Author

المصارف .. والتسويق العقاري

|
قلنا سابقا إن أزمة الإسكان التي تضخمت وكبرت مع الوقت من أهم أسبابها هو التعامل المضطرب مع سوق التمويل العقاري، ولا أريد هنا أن أتحدث عن الاحتكار وتضخم السوق العقاري حتى لا يغضب زميلنا "عبد الحميد العمري" الذي يقود بقلمه جهودا استثنائية لفضح الممارسات الاحتكارية التي أضرت بالسوق ودفع ثمنها المواطن. أعود إلى موضوع التمويل وتحديدا فيما يختص بالتسويق العقاري للمصارف، فقد كنا نتوقع أن تكون المصارف أكثر مهنية في تعاملها مع السوق العقاري باعتبار التسويق هو الركن القوي الذي يعتمد عليه في نجاح وبناء أي منظمة، فزيادة الأرباح، واستقطاب مزيد من العملاء، وفتح الأسواق الجديدة لا تأتي دون تسويق مهني ناجح، لكن الذي حدث هو العكس تماما فقد تعامل أغلب المصارف مع هذا الأمر من برج عال جدا، ولم تخرج عن بعض العروض التقليدية التي غلبت عليها المبالغة في الربح من منطق "هذا الموجود" ولا خيار آخر أيها العميل، وعليك أيها العميل أن تحضر إلينا، وتبحث عنا، لا يهم من أنت، وما احتياجاتك، ولا موقعك، أو الشريحة التي تنتمي إليها. ولو استعرضت برامج التسويق العقاري على "المواقع الإلكترونية" للمصارف فلا تجد فرقا يذكر ولا شيء يشعرك بالتنافسية إطلاقا، تشابه إلى حد الرتابة ورؤية موحدة يغلب عليها عدم الاهتمام بالسوق العقاري في معظم التفاصيل. غابت المهنية والابتكار والمرونة في التعامل مع السوق العقاري وتعطش العملاء لحلول مرنة تلبي احتياجاتهم لذلك كانت النتيجة الطبيعية هذا النفور والسخط الشعبي العارم لما تطرحه المصارف من حلول يغلب عليها الربح المتضخم والأسعار المبالغ فيها والأقساط الطويلة المرهقة وما زالت أقسام التسويق على وتيرة الأفكار نفسها التي بدأتها قبل أكثر من خمسة عشر عاما أو أقل. وحتى تتضح الصورة أكثر لو قارنا على سبيل المثال التجربة التركية للمصارف التي لعبت دورا بارزا ومؤثرا في التنمية الإسكانية وقدمت برامج شراكات ضخمة مع شركات الإعمار التركية في تصميم ضواح سكنية نموذجية في معظم المدن التركية ثم جاء الإبداع في التسويق العقاري وتصميم المنتجات بما يتناسب مع كل الشرائح، لذا لا تستغرب حين تجد المسوق العقاري للمصرف التركي يدق باب شقتك أو ينتظرك حتى تنتهي من احتساء قهوتك في مقاهي تركيا العريقة ليستأذنك في عرض مجموعة من المنتجات الإسكانية بكل ما يمكن أن تتخيله من تسهيلات وضمانات. ومع هذا النجاح للمصارف التركية ليست غريبة النتائج التي تحققت للسوق العقاري التركي ونمو الاستثمارات فيه بشكل كبير خلال السنوات الماضية مع استقطاب رؤوس أموال خليجية ضخمة جدا. إذا أرادت المصارف السعودية أن تكون شريكا فاعلا في حل أزمة الإسكان فعليها أن تقدم نفسها بما يليق وتعديل استراتيجياتها وخططها التسويقية بما يتلاءم مع مكانتها الاقتصادية.
إنشرها