Author

«برنامج التحول» .. تفاصيل «رؤية»

|
كاتب اقتصادي [email protected]
لا تقل أهمية برنامج التحول الوطني في المملكة، عن أهمية "رؤية المملكة 2030". إنه في الواقع الآلية الكلية لتنفيذ "الرؤية"، كما أنه برنامج محدد يطرح المعالم كلها بصورة واضحة، والأهم يحدد الأهداف الكفيلة في إقرار منهجي عملي لـ"الرؤية". إنه "مصنع" الاقتصاد الوطني السعودي الجديد، الذي باتت عناصره وآفاقه وتوقعاته مطروحة أمام الجميع. و"برنامج التحول" ليس خطة إصلاح بقدر ما هو عملية بناء شاملة، وعلى هذا الأساس، يمكن فهم الاهتمام الذي حظي به على صعيد عالمي، تماما كما هو الاهتمام على الساحتين المحلية والإقليمية. العنوان الرئيس في الاقتصاد السعودي الآن، هو "رؤية المملكة 2030"، أما التفاصيل فهي تكمن في برنامج التحول، بكل بنوده وممراته وأهدافه وآلياته. فدونه تبقى كل الأطروحات نظرية لا قيمة عملية لها على الأرض. والذي يستعرض بنود برنامج التحول، يرى بوضوح انخراط 24 وزارة وجهة حكومية فيه مبدئيا، لأن الجهات الحكومية الأخرى ستكون جزءا منه في المرحلة اللاحقة وفق متطلبات "الرؤية". وهذا وحده يجسد حقيقة التغيير الشامل في الاقتصاد السعودي، خصوصا أن هذا الاقتصاد كان على مدى عقود أقرب للاقتصاد الحكومي منه إلى المفتوح. وحتى بعد أن اتخذت المملكة قرارات وسنت قوانين تحرر الاقتصاد من دائرته الحكومية، فإنه حافظ على هذا الشكل إلى أن تم إطلاق "رؤية المملكة 2030". فالقوانين المشار إليها، كانت تختص بقطاعات بعينها، أما الآن فالتغيير والتحول ينسحب على كل القطاعات، ويعزز بالطبع دور القطاع الخاص في العملية التنموية القائمة على أسس استراتيجية يمكن ببساطة أن نصفها بالتاريخية. ويمكن بسهولة قراءة أهداف التحول، كما يمكن أن نضعه ضمن إطار أربع سنوات "كمرحلة أولى" هي الفاصلة من الآن وحتى عام 2020. وهي في الواقع فترة قصيرة في زمن التغييرات الاقتصادية، لكن يبدو واضحا أن توجه القيادة العليا في السعودية، يستهدف تحقيق الأهداف حتى قبل موعدها المحدد. والسبب أيضا واضح هنا، يتعلق بالتحولات والتغييرات والتبدلات والمفاجآت التي تحدث على الساحة الاقتصادية العالمية، والاقتصاد السعودي جزء أصيل من الكيان الاقتصادي العالمي. يضاف إلى ذلك، أن البناء الاقتصادي الجديد، يؤسس في الحقيق لثقافة اجتماعية اقتصادية جديدة، لا تشبه تلك التي سادت البلاد على مدى عقود. وفي مقدمتها بالطبع الجانب الخاص بالنفط، الذي بات في ظل "الرؤية" و"برنامج التحول" عنصرا آخر من عناصر الاقتصاد وليس العنصر الرئيس. ولعل اللافت في المرحلة الأولى لبرنامج التحول، أنه يستهدف توفير 450 ألف وظيفة في أربع سنوات، وكذلك رفع مستوى إسهام القطاع الخاص إلى 40 في المائة في الإنفاق الحكومي على المبادرات. وهذه الأخيرة تمثل حجر الزاوية في عملية بناء أي اقتصاد. سيتحقق ذلك وفق أطر منطقية واقعية لا نظرية أو "صوتية". لا مجال ضمن "الرؤية" هنا ـ "الارتجال الاقتصادي"، إن صح التعبير. واستثمار ما هو متوافر على الساحة (وهو كثير بالفعل)، يدعم التوجه العام، من خلال التصنيع والإنتاج والتصدير. وهذا على وجه الخصوص، شكل هدفا رئيسا في برنامج التحول، من خلال توجهه لـ "تعظيم" المحتوى المحلي عبر توطين أكثر من 270 مليار ريال من المنتجات والخدمات. والاقتصاد السعودي، الأكبر في المنطقة يعج حقا بالخدمات والمنتجات. إن ما يجري اليوم في السعودية، ليس أقل من تشييد بنية تحتية قوية تخدم بسلاسة "رؤية المملكة 2030"، وهذا يدفع تلقائيا "الرؤية" إلى مرحلة التمكين في أقل مدة زمنية ممكنة. بالطبع ستكون هناك عقبات، وربما مفاجآت، لكن الأهم من هذا كله، أن العجلة بدأت بالدوران دون تأخير، ما يخدم كل المخططات الحاضرة على الساحة. البرنامج الذي يتضمن 534 مبادرة، يتضمن أيضا عوائد هائلة القيمة ليس من جهة الحجم فقط، بل من ناحية القواعد المتينة للاقتصاد السعودي المأمول. وعلى الرغم من أهمية الإيرادات غير النفطية المستهدفة التي تصل إلى 530 مليار ريال في غضون السنوات الأربع المقبلة، يبقى الأهم، هو الاستدامة ما بعد البناء، والمخططات المطروحة تضمنا هذه الاستدامة. ولعل من أهم المعطيات الراهنة على الساحة السعودية، أن القيادة ألزمت كل الجهات المعنية بـ "رؤية المملكة 2030" بالحوكمة، التي تعتبر الضامن الأول لتحقيق الأهداف المرجوة. وبات واضحا أن السعودية ستمضي قدما في استراتيجيتها بأعلى معايير الشفافية والوضوح والمحاسبة والمكافأة أيضا. في المملكة التي تشهد كتابة جديدة للتاريخ، تشهد أيضا صناعة "تاريخ اقتصادي" جديد، وهذا ليس من أجل التوثيق فقط، بل من أجل العمل وفق معايير وطنية خالصة.
إنشرها