FINANCIAL TIMES

نزع فتيل قنبلة «رويال بانك أوف اسكوتلاند» الموقوتة

نزع فتيل قنبلة «رويال بانك أوف اسكوتلاند» الموقوتة

يجلس الرجل الذي عمل على تقليص أكبر مصرف في العالم في مكتب قليل الأثاث مع وجود نافذة واسعة مظللة تطل على آلاف الركاب الذي يندفعون بسرعة دخولا وخروجا من محطة ليفربول ستريت. يدير مارك بايلي مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند، وهو الوحدة التي تم إنشاؤها بعد الأزمة المالية لاستيعاب الكمية الهائلة من الأصول السامة والأقسام غير المرغوب فيها التي يجري إرغامه على بيعها في واحدة من أكبر عمليات إعادة الهيكلة المالية على الإطلاق. الفراغ في مكتبه ينم عن الطبيعة المؤقتة لهذه المهمة. كلما كان أداء بايلي لعمله أفضل، فسيكون فقدانه له أسرع، بحسب ما يقول، مضيفا وهو يبتسم "أنا بالتأكيد أقوم بما يؤدي إلى أن أصبح بلا وظيفة. هذا هو تعريف النجاح". بحلول هذا الوقت من العام المقبل، يأمل هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 43 عاما أن يكون قد عمل على تخفيض الأقسام غير الأساسية المتبقية بقيمة 48 مليار جنيه - التي كانت قيمتها في الماضي في حدود 300 مليار دولار جنيه - بأكثر من النصف. وهذا سيسمح للرئيس التنفيذي روس ماكيوان بإرجاع ما تبقى إلى المجموعة وحل الفريق. صحيح أن بايلي سيخسر وظيفته المذكورة لكنه سيبقى في المصرف، حيث إنه حصل على ترقية هذا الأسبوع ليصبح كبير الإداريين التشغيليين. وهو يتطلع إلى الوقت الذي لا تعود فيه حاجة إلى فريقه "سوف يكون يوما جيدا، لأنه سيعني في الحقيقة أن المصرف سيكون قد عمل على تسوية كل آثام الماضي". تم تشبيه العمل على تنظيف القروض المعدومة لدى المصرف بأنه مثل "نزع فتيل القنبلة الموقوتة" من قبل الرئيس التنفيذي السابق ستيفن هيستر قبل رحيله في عام 2013. مع ذلك، لم تكن العملية معقدة كما كان يخشى البعض، بمن فيهم هيستر. يتحدث بايلي بابتهاج عن الإجراءات التي اتخذها فريقه "الخبر الجيد هو أن هذا لا يشبه الأسلحة النووية في شيء". تم تجريد نحو 1.6 تريليون جنيه استرليني من الأصول من الميزانية العمومية المتضخمة لمصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند - أكثر من قيمة اقتصاد إيطاليا - ولا يزال هنالك مزيد منها. نظرا لحجم المهمة المنوطة به، يبدو بايلي مبتهجا بشكل مستغرب. مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند، الذي سيقدم تقارير نتائجه الفصلية غدا، كان من بين أوائل المصارف الأوروبية التي تؤسس وحدة لاستيعاب أصوله السامة بعد الأزمة المالية. لكن التحديات التي واجهها، أثناء تراجعه إلى سوقه الأصلية في المملكة المتحدة، تغدو الآن شائعة على نحو متزايد: وقد حذا حذوه كثير من منافسيه الكبار، بما في ذلك بنك باركليز و"دوتشيه بنك". يبقى حجم المهمة لدى مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند هو الأكثر طموحا لأنه برز من الأزمة في وضع أسوأ من وضع كثير من منافسيه. يقول بايلي "إن عدت للوراء إلى عام 2008، كانت الميزانية العمومية للمصرف أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة". كان لدى المصرف نحو 50 مليار جنيه استرليني من القروض المعتلة منذ عام 2008، ما يؤكد على مدى تكلفة عملية التنظيف. انخفض عدد العاملين فيه إلى النصف في ذلك الوقت من أصل 200 ألف شخص في وقت الذروة ليصل العدد إلى أقل من 100 ألف شخص العام الماضي. بمساعدته على خفض نحو ثلثي أصوله، التي كانت تشكل النسبة الأكبر لأي مصرف عندما بلغت ذروتها بواقع 2.4 تريليون جنيه استرليني بعد عملية الاستيلاء السيئة على بنك إيه بي إن آمرو في عام 2008، عمل بايلي بوتيرة محمومة. وقام فريقه ببيع ما يعادل مرتين حجم بنك نورثرن روك سنويا لمدة سبع سنوات، حيث كان ينقل الأصول إلى خارج البنك بمعدل بلغ مليار جنيه استرليني في الأسبوع الواحد. خلال السنوات القليلة الماضية، كان قد أشرف على ما متوسطه 12 معاملة في الأسبوع الواحد. بعد أن كان البنك يعمل فيما يقارب الخمسين بلدا، يوجد الآن في 34 بلدا، بما في ذلك الهند والصين وروسيا وكندا. في عام 2013، أمر جورج أوزبورن، وزير الخزانة في المملكة المتحدة، مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند بالتخلص من مبلغ إضافي قيمته 46.8 مليار جنيه من أصوله الأكثر سمية. وتم استكمال نصيب الأسد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قبيل عام من انتهاء الموعد المحدد وبتكلفة بلغت 3.5 مليار جنيه - أقل بخمسة مليارات جنيه من المبلغ الذي كان مقدرا في البداية. بعد أن بدأ عمله كمحاسب في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، انضم بايلي إلى مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند ليكون عضوا في قسم الأسهم الخاصة في المصرف في عام 2000، قبل أن تهاجَم مثل تلك الأنشطة من قبل الجهات المنظمة. وقد غادر بعد مضي خمس سنوات ليتولى منصبا مماثلا في بنك باركليز. عندما عاد إلى مصرف رويال بانك في عام 2010 لإدارة ما كان يسمى آنذاك بوحدة الحلول غير الأساسية الخاصة به بعد عملية إنقاذ من دافعي الضرائب بمبلغ 45 مليار جنيه استرليني، دهش الزملاء من انتقاله إلى المصرف الذي تملك فيه الدولة حصة الأغلبية. بعد توليه مناصب قيادية في تلك الوحدة، تولى بايلي المسؤولية الكاملة عندما حل مكان روري كولينان قبل عام. يتذكر قائلا "الجميع كان يقول: لماذا عدت؟ عندما وصلت، كان السؤال في الواقع هو: لماذا غادر كثير من الأشخاص الجيدين"؟ يقول"يرغب الناس في إصلاح المصرف"، موضحا أن المصرفيين في مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند شعروا باللسعة من انهياره ويرغبون في إعادته إلى المسار الصحيح. "لديهم بالفعل هذا الإحساس بالمسؤولية الشخصية عما حصل ويريدون تحسين الأمور". ويوضح هذا جزئيا السبب في أن القسم الذي يديره - الذي يعرف الآن باسم "التفكيك الرأسمالي للأصول" - جاء في الصدارة فوق جميع الوحدات وذلك في دراسة استقصائية أجريت أخيرا حول الرضا الوظيفي. أما السبب الآخر، بحسب ما يقول، فهو شعورهم بالغرض أو الغاية "يعد الوضوح أحد هبات هذه الأعمال. خلافا لمعظم أجزاء العالم المصرفي اليوم حيث يقوم المنظمون بتشتيت انتباهك في اتجاهات متعددة، الأمر الرائع المتعلق بعمليات إعادة هيكلة الميزانية العمومية للبنك هو أنك تعلم بالضبط شكل النجاح وماهيته". واجه موظفو قسم الأسواق الرأسمالية في مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند، الذي تم بيع أو إيقاف تشغيل كثير من أجزائه، خيارا ما بين "الجلوس ومحاولة شق طريقهم إلى مستقبل في المصرفية الاستثمارية أو القيام بهذا الأمر وتحقيق النجاح في كل ربع". تضمن الكشف عن الأخطاء التي حصلت في حقبة ما قبل الأزمة في مصرف رويال بنك بيع مجموعة غريبة من الأصول، بدءا من مستشفى في سيدني في أستراليا، إلى أكبر شركة جراحة تجميلية في آسيا. مع ذلك، يبدو أن كونه الرجل الذي يحمل القطَّاعة في مثل هذه العملية العميقة من إعادة الإصلاح أثَّر إلى حد ما في بايلي. ويقول "إنه يتعلق بطبيعة الأعمال لا غير. لا يمكننا العمل بنسبة 70 في المائة من التكاليف إلى الدخل - هذا أمر لا يمكن أن يستقيم". كما يضيف أيضا أن "التعامل مع الناس بإنصاف" ليس هو فقط الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به لكنه سليم من ناحية الأعمال. "إن تصرفت بشكل سيء، عندها سيفهم الآخرون أن الدور الآن عليهم ولا يمكنك الانتقال إلى الجزء المقبل، ألا وهو المشاركة والتحفيز" - ما يعمل على تنشيط كل مجموعة للمساعدة في بيع أو تشغيل الأصول. "نحن نجلس بالفعل مع الجميع ونقول لهم "إن وظيفتهم ستستمر إلى هذه المدة، لذلك أحتاج منكم إلى القيام بهذا العمل وتلك هي مستحقاتكم التي سندفعها لكم عند التسريح" حسب قوله. يقوم مصرف رويال بانك أوف اسكوتلاند بإيقاف أعماله التجارية المتعلقة بخدمات المعاملات العالمية وتحويل عملاء الشركات لهذه الوحدة والبالغ عددهم 22 ألفا إلى جهات أخرى تقدم خدمات إدارة الأموال النقدية وتمويل التجارة. كما أنه يبحث أيضا في أمر بيع حافظة قروض الشحن المتبقية لديه وحصة أقلية في البنك السعودي الهولندي، الموجود في السعودية. يبدو بايلي مرتاحا أنه تم الانتهاء من معظم الأشياء - بما في ذلك ثلثا قسم النفط والغاز، وأقسامه في الأسواق الناشئة - قبل أن أصبحت الأسواق المالية أكثر تقلبا قبل ستة أشهر. يقول في تحذير واضح لمنافسيه "هل ستبقى السوق موجودة اليوم؟ يبدو الأمر أكثر صرامة". صحيح أن الموظفين لديه البالغ عددهم 1400 شخص يعملون لكي يفقدوا وظائفهم في نهاية الأمر، لكن مثل بايلي، يبدو أن لديهم روح الدعابة القاتمة حيال ذلك الموضوع. هنالك لوحة فوق فريق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا تقول "اليوم اسمكم فريق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وغدا اسمكم المغادرون".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES