«الشيبة» .. حياة مختلفة على كوكب «أرامكو»

«الشيبة» .. حياة مختلفة على كوكب «أرامكو»

«الشيبة» .. حياة مختلفة على كوكب «أرامكو»

«الشيبة» .. حياة مختلفة على كوكب «أرامكو»

«الشيبة» .. حياة مختلفة على كوكب «أرامكو»

قبل العشرين من أيار (مايو) الجاري كان السؤال منطقيا: كيف يعيش "رجال النفط" في الصحراء القاحلة؟.. لكن اكتشاف نحو 15 إعلاميا سعوديا للحياة هناك جعل السؤال المنطقي هو التالي: كيف هي الحياة على كوكب أرامكو؟ نعم.. كيف استطاعت "أرامكو" أن تجعل الحياة لموظفيها في حقل "الشيبة" ممكنة، بل وتحظى بامتيازات عديدة. يبدو أن قصيدة الراحل غازي القصيبي في ذكرى المئوية الأولى: "نفط يقول الناس عن وطني ما أنصفوا.. وطني هو المجد" أفضل شعار لدرة المجد السعودية المتمثلة في شركة الزيت العربية السعودية "أرامكو" التي ما إن وطئت أرضا إلا أحيتها منذ تأسيسها عام 1933، وهو العام ذاته الذي اكتشف فيه حقل الشيبة الواقعي شرق المملكة وسط كثبان رملية ما حول تلك الصحراء المنعزلة عن العالم إلى مدينة صغيرة تجسد صورة الحياة البراقة في كوكب "أرامكو" التي لا يدفع موظفوها شيئا للحصول عليه، فالطعام، والخدمات التقنية، حتى غسل الثياب يتم بالمجان. واكتشفت كنوز "حقل الشيبة" مطلع تسعينيات الميلادية من القرن الماضي، وبات حاليا يحتوي مئات آبار النفط والغاز، وسينتج خلال أسبوعين من الآن نحو 1.2 مليون برميل من النفط والغازي يوميا. ويعزز هذا الحقل خطط شركة أرامكو في التوسع بصناعة النفط والغاز عالميا، إذ يؤكد أمين الناصر الرئيس التنفيذي للشركة لـ "الاقتصادية"، أن أرامكو ستتوسع في إنتاج الغاز وفق خطتها الساعية إلى إنتاج 23 مليار قدم مكعب يوميا عام 2025. #2# حقل الشيبة النفطي، حمل هذا الاسم نسبة إلى جغرافيته الشبيهة بالعروق في جسد الرجل المسن، حتى بات يعرف بهذه التسمية، منطقة محاطة بكثبان رملية يصل ارتفاع الواحد منها إلى نحو 200 متر، ما دفع "أرامكو" إلى البناء فيها بشكل عمودي، لتوفير بنية تحتية وسكنية وتقنية تساعد العاملين البالغ عددهم نحو 1500 شخص لإنجاز مهامهم وسط موقع محاط بجهات أربع قاحلة، وتبعد أقرب نقطة مدنية منه نحو 400 كيلو متر (منفذ البطحاء الحدودي بين السعودية والإمارات). الحقل الذي يبعد عن مقر الشركة في مدينة الظهران أكثر من 600 كيلومتر، يعمل على إنتاج برميل من كل عشرة براميل نفط في المملكة، كما ينتج الحقل ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا، ويعمل الموظفون وفق نظامين لساعات العمل، الأول يبدأ بأسبوع عمل يطلق من السبت وينتهي الأربعاء، بينما تتمثل طريقة العمل الثانية في العمل مدة أسبوع، ومن ثم الحصول على إجازة ثلاثة أيام، وبعد العودة يعملون مدة أسبوع، ويحظون هذه المرة بإجازة أربعة أيام. مهبط للطائرات، وأقسام صيانة، ومساندة، وإطفاء، وكهرباء، ومركز للاتصالات، ووحدات سكنية، ومكتب للبريد، وصالات رياضية، ومغسلة، ومطعم، وكل ما يتوافر في أي مدينة عصرية تجده في كوكب "أرامكو" الخاص، ولموظفيها، إذ باستثناء حبات الرمل التي تلامس الوجوه بحرارتها اللافتة لا يمكن أن تتخيل نفسك وسط صحراء غنية بمكنوناتها من الذهب الأسود، والغاز. #3# لكن هذه الإمكانات الهائلة المتوافرة في "حقل الشيبه" الذي زاره عدد من وسائل الإعلام المحلية نهاية الأسبوع الماضي، خلال جولة شملت مقر الشركة المهيب في مدينة الظهران (شرقي السعودية) لم تكن لتصبح إلا – كما يقول أحد مهندسي أرامكو الذي صحب الصحافيين في جولة عبر حافلة نقل مكيفة من خلال ميكروفون يتحدث به من المقصورة، بتطور إمكانات الهندسة الجيولوجية في بداية التسعينيات من القرن العشرين، ما ساعد على انطلاق الإنتاج فيه عام 1998. بالنسبة للكثير من السعوديين تظل "أرامكو" علامة فارقة، لكنها في الوقت نفسه شركة سرية لا يعرف عنها سوى المميزات الممنوحة لموظفيها الذين يحطون بوظائف يحلم بها غالبية المواطنين. أخيرا شرعت أبوابها لوسائل الإعلام المحلية والدولية، وزيارة حقل الشيبة النفطي في أمر يعكس التوجهات الجديدة للدولة السعودية في ألا يكون التعامل مع الشركة وكأنها دستور للمملكة – بحسب ولي ولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن رؤية 2030. قصة الغرام بدأت كقصص المحبين في الذاكرة الشعرية؛ منذ اللحظة الأولى.. كما كان يتغزل أحد الصحافيين في الكرسي المجاور" كأمواج عاشقة حالمة وقعت في غرام الشمس بدت رمال حقل شيبة، حيث الربع الخالي أكبر بحر من الرمال المتصلة في عالم بعيد عن العالم".. كانت تلك الصورة الذهنية الأولى التي رسمت في عقول الصحافيين وهم يشاهدون الحقل من نوافذ الطائرة الخاصة التي أقلتها من مطار الدمام في رحلة امتدت لأقل من ساعة. #4# وما إن بدأت الطائرة تقترب من الهبوط في مهبط الحقل الجوي، بدأ الجميع في تجهيز الهواتف النقالة لتصوير الرمال الممتدة على مد البصر، فيما بدت الشمس خلف غلالة من الغبار تتهيأ للوداع، ونزل الإعلاميون قبل غروبها بساعتين تقريبا. وفيما كان الإعلاميون منشغلون بالتصوير حث فؤاد ذرمان من منسوبي شركة أرامكو الجمع باستعراض مرافق المشروع، بداية، على أن يتاح الوقت لهم للتصوير من على قمة الكثيب الهائل الذي يجاور المجمع السكني للموظفين. وبدأت الجولة داخل جدران حقل الشيبة من معرض للصور الفوتوغرافية على جدارين في المبنى الرئيس، ويتصدرها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز خلال افتتاحه للحقل، إضافة إلى صور لوزير النفط السعودي السابق المهندس علي النعيمي، والمهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الحالي، مع مجموعة من ضيوف عرب وأجانب زاروا الحقل في فترات سابقة. وليس الإنسان وحده يمكنه العيش في كوكب أرامكو، إذ يثير الفضول تلك الحيوانات التي تعيش في محمية طبيعية مجاورة للحقل، لمشاهدة الزوار القادمين على غير العادة، ومن أبرزها حيوان المها العربي. وتنقل بعدها الصحافيون في أقسام الحقل، إذ استمعوا إلى شرح عن طرق وآليات العمل الذي ينتج حاليا 950 ألف برميل يوميا من مهندسي "أرامكو" الذين يمثل السعوديون نحو 91 في المائة منهم، للتعرف على طرق استخراج النفط والغاز من طبقات الأرض المحتوية على العنصرين، إضافة إلى عنصر الماء. جولة حقل الشيبة كان ختامها "رومانسيا" بمشاهدة غروب الشمس وهي تذوب في بحر من الرمال ليبتلعها الأفق البعيد بحنو ورقة تتضاد مع طبيعة الصحراء الموحشة. الشاهد أن الرحلة للحقل النفطي كانت لصحافيين أمضى بعضهم أكثر من عقدين في مهنة الصحافة دون أن يعرف سر الأسطورة النخبوية "أرامكو"، لكنه عرف السر في عدة مفردات تلخص الحياة على كوكب أرامكو: الدقة، والتخصص، والإنجاز، وكوادر بشرية سعودية تعكس قبل النفط والغاز المجد السعودي الذي عبر عنه شعرا الوزير الراحل غازي القصيبي.
إنشرها

أضف تعليق