أخبار اقتصادية

الدول الدائنة لليونان في مأزق تخفيض غير مشروط لعبء الإقراض

الدول الدائنة لليونان في مأزق تخفيض غير مشروط لعبء الإقراض

استبق صندوق النقد الدولي اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو ووضع لهم الإطار العام لاجتماعهم بشأن اليونان. ولم يتردد الصندوق في أن يعيد العلاقة بين منطقة اليورو واليونان إلى نقطة البداية والخلاف أيضا، إذ طلب أن تلتزم المؤسسات الدائنة لأثينا بأن تقدم تخفيضا غير مشروط لعبء الدين اليوناني. ولا شك أن هذا الموقف من قبل صندوق النقد يلقى ترحيبا من الحكومة اليونانية التي مررت يوم الأحد الماضي حزمة إصلاحات تتضمن تدابير تقشفية تسمح بتوفير نحو 1.8 مليار يورو للخزينة العامة، لكن تقارب وجهات نظر الحكومة اليسارية في اليونان وصندوق النقد لا يعني أن ما يقترحه الصندوق سيمر بسلاسة خلال اجتماع وزراء مالية اليورو. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور ستد ستيفن أستاذ الاقتصاد الأوروبي "الذي شجع صندوق النقد على تبني هذا الموقف الداعم للحكومة اليسارية في اليونان، أن الفترة الماضية شهدت تغيرا في طبيعة المؤسسات الدائنة لأثينا. فمعظم الديون اليونانية الآن يجب سدادها لدائنين رسميين أي حكومات أو مؤسسات حكومية وليس للقطاع الخاص، ومن ثم فالخصومات التي ستمنح لليونان سيقع عبئها الأكبر على دافعي الضرائب في البلدان الدائنة، وليس على المستثمرين في القطاع والشركات والمؤسسات المالية الخاصة، ومن ثم فالقضية الآن في يد الحكومات الدائنة". وأضاف "لكن هذا لا ينفي أن الاجتماع ربما يشهد مواجهة حادة بين صندوق النقد من جانب ووزير المالية الألماني من جانب آخر، فألمانيا حتى الآن تقاوم مطالب الصندوق بتخفيض الدائنين للديون اليونانية، قبل أن تنتهي الحكومة اليونانية من إكمال برنامجها للإنقاذ الاقتصادي الذي تتبنى الحكومة بمقتضاه إجراءات اقتصادية تقشفية ستستمر حتى عام 2018، فالتساهل مع اليونان حاليا قد يدفع بالسلطات الحكومية إلى خفض حدة برنامجها التقشفي من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو شعبية، في المقابل يعتقد صندوق النقد أن تلك المحفزات من قبل الحكومات الدائنة، ستبعث بإشارات إيجابية لرجال الأعمال والمستثمرين في العالم بالعودة إلى اليونان مرة أخرى لأن الأوضاع الاقتصادية في تحسن". وإذا كان جدول أعمال اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو سيركز في المقام الأول على مسألة منح اليونان 11 مليار يورو مساعدة اقتصادية، فإن القضية الأكثر أهمية ستتركز على كيفية تخفيف عبء الدين اليوناني البالغ 321 مليار يورو أي ما يعادل نحو 180 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يطرح وزراء مالية منطقة اليورو حزمة مركبة لتخفيف الدين اليوناني، تتضمن إطالة أجل سداد القرض، وخفض أسعار الفائدة، وتأجيل المدفوعات. ومع هذا فإن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن هذا لن يكفي لإخراج الشعب اليوناني من أزمته الاقتصادية الراهنة. وتعتقد الدكتورة دوت سيمون الاستشارية في الاتحاد الأوروبي ورئيسة قسم الاقتصاد في جامعة لندن سابقا، أن تحسين وضع اليونان الاقتصادي يتطلب السير في محورين متوازيين يدعمان بعضهما بعضا. وقالت سيمون لـ "الاقتصادية" "الحلول المطروحة حاليا تخفف من حدة الأزمة وتمنع انفجارها، لكنها لا تمثل حلا جذريا لها على الأمد الطويل. إنما حل الأزمة يتطلب مزيدا من إجراءات الإصلاح الاقتصادي الأكثر عمقا مما تتبناه الحكومة اليسارية الحالية، على أن يرتبط ذلك بمحور آخر، فبدلا من المساعدات لا بد أن تقوم منطقة اليورو وتحديدا ألمانيا باستقطاعات ملموسة من إجمالي الديون اليونانية لتقليص قيمتها المالية، السير على هذين المحورين سيؤدي إلى خفض فترة السداد والمدفوعات في آن واحد". وأضافت "الخطة التي تطرحها منطقة اليورو لإخراج اليونان من أزمتها، تعني أنه لن يكون في قدرة الاقتصاد اليوناني تحقيق نمو اقتصادي عال حتى منتصف القرن الراهن تقريبا، وتلك فترة زمنية طويلة يصعب على أي اقتصاد أو مجتمع أن يواصل استمراريته الاقتصادية خلالها". لكن مع هذا فإن بعض المختصين يعتقدون أن مشهد الدين اليوناني والعلاقة مع القوى الداخلية والخارجية يشهدان تغيرا ملموسا قد ينبئ مستقبلا بتغيرات تصب في مصلحة اليونان. ويعتقد الباحث الاقتصادي مايكل بي جى أن ما يبديه صندوق النقد الدولي الآن من تعاطف مع اليونان، يكشف عن تعاطف داخل الإدارة الأمريكية مع الحكومة اليونانية، والإجراءات التقشفية العنيفة التي أُجبرت على تبنيها، واذا أفلحت أثينا في استخدام الكروت المتاحة لها بمهارة، فإن نطاق التعاطف معها سيتسع داخل بلدان منطقة اليورو. وبمرور الوقت لربما تقف ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية التي تتبنى موقفا متصلبا تجاه اليونان حاليا بمفردهم ضد إيطاليا وفرنسا - داخل منطقة اليورو - والولايات المتحدة وصندوق النقد من خارج المنطقة". مع هذا فإن الاتجاه العام يشير إلى إمكانية وصول صندوق النقد واليونان من جانب وبلدان منطقة اليورو من جانب آخر إلى تسوية مرضية نسبيا للجميع. فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا يمكنها أن تقبل بكافة التسهيلات التي يطالب بها صندوق النقد اليونان، فألمانيا مقدمة على الانتخابات في نهاية العام المقبل، وشعبية ميركل وحزبها في تراجع جراء قضية المهاجرين والسماح لأكثر من مليون لاجئ ومهاجر بالاستقرار في ألمانيا، ومن ثم سيكون من شبه المستحيل حاليا تقديم مزيد من التنازلات الاقتصادية لليونان، كما أنه لا توجد ثقة كاملة بعد من قبل الدول الدائنة لليونان، بأن ما قامت به من إصلاحات يعد كافيا وراسخا، ولا شك أنهم في حاجة إلى عدد آخر من السنوات للتأكد من أن الأمور تسير في نصابها الصحيح. وقال لـ "الاقتصادية" بيتر بنهام المحلل المالي في ويست بنك "الدول الدائنة لليونان تقع حاليا في مأزق، فهي تعلم تماما أن مواصلة الضغط على اليونان لتبني مزيد من الإجراءات التقشفية بدعوى الإصلاح الاقتصادي، قد يدفع إلى مزيد من الركود بما يعنيه من ارتفاع معدلات البطالة بين الطبقة العاملة "25 في المائة من إجمالي القوى العاملة اليونانية في بطالة"، وإفلاس القطاع الخاص ومن ثم تراجع قدرة الحكومة اليونانية على جباية مزيد من الضرائب، وهذا يعني عمليا أن الحكومة لن تتوافر لها أموال كافية لسداد مدفوعات الدين، ولهذا السبب تحديدا سيظهر وزراء مالية منطقة اليورو ضغوطا شفاهية على اليونان لمواصلة الإصلاح الاقتصادي، لكنهم واقعيا يدركون أن عليهم التوقف عن دفع الحكومة اليونانية إلى الخلف وإلا وقعت في الهوية، وأخذت معها منطقة اليورو برمتها إذا ما أعلنت إفلاسها في يوم من الأيام".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية