المشراق

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

بناها الشيخ مع تلاميذه فأنجبت المبدعين

مدينة ضاربة في أعماق التاريخ النجدي .. مدينة العلم والشعر، أنجبت الكثير من العلماء والقضاة، وأنجبت شعراء مبدعين، وفي مقدمتهم صريع العشق والغرام ابن عبد الرحيم التميمي، أحد قدماء شعر النبط، ومضرب المثل في الحب. مدينة أشيقر، أو وشيقر كما يسميها الكثير، مدينة في وسط السعودية في إقليم الوشم .. يمتد تاريخها مئات السنين، وورد ذكرها في كتب البلدانيات وفي أشعار العرب الأوائل والأواخر. ويقال إنها سميت بذلك نسبة إلى جبل بجوارها اسمه أشقر، وقيل لأن تربتها تميل إلى الشقرة والحمرة .. وكانت تسمى قديما عكل. وتقع أشيقر في الشمال الغربي من مدينة الرياض، وتبعد عنها قرابة 200 كيلومتر. #2# كانت هذه المدينة حاضرة العلم وقاعدته في نجد خلال وقبل القرن العاشر، وأشارت إلى ذلك التواريخ والوثائق بوضوح. يقول العلامة حمد الجاسر: "كانت مدينة أشيقر في القرن العاشر من أبرز مدن نجد وأشهرها من حيث كثرة العلماء الذين تولوا مناصب القضاء في مختلف مدن وقرى نجد".وقد حرص أهل هذه المدينة على العلم حرصا كبيرا .. فدرسوه ودرسوه في مساجدهم وبيوتهم .. وكان بعض طلبة العلم من المدن والقرى الأخرى يفدون إلى أشيقر لطلب العلم على علمائها، كما أن بعض أهل أشيقر كانوا يرحلون في سبيل العلم، وزخرت هذه المدينة بعدد من المكتبات التي تحتوي على الكثير من المخطوطات والوثائق والوصايا، وما زالت بين يوم وآخر تكشف لنا عن مخبوئها. وكعادة المدن يزدهر العلم فيها فترة ويضعف فترة أخرى، حسب الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها المدينة والمنطقة. #3# الحميدي: في عام 1319هـ ولد في مدينة أشيقر مولود جديد، كان له مع مدينته موعد جميل: عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان أباحسين، المشهور بلقب الحميدي، وهو من أسرة عرفت بالعلم والدين والفضل. أحب عثمان العلم منذ طفولته، فدرس في الكتاتيب، وتعلم القراءة والكتابة، ثم واصل دراسته على بعض علماء بلدته، وحفظ القرآن الكريم. لم يكتف عثمان بما حصله من العلم في مدينته، فقرر السفر إلى مدينة الجبيل عام 1342هـ للدراسة على عالم جليل هو الشيخ القاضي محمد البواردي، وللعمل وكسب المعيشة أيضا. فركب الإبل مع قافلة متوجهة إلى الجبيل، وحط رحاله فيها، وتوجه إلى شيخه البواردي ليبدأ مرحلة جديدة من التعليم، فلازمه وقرأ عليه المتون الفقهية والعلمية، وتعمق في دراسة علوم الدين واللغة، كما اهتم بالتاريخ والأدب والأنساب. وبعد أن أدرك الشيخ عثمان على يد شيخه الجديد مبلغا كبيرا من العلم، أصبح مؤهلا للتعليم والتدريس، فبدأ بتدريس كبار السن في الجبيل، وظل في التعليم سنوات يدرسهم القرآن الكريم والكتابة والقراءة ومبادئ العلوم. #4# وعاود الشيخ شوقه وحنينه إلى بلده ومسقط رأسه، فشد الرحال عائدا إلى أشيقر، فاستقبلوه بالحفاوة والترحاب، وعينه القاضي إماما لمسجد الشمال بدلا من عمه الذي أرهقته الشيخوخة وطعن في السن، ومسجد الشمال من أكبر مساجد أشيقر وأقدمها، وهنا تبدأ قصة جديدة. المدرسة: بفكر ثاقب ووعي وإدراك بأهمية العلم .. رأي الشيخ عثمان ضرورة انتشار العلم في مدينته، ورأى فيه المستقبل لأطفال هذه المدينة الذين قد لا تتاح لبعضهم فرصة التعليم، فأخذ يوجه الأهالي والأبناء بأهمية التعليم وضرورته للدين والدنيا، وكان على جانب كبير من اللطافة والسماحة ولين الجانب وحسن الخلق، فاجتمع حوله عدد من الطلاب الراغبين في التعليم، وقرر الشيخ عثمان أن يبني مدرسة صغيرة لهؤلاء الطلاب، وتعاون مع طلابه وبدأوا ببناء المدرسة بأنفسهم وجعلوها ملحقة بالمسجد الذي يؤمه. كانوا يبنونها بأيديهم في أوقات فراغهم، فاستغرق البناء سنتين، يعملون بكل جد وحماسة، بكل إخلاص وتفان، تطوعوا للعمل رغبة في العلم والمعرفة. ولم يأت عام 1360هـ إلا والمدرسة معدة للدراسة، فالتحق فيها 25 طالبا ثم توالت الدفعات فيما بعد. #5# اعتمدت المدرسة الجديدة نظاما في التعليم، فجعلته قسمين: القسم الأول للمبتدئين في التعليم، وغالبهم من الأطفال، وهو ما يوازي التعليم الابتدائي اليوم.والقسم الثاني لمن هم أكبر سنا وأكثر تحصيلا علميا، وفي هذا القسم يدرسون بتوسع وتعمق، ويدرسهم العلماء في حلقات علمية مكثفة. استمر الشيخ على هذا المنوال عدة سنوات، وتخرج على يديه دفعات من التلاميذ وطلاب العلم. وفي عام 1369هـ أغلقت هذه المدرسة أبوابها، بعد أن درس فيها رعيل من أطفال وشباب أشيقر وغيرها. ولم يكن إقفالها إهمالا، بل لأن البديل الأفضل جاء. فقد افتتحت مديرية المعارف في هذه السنة مدرسة حكومية جديدة، بنظام جديد، وعينت فيها مدرسين، كان أحدهم الشيخ عثمان، واستمر مدرسا مدة 22 عاما حتى تقاعده النهائي عام 1392هـ. أنموذج لإنسان وهب حياته للعلم والتعليم، وعلى يديه تخرجت أجيال، ما زالت ألسنتهم تلهج بذكره والثناء عليه. رحل الشيخ عثمان عن الحياة عام 1417هـ، بعد حياة زاخرة بالعطاء والوفاء، وبقيت ذكراه وأعماله، وبقيت مدرسته حتى اليوم ببنائها الذي يحمل بصماته هو وتلاميذه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق