ثقافة وفنون

هاني حيدر: الرواية السعودية تمر بمرحلة «إعادة تشكل»

هاني حيدر: الرواية السعودية تمر بمرحلة «إعادة تشكل»

هاني حيدر: الرواية السعودية تمر بمرحلة «إعادة تشكل»

وصف الروائي السعودي هاني حيدر الرواية السعودية بأنها تمر بمرحلة تشبه إعادة التشكل، وتمر بمخاض سيُخرج - بإذن الله - خلال السنوات المقبلة أفضل ما عندها، شريطة أن يحظى الكتاب الشباب بدعم أكبر من المؤسسات الرسمية ومن دور النشر المحلية، وأن تُردم الفجوة بينهم وبين النقاد والكتاب الأكثر خبرة. وانتقد حيدر نظرة كثير من كبار النقاد إلى الأدب الشبابي، حيث يُنظر إليه أحياناً بنظرة دونية، متناولاً تجربته في إصدار رواية "ملحمة أركاديا"، وهي فانتازيا تاريخية، استغرقت كتابتها سبع سنوات. صدر لحيدر مجموعة قصصية بعنوان "لحن الحداد" عام 2014، وسلط الضوء في حديثه على تجربته في كتابة الرواية الملحمية. فإلى نص الحوار: صدرت لك رواية "ملحمة أركاديا"، وهي فانتازيا تاريخية، كيف تشكّلت فكرتها وكيف تخمّرت؟ عندما أبحث في تاريخ كتابتي لملحمة أركاديا لا أجد لحظة مفصلية معينة تشكلت فيها الرواية، أو يوماً محدداً قلت في نفسي سأكتب اليوم هذه القصة، كنت وما زلت مولعاً بقراءة التاريخ والملاحم والمعارك شغوفاً بالأساطير والفانتازيا والروايات العجيبة، ورغم ذلك كنت أحب أن يكون عملي الروائي الأول واقعياً كما حصل في قصص مجموعة "لحن الحداد"، لكنني بدأت بكتابة أركاديا على سبيل التجربة والتمرن استعداداً لإخراج رواية اجتماعية كانت فكرتها تتشكل في ذهني آنذاك، ومع مرور الوقت واتتني فكرة نشرها خصوصاً مع ندرة أعمال الفانتازيا في المنتوج المحلي. كنت تكتب القصة القصيرة، والآن تكتب الرواية. حدثنا عن هذا الانتقال؟ وهل له محاذير؟ منذ بداية تعلمي الكتابة وأنا أكتب الرواية، وظللت مدة طويلة كذلك حتى أدركت مع بداية دراستي الجامعية صعوبة كتابة الرواية، ولا سيما أنها تأخذ وقتاً طويلاً حتى تكتمل وترى بعينك أخطاءها، ولم أكن أريد أن أنشر عملاً روائياً لا يليق بالقراء، لذلك توقفت عن كتابة الرواية مدة من الزمن، وانخرطت في كتابة القصص القصيرة من أجل صقل موهبتي الروائية وتعلم مزيد من الأساليب في الكتابة وطلب النضج الأدبي. وفي الحقيقة اكتشفت خلال تجربتي البسيطة أن كتابة القصة أكثر صعوبة من كتابة الرواية، فهي تتطلب مزيداً من التركيز في العبارة ورشاقة في عرض الفكرة دون حشو زائد ولا سرد مترهل، فكل مفردة ينبغي أن تكون مدروسة وبدقة عالية، الأمر الذي جعلني أعود إلى رحابة الرواية من ضيق القصة. هل هناك إسقاط من أحداث الرواية على الواقع؟ كل خيال مسطور لا بد أن يكون له ظل ممدود على أديم الواقع، ولن أكون مثالياً وأدعي أن الرواية منسوجة من خيال محض، فالكاتب جزء من مجتمعه يهتم لهمومه ويشاركه أحزانه وأفراحه، ويعبر عن ذلك ويصدح برأيه بالطريقة المثلى التي تناسبه وهي الكتابة. ألا تخشى قرصنة الرواية على الإنترنت؟ وكيف تتعامل مع الأمر؟ يحرص كل كاتب على وصول كتاباته إلى أوسع شريحة من القراء، ولا سيما في هذا الزمن الذي يشهد صحوة ثقافية وإقبالاً على القراءة يفوق ما مضى، لكن هذا لا يعني عدم حفظ حقوق الكاتب والناشر أدبياً فكرياً ومادياً، خصوصاً مع توافر المكتبات التقليدية والإلكترونية وخدمات التوصيل وتطبيقات القراءة الإلكترونية على منصات الأجهزة الذكية باختلاف أنواعها، لذلك أرى أن من كان مستطيعاً الوصول إلى الكتاب المطبوع وشرائه فليفعل، ومن كان لا يستطيع الوصول إليه وكان قادراً على شرائه وقراءته إلكترونياً فليفعل، ومن لم يستطع ذلك كله فليقرأ بالشيء المتاح. #2# قيل إنك استغرقت في كتابتها سبع سنوات. هل هذا صحيح؟ ولماذا؟ كما ذكرت آنفاً لم تزل نظرتي للفن الروائي تتسم بالتبجيل، فطوال تلك السنوات لم أكن أنظر إلى "أركاديا" باعتبارها رواية قابلة للنشر، أردت فقط أن أتعلم من خلالها فنوناً جديدة في الكتابة وممارسة شغفي الروائي بمنأى عن أعين النقاد والقراء، لكن بعد انتهائي من فصول الرواية الأولى وتجرؤي على عرضها على عدد ممن أثق بذائقتهم الأدبية وانتفاء أسباب المجاملة الشخصية وقياس ردود أفعالهم اقتربت من قناعة النشر، التي راوحت فيها خلال تلك السنوات حتى قررت تعليق المشنقة لمسيرتي الأدبية، فقدمت الرواية إلى دار النشر متمتماً بالشهادة على مسيرتي الأدبية، والحمد لله كانت ردود القراء والمتلقين مخالفة لمخاوفي وتصوراتي. قلت في حديث سابق إنك قرأت 50 كتابا في فنون الحرب لحبك الملحمة. ماذا يتطلب من الروائي كي يكتب ملحمة؟ وهل يتطلب قراءة هذا الكم من الكتب؟ قيل قديماً: لتكتب سطراً عليك أن تقرأ كتاباً، ولتكتب كتاباً عليك أن تقرأ خمسة كتب، ولطالما تحدث النقاد والروائيون عن أهمية أن يكون الروائي ذا ثقافة موسوعية واطلاع عميم، حتى يسخّر ثقافته إضافة إلى خياله وموهبته وتجربته الحياتية في كتابة أسطر تليق بالقراء وتزيد من معارفهم، وتضيف قيمة إلى عقولهم ومكتباتهم، وفي الحقيقة لا أدري هل يتطلب الأمر قراءة هذا الكمّ أم لا، لكن لو عاد بي الزمان وهممت بكتابة الملحمة من جديد لزدت من المصادر وقرأت كتباً أكثر. ألا تخشى ألا يفهم القراء بعض المصطلحات التي استخدمتها في الملحمة؟ في رأيي من مهام الرواية وخصائصها تثقيف القارئ وصقل لغته وزيادة منسوب المفردات في قاموسه، والحفاظ على كثير مما ورثناه من لغتنا العربية الفصحى، ولقد حاولت في هذه الرواية الزجّ بعدد من المصطلحات التي تدخل القارئ في جو أسطوري ملحمي مقارب للحقبة الزمانية المتخيلة في العمل، مع الحرص على تفادي المفردات الموغلة في الغرابة، والاكتفاء بالتي يمكن فهم معانيها من سياق الجملة، والحمد لله تلقيت عديدا من الردود الإيجابية حول هذه المصطلحات. هل لقيت الملحمة ما تستحقه من نقد؟ بفضل الله تلقيت عديدا من المراجعات من القراء فنّدت الرواية وأحداثها وتفاصيلها بشكل جيد، لكنني بحكم أنني كاتب الرواية أعلم أن ثمة كثيرا من التفاصيل التي لم تُقرأ من سطورها، وهذا في الحقيقة دور النقاد المحنكين الذين للأسف تفتقدهم الساحة الأدبية حالياً، لا نزال في زمننا المعاصر نفتقد الناقد المنصف الذي يتلقى العمل بموضوعية بعيداً عن الأحكام المسبقة، فنظرة كثير من كبار النقاد دونية - أحياناً- إلى الأدب الشبابي، ولا ننكر ضعف كثير منه، لكن الشباب بحاجة إلى الدعم والنقد البناء وليس إلى المعاداة والمحاربة والإسقاط، ولا سيما أن هذا الزمان هو زمانهم، وهم أمر حاصل واقع لا مناص منه، فليت بعض نقادنا الكبار يلتفتون إلى المنتوج الأدبي الشبابي ويقرأونه بعناية ويحتوون الشباب من أجل مشهد أدبي محلي أكثر روعة. هل تطمح إلى تحويل "ملحمة أركاديا" إلى مسلسل تلفزيوني؟ وما شروطك لهذا العمل؟ لا شك أن كل كاتب يتمنى أن يتحول خياله المكتوب إلى واقع ملموس يصل إلى المشاهدين عبر الشاشات الفضية، ومن حيث المبدأ لا مانع عندي إلا أنني أطمح أن تقدم الرواية بشكل يليق بها. كيف يستقي هاني حيدر عناوين إصداراته؟ ومن أين استوحيت كلمة "أركاديا"؟ عناوين الإصدارات لا بد أن تتسم بالجاذبية والغرابة والجمال والتفرد، وفي ذات الوقت تكون مرتبطة بجوهر العمل وتشكل أحد مفاتيح الوصول إلى مضامينه. بالنسبة إلى "أركاديا" كنت أبحث عن اسم يضفي لمحة أسطورية ملحمية على الرواية، ويحمل في طياتها معنى آخر لا يزال خفياً على كثير من القراء، فوجدت ضالتي في هذا الاسم الذي يعود حقيقة إلى مملكة يونانية قديمة لم يتبق منها حالياً إلا مقاطعة صغيرة شديدة الجمال. خلت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2016 من أي اسم روائي سعودي. في رأيك لماذا؟ وهل تشكل هذه الجوائز هاجساً لك؟ في رأيي إن الرواية السعودية هذه الأيام تمر بمرحلة تشبه إعادة التشكل، تمر بمخاض سيُخرج - بإذن الله - خلال السنوات المقبلة أفضل ما عندها، شريطة أن يحظى الكتّاب الشباب بدعم أكبر من المؤسسات الرسمية ومن دور النشر المحلية، وأن تُردم الفجوة بينهم وبين النقاد والكتاب الأكثر خبرة. وبالنسبة إلي هاجسي الوحيد هو تقديم أعمال روائية تستحق القراءة وتليق بالقراء بعيداً عن الجوائز والاستحقاقات الشخصية. بين تجربتيك الأدبيتين الأولى والثانية. كيف تقيّمهما؟ تجربة القصص القصيرة كانت محفوفة بالمغامرة، إذ إن المرحلة هذه الأيام لا تدعم فن القصة بشكل كبير، أما التجربة الثانية فكانت أكثر نضجاً إذ أقدمت عليها واضعاً في الحسبان جميع الأخطاء السابقة مع خطط لتلافيها، والحمد لله كانت مرضية إلى حد كبير. ما مشروعك الروائي المقبل؟ أعكف هذه الأيام على عمل روائي مختلف عن "أركاديا"، أتمنى أن ينال رضا الجمهور وأن يرقى إلى ذائقتهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون