العالم

بخلاف أمريكا .. أوروبا تنزلق نحو اليمين المتطرف مؤسساتيا وليس فرديا

بخلاف أمريكا .. أوروبا تنزلق نحو اليمين المتطرف مؤسساتيا وليس فرديا

يحظى السباق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية بمتابعة أطياف عديدة من العرب، وازداد منسوب هذا الاهتمام مع تبلور توجه نحو تزكية المرشح "الظاهرة" دونالد ترامب ممثلا عن الحزب الجمهوري، وعلّة جدب الرجل للأنظار عائدة أساسا إلى خطابه الشعبوي ومواقفه العنصرية تجاه الأجانب. في الضفة الأخرى من المحيط الأطلنطي تغزو أوروبا، في السنوات الخمس الأخيرة، شخصيات سياسية من طينة هذا الرجل دون أن تلقى كثير عناية ولا بالغ اهتمام من قبل الباحثين والمهتمين العرب، على الرغم من أن تأثيرها سيكون أكبر قياسا إلى دونالد ترامب، بالنظر إلى أن الأمر في أوروبا يتعلق بمؤسسات حزبية ذات مرجعية متطرفة؛ لها خطاب عنصري وعدائي قائم على الكراهية والتحريض نقيض ما عليه الأمر هناك في أمريكا؛ إذ المسألة مرتبطة بشخص ترامب بالدرجة الأولى. وضع هذا الواقع الجديد شريحة كبيرة من الأوروبيين في موقف إحراج، إذ لم يجدوا بدا من الإقرار بأن شماعة التطرف التي تكون دائما من نصيب العرب والمسلمين صار لهم فيها نصيب، بل الأدهى والأمر أنه مؤسس بطريقة قانونية وشرعية تنضبط إلى تشريعات وقوانين دولهم، ما يجعل أمجاد خطاب الأنوار والحداثة والحرية.. في مهب الريح أو على كف عفريت. انتعاش اليمين غير خاف أن مد انتشار اليمين المتطرف في الآونة الأخيرة أشبه بالفطر، إذ استفاقت القارة العجوز على وقع أحزاب سياسية هامشية غير معروفة سابقا أضحى لها شأن وتمثيل وأنصار ومؤيدون. لا بل صار لديها ممثلون في مؤسسات الدولة وداخل البرلمان الأوروبي "انتخابات 2014". يرد بعض المحللين هذه الانتعاشة لليمين المتطرف في الأوساط الأوروبية إلى تضافر ثلاثة عوامل رئيسية أسهمت في ترجيح كفة التيارات الشوفينية داخل دول بعينها "فرنسا، ألمانيا، النمسا،..." وخلقت جوا عاما ينبئ بأن أوروبا على موعد مع موسم عودة اليمين. أولا: فشل السياسات الأوروبية – ومن خلالها الائتلافات الحاكمة داخل معظم البلدان - في الخروج السريع من مخلفات الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، ما انعكس على مستوى عيش فئات عريضة داخل الأوساط الأوروبية. ثانيا: تصاعد موجهات العنف والخطر الأمني العابر للاتحاد، فعن أي أمن قومي يمكن الحديث بعدما استهدفت باريس رمز القيم الأوروبية وبروكسل مقر صناعة القرار السياسي والمالي الأوروبي. ثالثا: أزمة اللاجئين التي كانت بمنزلة النقطة التي أفاضت الكأس، حيث يرى الأوروبيون في القادمين الجدد زحفا يهدد قيمهم ومشروعا "لأسلمة" الاتحاد على المدى المتوسط. ضِديات ثلاث  تتقاسم أحزاب اليمين المتطرف النشيطة داخل أوروبا جملة من المواقف والآراء الموحدة تجاه قضايا بعينها داخل الاتحاد، وإن اختلفت السياقات الداخلية لهذا الحزب أو ذاك بحسب دولته. - ضد الاتحاد: ترى هذه الأحزاب مشروع الوحدة الأوروبية السبب الرئيس للمشكلات التي تغرق فيها أوروبا اليوم، وتدافع في برامجها السياسية وبشراسة عن أطروحة الخروج من منطقة اليورو، والعودة إلى ما قبل مركزية الارتباط ببروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي. - ضد النظام: تقدم هذه الكيانات السياسية وصفات تشكك في قيم الديمقراطية والتعددية والتنوع الثقافي، وتهدد السلم والأمن الداخلي في هذه الدول. فحزب مثل "البديل من أجل ألمانيا" لا يتردد في دعوة الشرطة إلى إطلاق على اللاجئين لمنعهم من دخول ألمانيا. - ضد الإسلام: يشكل المسلمون ورموزهم في بعض دول الاتحاد إحدى معارك أحزاب اليمين المتطرف، وضدا على قيم الأنوار القائمة على التسامح والاختلاف، ليس من أوروبا ولا ينبغي أن يكون جزءا منها. على هذا الأساس تجد هذه الحركات السياسية روابط بينها وأسسا مشتركة تنهض عليها لفرض سياساتها الإقصائية ونشر العنصرية واستفزاز الجاليات العربية والمسلمة في دول هذه القارة مهددا الاندماج والتعايش بين الشعوب. وقد بدأ الأمر يتحقق عمليا وتدريجيا بوصول أحزاب منها إلى مواقع صناعة القرار في بعض الدول الأووربية. عنصريون جدد تنامي قوة اليمين المتطرف موجة تجتاح كل الدول الأوروبية وغير مرتبطة بهذا البلد أو ذاك، فأسهم العنصريين الجدد ورموز الشوفينيين تتصاعد تباعا في ألمانيا والمجر وسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا والنمسا. فقبل أسبوع كانت رئاسة جمهورية النمسا قاب قوسين من الوقوع بين يدي زعيم المرشح اليميني المتطرف نوربرت هوفر بعدما تصدر نتائج الدور الأول 36 في المائة من أصوات الناخبين متقدما على ممثل حزب الخضر ألكسندر فان دير بلين، الذي حصل على 20 في المائة. أما لدى الجرمان فحزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي لم يجف بعد مداد تحرير صك ميلاده "تأسس الحزب عام 2013" فبدأ في الزحف رويدا بعدما نجح في الولايات الغربية بنسب أصوات تراوح ما بين 10 في المائة إلى 15 في المائة من مجموع الأصوات، واحدة منها معقلا للحزب الحاكم حاليا. كما نجح الحزب الذي يبدو متماسكا وقويا أكثر من ذي قبل في شق معسكر الديمقراطيين بظهور تيارات وأجنحة داخل أحزابهم، وتباين المواقف حيال عديد من القضايا يعد حزب "البديل من أجل ألمانيا" واحدا منها. فهذا وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله - المعروف بصراحته -، يعتبر "حزب البديل عارا على ألمانيا". وفي فرنسا معقل اليمين المتطرف ممثلا بالجبهة الوطنية الفرنسية التي ضاعفت تمثيلها ثلاث مرات في الانتخابات الأخيرة في فرنسا مستغلة أخطاء الحزب الاشتراكي الحاكم، وتخبط يمين الوسط في فرنسا، فقد بات من المؤكد أن سيناريو رئاسيات 2002 حين بلغ جان ماري لوبين الدور الثاني ضد جاك شيراك سيتكرر في انتخابات العام المقبل مع ابنته مارين لوبن زعيمة الجبهة حاليا. إن سقوط باريس وبرلين في أيدي اليمين المتطرف يعني في أسوأ الأحوال نهاية الاتحاد الأوروبي وفي أحسنها استعادة النازية والفاشية في أواسط القرن الماضي. وحتى لا يقع ذلك لم يجد مراسل جريدة "لو باريزيان" في برلين كريستوف بوردوازو حرجا من التحذير مما يتهدد أوروبا بقوله "تعاملوا مع اليمين الشعبوي بجدية، وإلا فستصبح ألمانيا مثل فرنسا. فقد تجاهلت فرنسا حزب الجبهة الوطنية لفترة طويلة، والآن أصبح هذا الحزب أقوى حزب في فرنسا. ولذلك لا يجوز لألمانيا أن تكرر ذات الخطأ في تعاملها مع حزب البديل من أجل ألمانيا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم