FINANCIAL TIMES

ينبغي ألا تحدد الهجرة مكانة بريطانيا في أوروبا

ينبغي ألا تحدد الهجرة مكانة بريطانيا في أوروبا

هناك احتمال كبير أن تتمكن الهجرة من تحديد نتيجة الاستفتاء بشأن ما إذا كان ينبغي لبريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي. السبب في ذلك هو أن موضوع الهجرة أمر ملموس وشخصي. فهي تتحدى إحساس الناس بالهوية بطريقة لا يمكن للتجارة أن تفعلها. والطفرة غير المتوقعة في الهجرة من الاتحاد الأوروبي منذ توسيع عضويته في العقد الأول من هذا القرن أدت إلى ظهور حزب الاستقلال في المملكة المتحدة، وبالتالي ظهور قرار إجراء الاستفتاء. يغلب على مختصي الاقتصاد الاعتقاد بأنه بات من الواضح أن الهجرة أمر مفيد لجميع الأطراف. وأنا لست مقتنعا بهذا. لأن صافي الهجرة المرتفع يفرض جوانب خارجية سلبية مهمة: ازدحام أكبر، وضغط أكبر على الخدمات الاجتماعية، وارتفاع أسعار الأراضي، وحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية الأساسية والإسكان. إن تم تنفيذ استثمارات ضرورية، سيعاني الناس تكاليف باهظة. وإن لم يفعلوا، ستكون التكاليف أكبر. وكل هذا لا يمكن تجاهله تماما. علاوة على ذلك، في الوقت الذي أتقبل فيه تماما الحجج المؤيدة لفوائد التنوع، فإني أتفهم السبب في وجود اختلافات بين كثيرين، وحتى الشعور بأنهم "يخسرون" بلدهم. سيقول بعضهم إن هذه الفكرة المتمثلة في الحصول على حقوق ملكية متوارثة في بلد ما هي فكرة غير شرعية. أشعر بأنها فكرة أساسية من الناحية السياسية. ينص التقرير المتعلق بالخروج من الاتحاد، الذي صدر الأسبوع الماضي عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على أن "الهجرة تمثل نصف النمو في المملكة المتحدة منذ عام 2005، مع توفير أكثر من مليوني فرصة عمل. والقيود التي تحد من حرية حركة العمال من الاتحاد الأوروبي، والأهم من ذلك، اقتصاد المملكة المتحدة الأضعف بعد الخروج، من شأنها أن تقلل تدريجيا من حوافز الهجرة الاقتصادية إلى المملكة المتحدة وقد تكون بمنزلة تكلفة على الاقتصاد". هذا صحيح، لكنه غير مقنع. ينبغي ألا يكون الهدف هو زيادة حجم الاقتصاد. واختبار ما إذا كانت الهجرة مفيدة للمملكة المتحدة أم ينبغي ألا يتمثل في ما إذا كانت تؤدي إلى رفع المستويات المعيشية للقاطنين هناك. لحسن الحظ، ربما يكون هذا صحيحا بالنسبة لمهاجري الاتحاد الأوروبي. فهم يتمتعون بمعدلات توظيف أعلى من كل من مواطني المملكة المتحدة والمهاجرين من معظم الأجزاء الأخرى من العالم. ولدى المهاجرين من جمهورية التشيك وإستونيا وهنغاريا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا سلوفاكيا وسلوفينينا حتى معدلات عمالة أعلى مما لدى مهاجري الاتحاد الأوروبي العاديين، في الوقت الذي تكون فيه معدلات العمالة لدى المهاجرين من بلغاريا ورومانيا قابلة للمقارنة بالمتوسط السائد في الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، يسهم المهاجرون من الاتحاد الأوروبي بطريقة إيجابية في المالية العامة، رغم إمكانية الحصول على الرعاية الاجتماعية. في تعليق له على تحليل وزارة الخزانة لموضوع الخروج، الذي كان يفتقر إلى التحليل الكمي للأثر المترتب على الهجرة، يقول جوناثان بورتس، من المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إن الهجرة عملت على رفع الإنتاجية. لكن هذا يعود إلى حد كبير إلى أن "المهاجرين إلى المملكة المتحدة هم أشخاص من ذوي المهارات العالية نسبيا، مقارنة بالسكان المحليين". وهذا من المرجح أن يكون صحيحا بصفة خاصة لدى المهاجرين من الاتحاد الأوروبي، الذين درس أكثر من 40 في المائة منهم في مرحلة ما بعد الثانوية. تبين أن صافي التدفقات القادمة من الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير مما كان متوقعا في مطلع القرن الحالي. لكن المهاجرين من جميع الدول الأعضاء الموجودة الآن كان يمكنهم الوصول إلى المملكة المتحدة لبعض الوقت. وربما الرغبة المكبوتة سابقا في الهجرة قد أشبعت الآن. والأعضاء الجدد المحتملون هم دول البلقان الصغرى. وجزئيا بسبب الالتزام بقبول الهجرة الحرة، يبدو أن من غير الممكن تصور عضوية كل من تركيا وأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي الآن. بالتالي، ينبغي لتلك الدول الأكثر اهتماما باستمرار صافي التدفق الداخل أن تشعر بالارتياح من فكرة أنه سيتباطأ على الأرجح الآن، بشرط أن لا تنهار منطقة اليورو في حالة من الفوضى. علاوة على ذلك، لم تكن النرويج ولا سويسرا قادرتين على تجنب الالتزام بقبول حرية انتقال اليد العاملة. وفي حال قررت المملكة المتحدة أن تفرض ضوابط على مهاجري الاتحاد الأوروبي، فإن هذا من شأنه بالتأكيد أن يجعلها تفقد إمكانية الوصول التفضيلي إلى السوق الموحدة. كما أنها قد تتعرض لبعض الصعوبات أيضا في تصميم سياسة جديدة خاصة بها. من المفترض أنها ستكون أكثر تقييدا إلى درجة لا يستهان بها من الوقت الحالي، في الوقت الذي تكون فيه منفتحة أمام هجرة الأشخاص من ذوي المهارات العالية. في الوقت الذي تحقق فيه الفئة الأخيرة إسهامات مالية واقتصادية صافية كبيرة نسبيا، إلا أن أثرها على أسعار المساكن من المحتمل أن يكون كبيرا إلى حد ما. خلاصة القول، يعد الاهتمام بموضوع الهجرة غير الخاضعة للسيطرة من الاتحاد الأوروبي أمرا مفهوما. لكن المهاجرين من الاتحاد الأوروبي لا يتسببون في كثير من المشاكل المتعلقة بالتكامل ولهم قيمة كبيرة نسبيا من الناحية الاقتصادية. وحتى لو اعتقد شخص ما أن الآثار الجانبية السلبية من جراء الهجرة كبيرة، وهو أمر وارد، ينبغي له أن يعترف أيضا بمدى حماقة الخروج من الاتحاد الأوروبي بسبب هذه القضية. وبدلا من ذلك ينبغي للبلد إعادة تركيز طاقاتها على سياسات إدارة التكاليف، أساسا عن طريق زيادة العرض من المساكن وتحسين البنية التحتية. يمكن للاقتصاد الحيوي تحقيق المكاسب من جراء استيراد الأشخاص الذين يرغبون في العمل ولديهم المهارات اللازمة أيضا. بالتالي، الهجرة في الواقع تشكل تحديا، لكنها ليست سببا وجيها لاختيار الخروج.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES