Author

الشفافية .. وسوق العقار

|
يعرف البروفيسور آن فلوريني الشفافية في كتابه (الحق بالمعرفة: الشفافية لعالم منفتح) بأنها مقدار المعلومات المتاحة للعامة من خارج المؤسسة التي تمكنهم من معرفة طريقة اتخاذ القرارات من قبل من يدير تلكم المؤسسة, وبذلك يتضح أن درجة الشفافية في المعلومات مرتبطة بمدى قدرة من هم خارج إطار المؤسسات الحكومية مثلا على معرفة المعلومات الأساسية التي من خلالها يتخذ مسؤولو المؤسسات الحكومية قرارتهم, وهذا المقدار من الشفافية سيجعل المسؤول أكثر حذرا عند اتخاذ القرارات التي تمس المصلحة العامة لأن أي معلومات متعلقة بالقرار ستكون متاحة وبالتالي تبني مواقف مخالفة لهذه المعلومات الواضحة أو اتخاذ قرار لا يصب في المصلحة العامة سيواجه بنقد علمي مؤصل بمعلومات ثابتة وموثقة, وعن أهمية الشفافية في المجال الاقتصادي يوضح تقرير فريق العمل على الشفافية والمحاسبة التابع لصندوق النقد الدولي أن الشفافية تساعد على تطور أداء الاقتصاد وذلك بمساهمتها في الحد من مخاطر عدم التيقن وكثرة المجاهيل لدى المتعاملين في السوق وكذلك تساعد على رفع مستوى الكفاءة في توزيع الثروة والموارد التي تتحقق من خلالها أعلى العوائد على مستوى الفرد والاقتصاد, وهذه المعلومات التي تصدرها الجهات المختلفة يجب أن تكون دقيقة ومحدثة بشكل دوري وفقا لمعايير واضحة, حيث تتيح للمهتمين القدرة على المقارنة والتحليل بكل سهولة, ويشير البروفيسوران فنج وجراهام من جامعة هارفرد في كتاب (كشف الحقائق) إلى أن سياسة الشفافية تمر بثلاثة أجيال تبدأ من حق الفرد بالمعرفة وهو إقرار الجهات المختلفة العامة والخاصة بأهمية رفع مستوى المعرفة لدى الفرد وحقه في الحصول على البيانات وهذا يكون على مستوى الأنظمة والتشريعات, ثم الجيل الثاني المتمثل بالشفافية المستهدفة التي تحول البيانات العامة إلى بيانات دورية قابلة للتحليل والدراسة وتكون على مستوى الجهات التنفيذية, والجيل الثالث يطلق عليه الشفافية التعاونية وفي هذه المرحلة تكون لدى المستخدمين القابلية للاستفادة من البيانات الأساسية الدورية وتحويلها إلى معلومات سهلة وميسرة عن طريق استخدام التكنولوجيا وغالبا من يقوم بها الجهات التجارية التي تحترف تقديم خدمات الدراسات والاستشارات, وذلك لتمكين المستخدم غير المتخصص من قراءتها والاستفادة منها بشكل مبسط. تقدم شركة JLL الرائدة في مجال الخدمات والاستشارات العقارية تقريرا سنويا عن مؤشر الشفافية للمعلومات العقارية لأكثر من 102 سوق عقارية حول العالم, وتستخدم فيه أكثر من 115 عنصرا لقياس المؤشر, وفي آخر تقرير كانت السوق العقارية في السعودية في المركز الـ62 وتصنيف (ذو شفافية منخفضة), وهذا ليس مستغربا لأن السوق العقارية تعاني الإهمال وتشتت الصلاحيات للمتعاملين فيها بين الجهات الحكومية المختلفة التي أضعفت مكانتها وجعلتها سوقا مشوهة لا يمكن لها أن تؤدي واجبها الاقتصادي الفعال كما يجب, بدأت بوادر الشفافية في السوق العقارية بإصدار وزارة العدل المؤشر العقاري الذي يوضح بعضا من ملامح السوق ولكنه للأسف لا يرقى إلى المستوى الذي يؤهله ليكون مرجعا للسوق العقارية سواء للمستثمرين أو المتعاملين فيها, وما أتحدث عنه بكل بساطة أن نصل إلى مستوى شفافية يمكن من خلاله للشخص البسيط الباحث عن وحدة سكنية ليشتريها أن يحصل على أسعار المبيعات خلال السنة الماضية مثلا في حي معين, وكذلك أن يتمكن الراغب في استئجار وحدة سكنية أو تجارية من الحصول على متوسطات الإيجار خلال الفترة الماضية في المنطقة نفسها, وهذا على مستوى الأفراد أو المنشآت الصغيرة أو المتوسطة, في المقابل يحتاج المستثمر المحلي أو الأجنبي الذي سيدفع مئات الملايين إلى أن يكون على معرفة تامة ببيانات السوق وتوجهاتها وأسعار المبيعات المنفذة في المنطقة التي تثير اهتمامه استثماريا. الخلاصة, تحتاج السوق العقارية إلى عديد من المعلومات والبيانات التي تساعد الأفراد والمستثمرين على اتخاذ القرار السليم وفقا لمعطيات ومعلومات صحيحة ميسرة للوصول إليها دون الحاجة إلى وساطات أو معارف, وهذا ما نؤمل من الهيئة العليا للعقار الاهتمام به مستقبلا, ولكن حتى ذلك الحين سنحتاج من وزارة العدل إلى أن تطور المؤشر العقاري وتوضح المصطلحات التي تستخدمها فيه, وأن تكون أكثر دقة لتجنب أخطاء بسيطة يمكن أن تؤثر بشدة في النتائج, مثلا بأن تسجل بيع الفيلا تحت خانة الأراضي السكنية لأن الصك لم يحدث بعد البناء ولم يذكر فيه أن الأرض تحتوي على فيلا وبالتالي تختلط الأمور على غير المتخصص وتنعدم فائدة المؤشر للمتخصص, كذلك فإن وزارة الشؤون البلدية والقروية مطالبة بتحديث دوري سواء أسبوعي أو نصف شهري لعدد رخص البناء في كل مدينة وكل حي ونوع هذه الرخص ومسطحات البناء لها, وعلى وزارة التجارة أن تتبنى تنظيم المهن العقارية خاصة المتعلقة بالوساطة العقارية وإدارة المرافق والأملاك لما لها من تأثير مباشر في السوق العقارية, وقبل ذلك كله نحتاج إلى غرس مفهوم حق الفرد في المعرفة في أذهان القائمين على المؤسسات الحكومية بكل مراتبهم, وأن يبادروا إلى تسهيل الحصول على المعلومة سواء للأفراد أو المؤسسات الخاصة.
إنشرها