العالم

«الصفقات المركبة» .. حيلة «حزب الله» لتمويل جرائمه العابرة للحدود

«الصفقات المركبة» .. حيلة «حزب الله» لتمويل جرائمه العابرة للحدود

في أعقاب عديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية لاستهداف المؤسسات الإجرامية العالمية التابعة لـ «حزب الله»، من بينها لوائح الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل وتصنيفات وزارة الخزانة، من المتوقع أن يصدر "مدير الاستخبارات الوطنية" تقريراً، بتكليف من الكونجرس، حول هذا الموضوع في المستقبل القريب. وكان من المقرر أن يصدر التقرير في 18 نيسان (أبريل)، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب حساسية الموضوع ما بين الوكالات الأمريكية المتعددة. فإضافة إلى كونه يشكل العامل الأساسي لتحديد ما إذا كان سيتم تصنيف «حزب الله» كـ "منظمة إجرامية عابرة للحدود" أم لا، فإن التقرير سيسلط الضوء على الجدل المستعر منذ فترة طويلة بين الوزارات المختلفة حول كيفية تمييز الأنشطة الإجرامية للحزب. منظمة إجرامية وفقا لتقرير أعده الباحث "ماثيو ليفيت" لمصلحة معهد واشنطن الدولي للدراسات وبموجب "قانون حظر التمويل الدولي لـ «حزب الله»" الصادر في عام 2015، يتعين على الرئيس الأمريكي أن يقدم تقريراً عن "أنشطة الحزب الإجرامية الكبرى العابرة للحدود" في مدة لا تتجاوز 120 يوماً من المصادقة على مشروع القانون. وقد انقضت هذه المهلة في 18 نيسان (أبريل). وفي الشهر الماضي، فوّض الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤولية التقرير إلى "مدير الاستخبارات الوطنية"، الذي من المتوقع أن يقدّم مكتبه هذا التقرير في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. وفي غضون شهر من تقديم التقرير، يتطلب من الإدارة الأمريكية إطلاع الكونجرس على محتويات التقرير ووضع الإجراءات المقررة لإدراج «حزب الله» على لائحة "المنظمات الإجرامية الكبرى العابرة للحدود" بموجب "الأمر التنفيذي رقم 13581" الصادر في عام 2011. ومنذ نشأته، يهيمن «حزب الله» على شبكات عالمية تضم أعضاء وأنصارا لتقديم الدعم المالي واللوجستي، وحتى العملياتي في بعض الأحيان. ويتمكن الحزب، من خلال هذه الشبكات، من جمع الأموال وشراء الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج والحصول على وثائق مزورة، حتى أكثر من ذلك. يُذكر أن بعضها هي شبكات رسمية تديرها عناصر «حزب الله» على الأرض وفي لبنان نفسها، إلا أن معظمها تم تنظيمه بشكل متعمد ليكون غير رسمي إلى حد كبير؛ وتسعى هذه الشبكات إلى إبقاء صلاتها مع الحزب ضبابية من أجل توفير قدر من الإنكار. وبشكل عام، يميل هذا المشروع الإجرامي لـ «حزب الله» إلى أن يكون منظماً حول عقد مترابطة بشكل فضفاض، ولا يعتمد على صلات هرمية وصولاً إلى سلسلة القيادة. ولكن يجب ألا يخالجنا أي شك في ذلك: فـ «حزب الله» يعمل بشكل واضح كـ "منظمة إجرامية عابرة للحدود"، وقد تم التأكيد على هذا التقييم مراراً وتكراراً وعلانية من خلال تحقيقات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية. على سبيل المثال، في حكمها الصادر في آذار (مارس) 2013 ضد أحد عناصر «حزب الله» حسام يعقوب، خلصت لجنة من ثلاثة قضاة في قبرص إلى عبارات لا لبس فيها توضح أن الحزب "يعمل كمنظمة إرهابية". صفقات مركبة في شباط (فبراير) الماضي، أسفرت تحقيقات سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وأوروبا عن الكشف بأن الجناح الإرهابي لـ «حزب الله»، أي «منظمة الأمن الخارجي» (التي تعرف أيضاً بـ «منظمة الجهاد الإسلامي»)، يشغّل كياناً مخصصاً يكرس عملياته لتهريب المخدرات وغسل الأموال في جميع أنحاء العالم. وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال عملية مشتركة شملت وكالات أمريكية كـ "إدارة مكافحة المخدرات" و"إدارة الجمارك وحماية الحدود" ووزارة الخزانة، و"وكالة تطبيق القانون الأوروبية" ("يوروبول")، ووكالة "يوروجست" (وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تتعاون قضائياً في المسائل الجنائية)، والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية. وقد امتد التحقيق ليشمل سبع دول، وأدى إلى اعتقال عدد من أعضاء ما يسمى «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وشراء الأسلحة لاستخدامها في سورية. و«مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» ليس عملية منفردة، فقد توصل المحققون الأمريكيون إلى نتيجة أنه تأسس على يد عماد مغنية، الشخصية الإرهابية الأبرز في الحزب، قبل وفاته في عام 2008، ويتم تشغيله حالياً من قبل مسؤول كبير في «حزب الله» يُدعى عبد الله صفي الدين وغيره من العناصر مثل أدهم طباجة. يُذكر أن صفي الدين، وهو ابن عم الأمين العالم للحزب حسن نصر الله، كان ممثلاً للحزب في طهران وساعد المسؤولين الإيرانيين على الوصول إلى "البنك اللبناني الكندي" المنحل الآن، الذي وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على القائمة السوداء في عام 2011 بسبب علاقاته بتهريب المخدرات على نطاق عالمي وبشبكة غسل الأموال وبـ «حزب الله» مباشرة. ونتيجة لهذا التحقيق العابر للحدود، ألقت السلطات القبض على "كبار قادة" «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» في "الخلية الأوروبية". ومن بينهم محمد نور الدين، "مبيّض أموال لبناني عمل مباشرة مع الجهاز المالي لـ «حزب الله» لنقل أموال الحزب" من خلال شركاته، مع الحفاظ على "علاقات مباشرة مع عناصر «حزب الله» التجارية والإرهابية في كل من لبنان والعراق." وفي كانون الثاني (يناير) صنفت وزارة الخزانة الأمريكية نور الدين وشريكه، حمدي زهر الدين، كناشطيْن في «حزب الله»، مشيرة إلى أن الحزب يحتاج إلى أفراد مثلهما "لغسل العائدات الإجرامية لاستخدامها في الإرهاب وزعزعة الاستقرار السياسي". الشركاء الإجراميون جاء كشف «مُركب صفقات الأعمال» في «حزب الله» نتيجة سلسلة من قضايا الجرائم التي حققت فيها "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية التي جرت تحت عنوان "مشروع كاساندرا" الذي استهدف شبكة عالمية لـ «حزب الله» مسؤولة عن توزيع كميات كبيرة من الكوكايين في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن برزت عديد من الحالات الأخرى في المدة الأخيرة التي تم في إطارها ارتكاب الأنشطة الإجرامية المنظمة العابرة للحدود من قبل أشخاص يتمتعون بعلاقات رسمية، وحتى وثيقة جداً مع الحزب. لننظر إلى العنصرين اللذين تم اعتقالهما في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بتهمة التآمر لغسل أموال المخدرات والاتجار بالأسلحة على الصعيد الدولي نيابة عن «حزب الله». فقد عرضت إيمان قبيسي، التي اعتقلت في أتلانتا (بولاية جورجيا)، غسل أموال المخدرات لعميل سري وأبلغته بأن زملاءها في «حزب الله» يسعون إلى شراء الكوكايين والأسلحة والذخيرة. إلى جانب ذلك، ناقش جوزيف الأسمر، الذي اعتقل في باريس في اليوم نفسه في عملية منسقة، إجراء معاملات محتملة خاصة بالمخدرات مع عميل سري، وعرض استخدام علاقاته مع «حزب الله» لتوفير الأمن لشحنات المخدرات. وبشكل إجمالي، أشار المشتبه بهما إلى وجود اتصالات إجرامية في عشر دول على الأقل في جميع أنحاء العالم، وسلّطا الضوء على الطابع العابر للحدود لهذه العملية التي يديرها «حزب الله». وفي الواقع، فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية تم القبض على ميسّري العمليات الإجرامية للحزب في جميع أنحاء العالم، من ليتوانيا إلى كولومبيا، وإلى العديد من الدول بينهما. وقد تم إدراج آخرين على لائحة وزارة الخزانة الأمريكية، بمن فيهم رجل الأعمال قاسم حجيج الذي له صلات مباشرة بـ «حزب الله»، وعضو «منظمة الأمن الخارجي» حسين علي فاعور، وعبد النور شعلان، وهو شخص بارز يعمل على شراء الأسلحة لـ «حزب الله» وتربطه علاقات وثيقة مع قادة الحزب. وعلى حد تعبير مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية، "يستخدم «حزب الله» ما يسمى بالأعمال التجارية المشروعة لتمويل وتجهيز وتنظيم أنشطته التخريبية". المحصلة «حزب الله» ضالع بعمق بالمؤسسات الإجرامية المنظمة، ويدير شبكات غير مشروعة خاصة به، في حين يشارك أيضاً في نشاطات تقوم بها كيانات إجرامية أخرى. ويستند النقاش بين الوكالات الأمريكية حول كيفية تصنيف هذه النشاطات على تمييز لا يحدث فرقاً كبيراً من الناحية العملية. ففي بعض الحالات، تقوم عناصر إجرامية في «حزب الله» بتنفيذ التعليمات التي تحصل عليها مباشرة من مسؤولي الحزب. وفي حالات أخرى، يتشارك أعضاء الحزب أو مؤيدوه عائدات جرائمهم مع «حزب الله» ولكن لا يعملون دائماً تحت إشرافه. وفي الحقيقة، يُنظم الحزب أنشطته الإجرامية وعملياته السرية عمداً لتكون مبهمة قدر الإمكان، وبغض النظر عن النموذج المستخدم، يكون الحزب هو المستفيد النهائي. ويختم ليفت مدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن, يجب أن يعكس التقرير الذي سيصدر في المستقبل من قبل "مدير الاستخبارات الوطنية" الاستنتاجات المتكررة التي توصلت إليها وكالات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية ووزارة الخزانة. وكما بيّن نفي نصر الله على شاشات التلفزيون، تابع المحققون عديدا من القضايا المتعلقة بـ «حزب الله» بحيث لا يمكن للحزب بعد الآن التظاهر بتجاهلها. كما لا يجب على "مدير الاستخبارات الوطنية" تجاهلها أيضاً.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم