ثقافة وفنون

«اقتحام الصورة» .. المهارة الوحيدة لمشاهير «التواصل»

«اقتحام الصورة» .. المهارة الوحيدة
لمشاهير «التواصل»

«اقتحام الصورة» .. المهارة الوحيدة
لمشاهير «التواصل»

«اقتحام الصورة» .. المهارة الوحيدة
لمشاهير «التواصل»

"اقتحم" لتكون الصورة أجمل، وليس "ابتسم". هو المعنى الأقرب والأدق لصورة اليوم، المتحركة والثابتة، ولمتطلبات نجوميتها في زمن متسارع بتسارع منتجات "يوتيوب" و"سناب شات" و"إنستجرام" وغيرها. حقيقة قد يدركها عن وعي وعن لا وعي أيضا شباب كثر من مشاهير الصورة السريعة ولحظاتها العابرة. فالكثير يمارس الفجاجة ويسميها إثارة. والكثير أيضا يتمادى في الوقاحة بوصفها صراحة. وغرض الجميع اللحاق بهذه الصورة التي لم تعد تنتظر أحدا كما كان عليه الحال حين كانت في أوج إبداعها تتطلب كثيرا من الموهبة والجهد والتأمل. يقول المحلل النفسي مايكل ستورا: "نشأ شباب اليوم وأهلهم يصورون مراحل حياتهم، هذا ما أشعرهم بوجودهم. دعمت الثقافة التلفزيونية هذا المفهوم. أن تكون موجودا، يعني أنك موجود في نظرات الآخرين". فما عساه أن يقول اليوم وثقافة الإنترنت الفائق السرعة جعلت توقيت البث المرئي ونوع المحتوى مرهون بهاتف "ذكي" ونزوة شاب وضغطة زر؟. "شباب الصورة" الذين ارتبط وجودهم بنظرات الآخرين وتقديرهم هم من يصنعون كثيرا من "المحتوى العربي" وتوجهاته اليوم، وهم من تتسابق شركات الدعاية والتسويق لتخطب ود إطلالتهم. إلا أن مشاهير "اللحظة الرقمية" العابرة ونجومها يقعون في فخ وجودي إذ لا يدركون أنهم ليسوا المعنيين بهذه الشهرة. كما كان الحال مع نجوم الأغلفة والتلفزيون في وقت مضى. وأن المعني هنا هي الومضة الرقمية لذاتها التي نحن جميعا لسنا إلا جزءا منها. وبينما نجوم الماضي تمتد شهرتهم لسنوات بحد أدنى، تبعا لموهبة أو مجال برعوا فيه. نجوم اليوم شباب تستهلك وجودهم ووجوههم الصورة السريعة والدعاية الموجهة، خلال أيام أو أشهر وبالسرعة ذاتها التي تُستهلَك وتتبدل فيها سلع تجارية تملأ رفوف المحال، دون أدنى موهبة أو تميز يذكر لهؤلاء الشباب "المغرر بهم". #2# والحقيقة أن ثقافة الدعاية والإعلان وسياساته الترويجية الوصولية لم تتغير على مر السنين. ولكن أدوات الحضور تغيرت وتمكنت. فبعد أن كانت الصورة بعيدة ومنفصلة عن متلقيها وتبحث عنه كما يبحث العرض عن الطلب والبائع عن المشتري. أصبحت الصورة واحدة وجامعة، لصانعها ومتلقيها. حيث في زمن الصورة و"التسويق الاجتماعي" يتخفى المعلن والمسوِّق. مستغلا رغبة شاب في الشهرة أو فتاة في الثروة. فتبدو الصورة للآخرين وكأنها علاقة بين نجم ومعجبيه. بينما الحقيقة أعقد من ذلك وأبعد. ليتكاثر المشاهير بقدر تكاثر المنتجات، كما وكيفا. إذ لا قيمة إبداعية لذلك النجم أو هذا المنتَج. فقط غزارة في العرض بقصد خلق الطلب. وفقا لأحدث نظريات اقتصاد الوفرة التي ترى في التكرار والإغراق بابا من أبواب الكسب السريع والمضمون. وكأن اقتصاد الوفرة وثقافة الصورة لم يكتفيا بطوفان السلع والمنتجات. ليقدما إغراقا من نوع آخر، إذ أصبح "لكل منتَج نجمه الخاص". فبعيدا عن "أمراض الشهرة" التي لم تختلف كثيرا عن العقود الماضية. تزييف الصورة والاستغلال – اليوم - أسوأ وأعقد من أن يُنسب لجهة بعينها. فالنجم الشاب والمسوِّق المتخفي إضافة للمتلقي الذي لم يعد يفرق بين حاجته للمنتج ورغبته في الشهرة وحلمه بالثروة كلهم متواطئون عن علم أو جهل في هذه الصورة المضللة. #3# "الصورة" التي في حقيقتها منتَج إبداعي كان الجميع يتسمر أمام آلاته بشوق لتوثيق ذكرى اجتماع عائلي أو حدث إنساني ما، يعود لها بعد فترة بكثير من الحنين، تعاني اليوم نرجسية مفرطة. بلغت أقصاها بظهور السيلفي وتقنياته. و"السيلفي" كظاهرة ليس صرعة كما يبدو على السطح التقني بقدر ما هو تحول اجتماعي عميق ونتيجة ثقافية لاستغلال الصورة على مر عقود من أجل تكريس "الوجود" وقيمته، لا بوصفه شعورا ذاتيا مستقلا. بل كقيمة مضافة لنظرة الآخرين وتصورهم. يبقى أن الصورة لم تعد أداة من أدوات استذكار اللحظات الجميلة. التي يمكن الاستغناء عنها في وجود نفس كتابي أو حس حكائي متفرد، سلس وجميل. إذ أصبحنا نحن أداة لها. لتقرر هي ما يجب أن يكون عليه شكل لحظاتنا الجميلة ومقاييسها. ومن أجل ذلك أوجدت لنا هذه السوق "فلاتر" متعددة و"هاشتاقات" متنوعة تضعنا حيث تشاء وتصنفنا كما تريد. فنحن والمشاهير والموائد العامرة الجميلة، جزء فقط من لحظتها العابرة السريعة. ومن يستطيع أن يجاري هذه الومضات أو بالأصح يقتحمها سيكون جزءا من الصورة القادمة بلا شك. فهذه بكل أسف معادلة الوجود الحديثة؛ لكي تكون أو لا تكون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون