة وفنون

في «أفراح القبّة» وأحزانها .. «الملاك» ينتحر ولا يموت

في «أفراح القبّة» وأحزانها .. «الملاك» ينتحر ولا يموت

في «أفراح القبّة» وأحزانها .. «الملاك» ينتحر ولا يموت

في «أفراح القبّة» وأحزانها .. «الملاك» ينتحر ولا يموت

"لقد جعلت مني شيطان مسرحيتك والناس يصفقون.. الناس يصفقون" في مسلسل "أفراح القبة" المقتبس من الرواية القصيرة لنجيب محفوظ بالعنوان ذاته، من إخراج محمد ياسين، وسيناريو وحوار نشوى زايد، التي استكملت كتابة النص بعد محمد أمين رمضان الذي اعتذر عن إتمام كتابة باقي الحلقات. وهو مسلسل رمضاني متميز حول مسرحية عباس يونس التي تتحول إلى كابوس بإستنادها إلى أحداث واقعية تحكي لتفضح حيوات والديه والعاملين في المسرح، بل وتشي باحتمال وجود حادثة قتل، ليختلط الواقع بخيال كاتب المسرحية ما يتسبب بإقلاق وبلبلة حياة كل من يحيط بعباس. هناك اقتباسات عديدة من رواية نجيب محفوظ: "سترى نفسك كما سنرى أنفسنا، كل شيء... كل شيء، ألا تريد أن تفهم؟" تفاصيل أكثر المسلسل تفرّد بطاقم ضخم من الممثلين المتميزين الذين تمكنوا من تحويل الرواية إلى عمل درامي جميل يخرج عن النص دون أن يشوهه، بل يأتي وكأنه استكمال للأجزاء الغائبة في الرواية ليحيي شخصيات لم تكن تحمل تفاصيل كثيرة في العمل الروائي، كتعزيز دور المرأة سيئة السمعة عبر إظهار عائلة تحية من أمها وأخواتها وإن لم يكن لهن وجود في العمل الروائي. #2# فيما تتصدر "تحية" المسلسل كونها الشخصية المحورية فيه، وهو دور أعمق مما في الرواية التي اقتصرت على حكايا الشخصيات الأخرى التي تتطرق لها دون إظهار لجانبها من القصة. وتظل شخصية حيّة عبر المسلسل تعود إلى تفاصيل حياتها وأسرتها المتفسخة طوال الوقت، وقد برعت في تأدية الدور الشابة منى زكي لتؤدي الدور بتلقائية وحرفية كبيرة جمعت بين شخصية المرأة اللعوب التي تعيش حياتها بأريحية دون اكتراث لنظرة المجتمع وأخلاقياته، وإن كانت لا تزال محتفظة بحلم الحياة المثالية والسعي للارتباط والإنجاب. وتظهر شخصية الممثلة الرئيسة على خشبة المسرح "درية" التي لم يكن لها وجود في الرواية إلا عبر تفاصيل مختصرة، وأصبح لها دور محوري عبر الممثلة صبا مبارك، التي تحاول على الرغم من دورها الرئيس في كل مسرحية أن تتخلص من مدى تأثير "تحية" في حياتها وحياة الآخرين. "لأول مرة في حياتي تحس الأبصار بوجودي. إني شخص جديد تماما. تحية تخلق من العدم أكثر من رجل". تجري أحداث المسلسل بانسيابية وبأسلوب التشويق يكشف التفاصيل بحرفية عبر تقنية الاسترجاع الفني أو "الفلاش باك" الذي يتم فيه انقطاع التسلسل الزماني للمسلسل لاستحضار مشهد ماض. وإن اختلف العمل كذلك عن الرواية باختفاء نوعي للمونولوج الداخلي واستبدال ذلك باستعراض بانورامي لأجواء المسرح والشخوص، وتقريب عدسة الكاميرا على الوجوه التي تنجح في التعبير عن حالات الاستياء أو الغضب أو الضياع. حقبة السبعينيات ينجح مدير التصوير عبد السلام موسى في عكس حقبة السبعينيات عبر الديكورات القائمة وقتئذ والأزياء، إضافة إلى تجسيد الأحياء الفقيرة والبيوت الشعبية والعمائر المتهالكة، بأسلوب جمالي يجعلك تشعر برغبة في أن تسكن هذه الأماكن والغوص في تضاريسها التراثية بغبارها، مع استعراض بانورامي لأعمال نجيب محفوظ سواء كتابة أسمائها على بوابة المسرح، أو التطرق لأعماله كرواية زقاق المدق كعمل درامي تم الاحتفاء به عبر المسرح. فيما يظهر استخدام الألوان الباهتة التي يغلب عليها اللون البني ما يعطي طابعا من الشعور بالنوستالجيا والحنين نحو الماضي، والتوقف في فلكه. #3# فلك الماضي "كلنا لنا ماض ودافنينه في كواليس مسرح واحد". تظهر الشخصيات في مسلسل أفراح القبة وكأنهم عالقون في حقبة الماضي دون قدرة على الخروج منها. ففي الحين الذي تسعى فيه تحية لأن تعكس القاعدة وتتوقف عن ملاحقة كوابيس الماضي، تكرر في محاولة لإقناع ذاتها عبارة: "هنرمي كل الماضي ورانا". وكأنها تقنع نفسها والآخرين بقدرتها على القيام بذلك على الرغم من إحباطهم الدائم لها عبر عبارات: "الواحد عمره ما يهرب من ماضيه". فيما تظهر شخصية طارق رمضان على النقيض من ذلك الذي قام بتأدية دوره الأردني إياد نصار، في دور يعلق فيه في ماضيه حتى انهيار الماضي واختلاطه بالحاضر. "أنا الوحيد الذي يكرّر دوره الذي يلعبه في الحياة فوق الخشبة". وكأن المسرح عبارة عن استعراض لحياته والنظر نحو الماضي ومقارنته بالحاضر، ما يجعله مصابا بحالة بكاء مستفحلة. فيما برعت صابرين في تأدية دور حليمة الكبش والدة عباس، وصبري فواز عن دوره لشخصية الأب كرم يونس، وهما في حالة استحضار للبيت القديم ذاته الذي سكناه على خشبة المسرح، وتجسيد للحياة وعذاباتها أمام عينيهما. وكأنها بمثابة محاسبة وتوجيه أصابع الاتهام نحوهما. إذ أن: "مآسي المسرح تنتقل إلى بيتنا بأبطالها أو ضحاياها". رمزية المسرح يعد كل من مسلسل ورواية أفراح القبة عبارة عن حالات مختلفة من الإحباط، ومحاولة الهروب من الواقع لبعض الشخوص، فيما تأتي أخرى كشخصية عباس يونس لتعاكس ذلك وتضع التفاصيل تحت المجهر كمحاكمة للجميع، نتيجة الإيمان بالخير في بيئة متفسخة الأخلاق "الخير فقط الذي ينتصر على المسرح". وقد أبدع في أدائها الممثل الشاب محمد الشرنوبي والتحرر من الشخصية الملائكية التي حاولت الأم أن تزرعها داخله "كن ملاكا"، إلا أن المحيط الذي يعده خبيثا يدفعه إلى إعلان حالة غضب وتمرّد على الوضع القائم، إذ جعلته الحالة المثالية التي عاشها يتحول لشخص يحاكم كل من حوله، ويواجههم بكل التفاصيل. يتسبب ضعف النظر وتفضيل الظلام وعدم معرفة تفاصيل ما يحدث إلا في وقت متأخر، في محاولة غاضبة للتخلص من عباءة الملائكية والمثالية التي حاولت والدته أن تلبسه إياها. خشبة "الحياة" فيما تظهر خشبة المسرح وكأنها رمزية للحياة التي يعيشها الأشخاص حسب أدوارهم المعاشة، ما بين شخصية سرحان الهلالي التي قام بتأدية دورها المتميز جمال سليمان وكأنه يتحكم في حيوات الآخرين بطريقة أو بأخرى، فيما يتباهى عباس كونه الكاتب الذي بإمكانه خلق مشاهد وتحكم في حياة الآخرين، فيما يأتي أشخاص آخرون كطارق ليكونوا مجرد ممثلين مهمشين لا قيمة لهم في واقع الحياة يؤدون الدور المناط بهم بانصياع ودون محاولة لتغيير أي شيء. مما لا شك فيه أن مسلسل "أفراح القبة" جاء متميزا عن الأعمال الدرامية الأخرى بحبكته المتقنة وأداء طاقم التمثيل المتميز الذي تمكن من الاقتباس من عمل روائي للحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، وهو روائي من السهل تحويل أعماله الأدبية لأعمال سينمائية أو درامية كونه يغرق في بناء الشخوص والأماكن بطريقة أشبه بحبكة سيناريو. إلا أن كون العمل قد طور الرواية دون تشويه للنص وجعل من المسلسل أشبه بامتداد للشخصيات وحيواتهم، عبر أجواء بانورامية بديعة وتصوير أثيري بديع، فذلك ما يميز هذا العمل عن غيره من الأعمال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون