اقتصاديون: التحول في المملكة يستلهم مساره من التجارب العالمية الناجحة

اقتصاديون: التحول في المملكة يستلهم مساره من التجارب العالمية الناجحة

تعد برامج التحول الاقتصادي في ماليزيا، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، من أفضل التجارب العالمية في بناء الخطط الاقتصادية التنموية وتأثيرها المباشر في تقدم الشعوب، حيث استطاعت خلال فترة وجيزة رفع مستوى الدخل لأفرادها، إلى جانب تحقيق انطلاقة قوية في عالم التصنيع، ونجحت ماليزيا في التحول من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة كالمطاط والقصدير إلى دولة صناعية متقدمة، هبط معدل الفقر فيها إلى نحو 5 في المائة فقط بعد أن كان يصل إلى 70 في المائة عند بداياتها التنموية، في حين وصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل سنغافورة نحو 300 مليار دولار، وشكلت استثماراتها في الخارج ما يتجاوز 200 مليار دولار، وتمكنت كوريا الجنوبية من احتلال مراتب عالمية مرموقة بالرغم من قلة مواردها الطبيعية، حيث كان متوسط الدخل فيها لا يتجاوز 87 دولارا وبعد 30 عاما من العمل المتواصل استطاعت أن تحقق متوسط دخل فردي يصل إلى 30 ألف دولار. وركزت مظاهر التحول في الدول الثلاث على مبادرات الإصلاح الاستراتيجية التي ترمي إلى توسيع نطاق المبادرة الخاصة، وتحسين المهارات، وزيادة القدرة التنافسية، وترشيد القطاع العام، واتخاذ إجراءات إيجابية مساعدة للنمو، والارتقاء بالقاعدة المعرفية وبالبنية التحتية.. وعلى اعتبار أن المملكة تعتزم جعل عام 2016 انطلاقة نحو برنامج للتحول الوطني يرجى منه أن يكون مدخلا حقيقيا لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني.. فإننا نستعرض في هذا التقرير التجارب الدولية الثلاث باختصار.. وهنا المحصلة: التجربة الماليزية مر التحول الاقتصادي في ماليزيا بثلاث مراحل من النمو: بدأت المرحلة الأولى من 1957 حتى 1969، واعتمدت في الأساس على السلع الأولية البدائية، حيث ظلت ماليزيا ولمدة طويلة تعد أكبر بلد منتج ومصدر في العالم للمطاط وزيت النخيل والقصدير والأخشاب الاستوائية غير الصنوبرية، في حين جاءت المرحلة الثانية من 1970 حتى 1990 تقريبا، حيث بدأ التصنيع وبدأت بالتالي السلع المصنعة تتفوق على جميع السلع في صادرات ماليزيا. وهدفت المرحلة الثالثة للنمو التي بدأت من عام 1990؛ إلى تحويل ماليزيا إلى دولة متقدمة تقدما تاما في 2020، بالاعتماد الأساسي على التصنيع. وارتكز النموذج الماليزي في تحريكه لعملية النمو الاقتصادي على تعظيم دور القطاع الخاص في التنمية، حيث عمل على تحويل ملكية عديد من المشروعات إلى القطاع الخاص مع الاحتفاظ بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، كما اعتمد بدرجة كبيرة في تمويل الاستثمارات على الادخار المحلي، وشكل الاستثمار الأجنبي المباشر الدافع الرئيس للنمو في قطاع التصنيع بماليزيا، معتمدة في استراتيجيتها التنموية على التركيز في التحول من دولة منتجة ومصدرة للمواد الخام إلى دولة صناعية تكتسح صادراتها أسواق الدول المتقدمة. النمو الاقتصادي في كوريا كوريا الجنوبية عملت في إطار انطلاقها الاقتصادي على وضع أسس تصنيع قوي، حيث نجحت الخطة الخمسية الأولى للتنمية (1962 ــ 1966) في إرساء قواعد بناء صناعي، نقل الدولة من الاعتماد على المواد الزراعية إلى الاعتماد على تصنيع حديث متوجه للتصدير. ومن خلال الخطة الاقتصادية الثانية (1967 ــ 1971) ركزت الحكومة الكورية على هذا المنحى وقامت بتحويل سياسة التصنيع القائم على إحلال الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير، وبدعم القدرة التنافسية للصناعات التصديرية في الأسواق الدولية من خلال اتباع نظام سعر الصرف الحر، وتوفير التمويل اللازم للصادرات قصيرة المدى، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي. ومع الخطة الخمسية الثالثة (1972 ــ 1976)، تم التحول بصفة منتظمة نحو الصناعات الثقيلة والصناعات الكيماوية، والاهتمام بزيادة إسهاماتها في السلع التصديرية، حيث بلغت في منتصف الثمانينيات نحو نصف صادرات كوريا، كما أعطيت أولوية خاصة لدعم صناعات الحديد والصلب والمعادن والمعدات وبناء السفن. التحدي السنغافوري في حين أن التحول الاقتصادي الناجح في سنغافورة اعتمد في التسعينيات على الاقتصاد القائم على المعرفة لمواجهة التحديات، وأصبح الإبداع والابتكار محددات رئيسة لزيادة القدرة التنافسية في سنغافورة من خلال الحصول على درجة عالية من التعليم والقوى العاملة المرنة، والصناعات المتقدمة في مجال التكنولوجيات التي أصبحت هدفا لتحقيقها رؤية القرن 21 حتى تكون مجتمعا منافسا، وكانت آخر مراحل التحول الاقتصادي في سنغافورة في عام 1997، وهدفت إلى أن يكون البلد متطورا في قطاع الصناعات التحويلية، واتسمت بتشجيع الأفراد على الابتكار وتحسين قدرة الشركات على توسيع القاعدة الاقتصادية وأصبح المورد الوحيد الذي يعتد به في سنغافورة هو القوى العاملة. وتركز التجربة السنغافورية على مبدأ منصة التصدير، والتخصص في الصناعات الإلكترونية الدقيقة والتكنولوجيات المتقدمة للإعلام والاتصال، وذلك باستقطاب كبريات الشركات العالمية وتوطينها في سنغافورة مع تقديم تسهيلات ضريبية مغرية، فضلا عن اليد العاملة المؤهلة خاصة في ميدان الصناعات الدقيقة ، ووصلت صناعاتها الرقمية إلى عديد من دول العالم ونافست دولا عريقة في ميدان التكنولوجيات الرقمية والصناعات الدقيقة كاليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والولايات المتحدة. مرت سنغافورة بمراحل متعددة لتطور ونمو اقتصادها باعتمادها على مجموعة من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث كانت الأولوية باتجاه التصنيع كضرورة حتمية لتحقيق معدلات عالية في النمو الاقتصادي والتركيز على الاقتصاد المعرفي والقيمة المُضافة وشملت قوائم صناعاتها الرئيسية الإلكترونيات والخدمات المالية، ومعدات حفر آبار النفط، وتكرير النفط وتصنيع الأدوية والمواد الغذائية المصنعة والمشروبات، ومنتجات المطاط وإصلاح السفن. وتحركت الحكومة في السنوات الأخيرة للحد من الاعتماد على تصنيع وتصدير الإلكترونيات مقابل تطوير قطاع الخدمات، فضلا عن تطوير الصناعات التقنية الحيوية والكيماوية والبتروكيماوية، وذلك بالتوازي مع سياسة تجارية مدروسة خلال هذه المراحل، حيث لعبت التجارة دورا حيويـا في البناء الاقتصادي. وحرصت سنغافورة على التطوير المستمر لتلك السياسات التجارية، حيث أسهمت في زيادة وكفاءة القطاع التجاري. هل تملك السعودية مؤهلات التحول؟ أجمع اقتصاديون، على أن استغلال المزايا النسبية والتنافسية لأي اقتصاد، يعد الطريق الأمثل نحو إنجاح خطط التحول الاقتصادي، مؤكدين أن برنامج التحول الوطني الذي تعتزم السعودية تطبيقه قريبا يهدف إلى تنويع مصادر الدخل ويعزز كفاءة استغلال الموارد الاقتصادية، ويستلهم مساره من التجارب الدولية الناجحة، مثل تجارب ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، التي غيرت وجه هذه الدول اقتصاديا واجتماعيا. ورأى مختصون تحدثوا لـ “الاقتصادية” أن تنويع مصادر الدخل يحتاج إلى تعزيز القدرات الصناعية والتحول نحو الاقتصاد المعرفي واستغلال كل القطاعات التي يمكن أن تدر دخلا إضافيا هي محور التحول الذي يجب التركيز عليه. يقول الدكتور فهد بن صالح السلطان أمين عام مجلس الغرف السعودية سابقا، إن السعودية يمكنها محاكاة بعض التجارب الناجحة في التحول الاقتصادي كالتجربة الماليزية أو الكورية أو السنغافورية، باعتبارها مؤهلة اقتصاديا وسياسيا للقيام بما يفوق ما حققته أي من التجارب الثلاث، مضيفا: “أتصور أن هناك أمور أساسية يحسن مراعاتها إذا ما أردنا أن نحقق تحولا إيجابيا فاعلا، حيث لا بد أن نتجاوز الدراسات النظرية التي ضاقت بها المكاتب، سواء في أجهزة القطاع العام أو الخاصن وألا نغرق في التنظير”، وشدد السلطان على أهمية صياغة تصور عملي قابل للتنفيذ بصورة دقيقة. وأشار إلى أنه من الأمور التي يجب مراعاتها أهمية الاستفادة من الأخطاء التي وقع بها الآخرون والبدء من حيث انتهت هذه التجارب، مضيفا: “أيضا لا بد أن نستثمر الإمكانات والفرص المتوافرة حاليا كالفرص الوظيفية في قطاع التجزئة وغيره كحلول عاجلة جنبا إلى جنب مع برنامج التحول طويل المدى”. وشدد السلطان على أهمية التركيز على الميزات النسبية المتوافرة لدى الاقتصاد الوطني التي تختلف بشكل كبير عن غيرها في تلك الدول، لافتا إلى ضرورة إشراك المواطنين في المناطق المختلفة وأخذ مرئياتهم في تحديد هذه المميزات الاقتصادية والفرص المتوافرة في كل منطقة وإمكانية استثمارها بدلا من التركيز على التخطيط المركزي بشكل كلي. وزاد “لا بد من الوقوف بشكل واضح على الأسباب الفعلية التي حالت دون تنويع القاعدة الاقتصادية خلال العقود الماضية رغم الجهود التي بذلت لتحقيق ذلك، إضافة إلى التركيز على محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله لأنه لا يمكننا تحقيق طموحات دولتنا في التحول مع وجود هذا الداء الخطير الذي يشكل عائقا أمام أي تطور”. الدكتور سعيد الشيخ عضو مجلس الشورى وكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي، يرى من جانبه أن أكبر القطاعات المستهدفة في برنامج التحول الوطني هو القطاع الصناعي وتحديدا الصناعات التي تعتمد عل? الوقود ضمن مدخلاتها، والتي يدخل من ضمنها اللقيم والغاز مثل صناعات البتروكيماويات، والتوجه إلى الصناعات الأفقية المكملة والصناعات المعرفية كصناعة الأدوية التي تتطلب متخصصين للاستهلاك المحلي والتصدير، علاوة على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذي ركزت عليه التجربة الماليزية والسنغافورية. وأضاف، أنه يمكن التوسع أفقيا من خلال الاعتماد على صناعات مدخلات الإنتاج مثل السيارات والطائرات وإن كانت بالمشاركة مع شركات من دول أخرى مثل التجربة الكورية التي أثبتت جدارتها، بعد أن بدأت بالمشاركة مع اليابان وغيرها، حتى أصبحت في مصاف الدول الأولى صناعيا. وقال إنه يمكن تطوير الخدمات المدنية مثل البرمجيات وهو قطاع مدر للدخل والطلب عليه مرتفع، وهناك تجارب ناجحة له في الهند التي أصبحت رائدة، وفي الأردن ومصر، مبينا أن خدمات الاستشارات في مجال التقنية والبرمجيات أصبحت سوقا كبيرة، كما أشار إلى إمكانية تطوير القطاع السياحي في ظل التنوع المناخي والطبيعي في المملكة أيضا. وأشار إلى أن “هناك تجارب ناجحة في مجال الخدمات، وتحديدا الصحي، الذي اجتذب الدول المجاورة، ويمكن تهيئته للمنافسة الإقليمية في ظل وجود كليات الطب الجيدة لدينا”، مضيفا أنه يمكن تطوير قطاع الاستشارات المحاسبية والمالية والإدارية، وتهيئة سبل تطويرها عبر البنى التحتية، وقد أصبحت شركات استشارية عالمية في المحاسبة والاستراتيجيات حتى بالتعاون مع الشركات. وذكر أن التجارب الدولية نجحت من خلال الرؤية الواضحة لبرامج التحول الاقتصادي، وقد بدأت ماليزيا منذ 30 عاما ونجحت فيها، ووضعت خطة جديدة في عام 2010 تمتد حتى عام 2020 لتحقيق عدد من الأهداف. وأشار إلى أن البرامج التنموية في الدول التي خاضت التجربة بنيت على أساس العائد الاقتصادي والقيمة المضافة التي يحققها الاستثمار وليس لأي هدف آخر، مضيفا “كذلك الشمولية نراها في التجربة الماليزية شملت القرى والأرياف وجميع المدن، وكان الهدف توفير ثلاثة ملايين و500 ألف وظيفة، كما ركزوا على رفع كفاءة الأداء الحكومي، حيث يتطلب نجاحه المراقبة والأداء العالي”. من ناحيته، قال تركي فدعق، محلل اقتصادي، إن “تحديد القطاعات التي من الممكن أن يستهدفها برنامج التحول الوطني لتنويع مصادر الدخل وتكون رديفا للنفط، يعتمد على رؤيتنا وموقعنا من العالم من الآن حتى بعد 30 عاما، وإذا تم تحديدها على المستوى الداخلي ورؤيتنا على مستوى العالم ومواردنا المتاحة داخليا وإمكانيتنا وفرصنا، مقارنة بالعالم حسب المنطقة التي نحن فيها وكذلك احتياجاتنا، حتى نعرف أولوية القطاعات التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد مصادر الدخل المستهدفة”، مبينا أنه في حال تم ذلك نستطيع أن يتم تحديد القطاعات التي من الممكن أن تستهدف لكن قبل ذلك يكون الأمر أشبه بالحرث في الماء. وبين أنه لجذب استثمارات في مجال التعدين، الذي لم يتم الاستثمار فيه بكفاءة وفاعلية، يجب تخفيف القيود والعوائد على استخراج المعادن، وفق شفافية وتكاليف أقل وتعامل عادل مع المستثمرين. ونوه أن استحداث وظائف جديدة يتم بفاعلية ويؤدي دورا فعليا من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تستطيع توفير أكبر عدد من الوظائف. وأضاف، لذلك من المهم أن يكون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دعم على مستوى السياسات الحكومية، مبينا أن الانسحاب من قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كان بسبب كثرة العوائق، حيث وجدوا أن احتمالات الخسارة أكبر من الربح، ولو كانوا يعتقدون أن احتمالات النجاح أكبر لم ينسحبوا. وقال إنه لا بد من تخفيف القيود عليهم ووضع الضوابط القانونية لتشجيع هذا القطاع ومنحهم الدعم المادي والفكري والمعرفي والاستراتيجي والاقتصادي. وأشار إلى أن التجارة الإلكترونية مصدر دعم جيد ودعمها ضرورة، مضيفا أن تفعيل التجارة الإلكترونية يتم حاليا عبر وزارة التجارة وهي تعمل في مسودة حولها، مشددا على ضرورة الإسراع في تفعيلها لأنه سيكون مؤسسا للإطار التشريعي والقانوني لجميع مجالات التجارة الإلكترونية. وأضاف أن التجارة الإلكترونية بحاجة لضوابط قانونية وضوابط في الدفع عن بعد وتوصيل البضائع وغيرها كثير حتى تؤدي دورها كما هو مأمول، وسيشكل إضافة جيدة للسيدات وربات البيوت للعمل من منازلهن. وتحدث عن خصخصة القطاعين البلدي والصحي، حيث أوضح أن خصخصة القطاع البلدي ذو أولوية ويجب أن يسبق خصخصة القطاع الصحي، مبينا أن خصخصته عليها محاذير كثيرة إن لم تكن هناك رقابة بشكل كبير جدا على مستوى وكفاءة الخدمة التي تقدم لأنها من القطاعات التي لا يجب تركها للقطاع الخاص بشكل كامل أو دون رقابة. ونوه إلى أن تطبيق لوحة عرض القياس Dashboard سيكون لها دور كبير وفعال في رفع كفاءة الوزراء ومعاونيهم وتظهر بشفافية الإحصائيات والبيانات لأداء الجهات الحكومية. وشدد عل? ضرورة أن يتوافق التعليم خلال المرحلة القادمة مع احتياجات سوق العمل، مشيرا إل? أهمية تطبيق الطرق الحديثة ومن أهمها ما يطبق في اليابان من قبل الطلاب في الجامعة دون النظر إل? نسبة الثانوية العامة، عل? أن تتول? الجامعة بناءهم وإعدادهم لسوق العمل دون الحكم عل? مستواهم الدراسي في أعمارهم الصغيرة. وقال لا بد أن يكون هناك إعادة نظر في التخصصات وعدد الطلاب فيها حسب الحاجة ورفع عددهم خاصة في الطب.
إنشرها

أضف تعليق