Author

صندوق استثماري يطرح معاييره على السوق

|
كاتب اقتصادي [email protected]
بمجرد الإعلان عن نية المملكة طرح جزء من عمليات شركة "أرامكو" في السوق، دخل القطاع الاقتصادي العالمي في حالة ترقب، وذلك نظرا للثقل الذي تمثله هذه المؤسسة السعودية الهائلة في السوق بشكل عام، إضافة طبعا إلى تأثيرها على المستوى النفطي العالمي. اليوم، تتجه السعودية بخطوات ثابتة نحو إطلاق صندوق للاستثمارات سيكون الأكبر على الإطلاق في العالم، وسيكون مدعوما باقتصاد سعودي تحول في السنوات القليلة الماضية إلى مزيد من المرونة والانفتاح، والأهم القدرة على التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك بالطبع، الانهيار الكبير في أسعار النفط منذ أقل من عامين، وتمسك المملكة بسياستها النفطية إلى حين تحقيق الهدف في نشر الاستقرار والاستدامة في السوق النفطية. صندوق الثروة السيادية الهائل الذي تحدث عنه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، بات ضروريا الآن أكثر من أي وقت مضى. والسبب أن التحولات الاقتصادية تفرض معاييرها أيضا، وأن المملكة قادرة من خلال العوائد النفطية على إطلاق سلسلة هائلة من الاستثمارات المحلية والخارجية. ففي السنوات الماضية، أطلقت السعودية خطة تنموية كبيرة للغاية لا تزال بعض عناصرها قيد التنفيذ، لتحقيق مجموعة من الأهداف، في مقدمتها تنويع مصادر الدخل بصورة أكثر واقعية. ومع المتغيرات السائدة على الساحة، فإن تأطير الاستثمارات الوطنية يمثل بحد ذاته عاملا مكملا لمخططات التنويع، خصوصا أن الخطة التنموية السعودية الماضية قدما أصلا، تستهدف تكريس الاقتصاد السعودي الجديد، بصورة لا تشبه تلك التي كانت تسود المشهد العام من قبل. الصندوق الاستثماري المزمع، لن يكون محصورا في الداخل، بل يشمل أيضا في غضون السنوات المتبقية من العقد الحالي استثمارات خارجية آمنة وذات جدوى، لتشكل رافدا آخر للاقتصاد الوطني. فقد أثبتت تجارب البلدان التي تخوض قطاع الاستثمارات الخارجية مدى جدوى هذه الاستثمارات، ولا سيما تلك المتنوعة. فالفرص متوافرة خارجيا، وعوائدها مجزية على المديين القصير والمتوسط. ولذلك، فإن دور الصندوق السيادي السعودي الهائل، سيكون محوريا في حراك الصناديق السيادية الاستثمارية الأخرى في غير منطقة من العالم. وبصرف النظر عن الحجم الذي سيعتمد للاستثمارات الخارجية، إلا أنه سيشكل حدثا فاعلا على الساحة، في حين تشير التقديرات غير السعودية إلى أن هذا الحجم يمكن أن يصل إلى 50 في المائة من حجم الصندوق المزمع. سيمنح حراك الصندوق المملكة المزيد من النفوذ على الساحة الاقتصادية الخارجية، مع ضرورة الإشارة إلى أن التقديرات العالمية لقيمة شركة "أرامكو" وحدها تصل إلى 2.7 تريليون دولار. فاسم الشركة وحده له ثقله الاقتصادي السيادي الهائل. وعندما يرتبط صندوق استثماري فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإن هذا الثقل سيرتفع إلى مستويات تتمناها كل المؤسسات الاستثمارية في العالم. فوفق المقاييس الأخرى لإجمالي الأصول في ظل الإدارة ذات الرسوم المدفوعة (وفق التقديرات العالمية أيضا) فإن هذه المقاييس تشير إلى ما مجموعه 74 تريليون دولار، ما يعني أن الصندوق المزمع يساوي 3 في المائة من إجمالي الأصول المستثمرة في العالم. صندوق واحد بهذا الحجم، يمكنه أن يطرح حالة جديدة في الأسواق العالمية. تمضي المملكة قدما على طريق تمكين الاقتصاد الوطني الجديد. فالتحديات كبيرة، وتستطيع السعودية مواجهتها وفق المخططات التي بدأت في تنفيذها في السنوات القليلة الماضية. وسيشكل الصندوق الاستثماري السيادي الجديد تحولا هائلا يوازي حجمه وآثاره على الساحتين المحلية والخارجية. وعلى هذا الأساس، فإن الكمية الضخمة من الأصول (وفق المراقبين على الساحة الغربية) لن يكون لها أثرها الهائل فقط، بل ستغير ملعب المستثمرين عبر أنحاء العالم. إن المملكة، مقبلة على مرحلة تحول اقتصادي لن يكون محصورا ضمن نطاقها الجغرافي، بل يتعداه إلى الساحة العالمية. فلاعب استثماري ضخم يطرح لا يكون مشاركا عائدا في السوق العالمية فقط، بل لاعب محوري يطرح معاييره على مختلف الأصعدة الاستثمارية.
إنشرها