أخبار اقتصادية

بكين تكسر احتكار لندن لتحديد أسعار الذهب وتقلب المعادلة

بكين تكسر احتكار لندن لتحديد أسعار الذهب وتقلب المعادلة

انخفضت أسعار الذهب، ارتفعت أسعار الذهب، الذهب يعاود الانخفاض، الأسعار تحافظ على استقرارها، الأسعار تقفز إلى الأمام مجددا قبل اجتماع "الفيدرالي الأمريكي" تحسبا لرفع أسعار الفائدة، الأسواق تصاب بخيبة أمل وتعاود الانخفاض مرة أخرى بعد إبقاء الفائدة عند مستواها الراهن. هذا هو مشهد سوق الذهب العالمية خلال الشهر الجاري، تهيمن عليها حالة من عدم الاستقرار والتقلبات المتتالية، حيث تعاني السوق أوضاعا غير مستقرة منذ مدة ليست بالقصيرة، ما دفع ببعض المحللين إلى القول "إن سيد المعادن فقد بريقه وجاذبيته بالنسبة إلى كثيرين". فالذهب الذي حقق الأربعاء الماضي أعلى مستوى له في الأسبوع، وارتفع بنحو سبعة دولارات للأونصة أي ما يعادل 0.6 في المائة، عاود الانخفاض في أعقاب عدم تغيير الفائدة الأمريكية ليصل إلى 1247 دولارا للأونصة. فهل أصبح التقلب وعدم الاستقرار مصير الذهب في الأسواق العالمية؟ وهل نحن أمام ظاهرة مؤقتة أم أنها حالة ستلازم المعدن النفيس وأسعاره لفترة زمنية طويلة مقبلة؟، برنارد جروس الباحث في اتحاد السبائك البريطاني يؤكد لـ "الاقتصادية"، أن التفاؤل سيظل قائما في سوق الذهب العالمية، على الرغم من التقلبات الراهنة في الأسعار، حيث لا يزال البعض يأمل في وصول السعر هذا العام إلى حدود 1280 دولارا للأونصة. وأضاف جروس أن "هذا التفاؤل لا يجب أن يدفعنا إلى تجاهل حقيقة أن سعر الذهب أصبح أكثر حساسية للتكهنات مقارنة بالماضي، خاصة عندما يتعلق الأمر بأسعار الفائدة الأمريكية، فالارتفاع الذي حدث قبل اجتماع "الفيدرالي الأمريكي"، لم يكن هناك مبرر واقعي له، لأن الجميع كان على يقين بأن "الفيدرالي" لن يغير أسعار الفائدة الآن، ولهذا فإن الحساسية المفرطة في سوق المعدن النفيس تعود إلى مجموعة مركبة من العوامل وليس إلى عامل واحد". لكن وليم إليند كبير محللي الأسواق في مجموعة "إيه في إيه" الدولية للتجارة يعتقد أن أسعار المعدن ستواصل التقلب الذي شهدته الشهر الجاري لبعض الوقت، مشيرا إلى أن هناك تغييرات هيكلية غير معتادة تحدث في الأسواق لأول مرة. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "العرف قد جرى على أن يؤدي ارتفاع الفائدة إلى انخفاض أسعار المعدن الأصفر، إلا أننا نلاحظ أنه منذ أن رفع "الفيدرالي الأمريكي" أسعار الفائدة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تذبذبت أسعار الذهب، لكن الاتجاه العام لها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم هو الارتفاع، وهذا يدفعني إلى التوقع أنه إذا رفع "المركزي الأمريكي" الفائدة مستقبلا فإن أسعار الذهب سترتفع. لكن إلى أي مدى يمكن لهذه التقلبات السعرية التي عاناها الذهب منذ بداية العام وخاصة في شهر نيسان (أبريل) أن تمنحنا قدرة علمية على التنبؤ المستقبلي بشأن الأسعار هذا العام على الأقل"؟ من تحليل البيانات المتاحة لأسعار الذهب الذي بدأ العام عند سعر 1060 دولارا للأونصة، ليقفز في بعض أيام شهر آذار (مارس) الماضي لأكثر قليلا من 1280 دولارا للأونصة، ثم يعاود الانخفاض في أيام أخر من الشهر الحالي إلى 1210 تقريبا، فإن أوضاع المعدن الأصفر لا تبدو بالسوء الذي تبدو عليه للوهلة الأولى، بل إن بعض المختصين يعتبرون أن أسعار المعدن النفيس في الربع الأول هي الأفضل منذ 30 سنة، وأن عديدا من المصارف التي تكهنت بأن ينخفض الذهب إلى 850 دولارا للاونصة تعيد الآن التفكير في توقعاتها. ويعتقد المختصون أن التغييرات التي تشهدها أسواق المعدن النفيس، المتجلية في التقلبات السعرية خلال الشهر الجاري، تعود إلى مجموعة من العوامل يرصد جون جان مختص تحليل المعلومات في بورصة لندن عددا منها، فقد ذكر لـ "الاقتصادية" أن هناك تغيرات جوهرية في الأسواق الصينية لكسر الاحتكار البريطاني التقليدي في تحديد أسعار الذهب. وأشار جان إلى الإعلان الصيني بتأسيس عملية يومية لتسعير الذهب بالعملة المحلية "اليوان" في بورصة شنغهاي، وهذا تطور كبير للغاية، فالصين هى أكبر منتج ومستهلك للذهب في العالم، ولم تكن أبدا جزءا من عملية التحديد السعري للمعدن الأصفر، إلا أنها الآن شكلت لجنة من 12 عضوا في بورصة شنغهاي لتحديد الأسعار وهى تضم أيضا عشرة مصارف صينية. وقال جان "إن تلك اللجنة ستعكس بالطبع التداولات الراهنة للذهب في السوق المحلية"، مشيرا إلى أن هذا التطور تنبع أهميته من أنه يمثل خطوة تعزز عملية التحول الراهن في تجارة الذهب المسيطر عليها من الغرب تقليديا - وتحديدا في بورصة لندن – وتجعل دول الشرق المهيمن الفعلي على تلك التجارة الحيوية في الاقتصاد العالمي، وتمكن بكين من لعب دور أكبر في التحكم والهيمنة في أسواق الذهب، وتمنح اليوان الصيني دورا متصاعدا في سوق العملات الدولية. وفي الواقع، فإن الأمر لا يقف عند الذهب، إذ يمتد أيضا إلى الفضة، فبنك التعمير الصيني أحد اكبر البنوك الصينية، انضم أخيرا إلى مجموعة البنوك الدولية التي تحدد أسعار الفضة، وهذا يعني أن بكين قد بات لها الآن تأثير مباشر في تحديد أسعار الفضة. ويعتقد المختصون أن الخطوة الصينية ستجد ترحيبا من الهند وروسيا وتركيا، فالشرق يعد المستهلك الرئيسي للذهب والفضة عالميا، بينما تحدد الأسعار في بلدان غربية وبما يحقق مصالحها في الأساس. ويؤكد لـ "الاقتصادية"، روجر أوجلي الاستشاري السابق في مجلس الذهب العالمي، أنه يمكن الربط بين التقلبات الراهنة في سوق الذهب والدور الصيني المتنامي من منطلق أن الأسواق تشهد مرحلة انتقالية يتحول فيها اللاعبون الأساسيون في الأسواق من الغرب إلى الشرق. وتوقع الاستشاري السابق في مجلس الذهب العالمي، أن تشهد أسعار الذهب ارتفاعا خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الصين التى تعد أكبر منتج ومستهلك للذهب، لن تكون بمنأى عن التطورات الجارية، فالمناجم الصينية يتراجع إنتاجها، ويتوقع أن ينخفض الإنتاج خلال السنوات المقبلة، أضف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج، ومن ثم فإن الصورة الكلية تشير إلى أن الطلب المستقبلي في الصين على الذهب المستورد من الخارج سيزداد، وهذا سيرفع الأسعار دوليا، ولهذا أتوقع أن تؤدي هيمنة الصين المتزايدة على الذهب إلى ارتفاع الأسعار إلى 3000 دولار للأونصة خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية